الاثنين، 16 أغسطس 2021

الحكم رقم 33 لسنة 36 قضائية دستورية جلسة 8 مايو 2021

 الحكم رقم 33 لسنة 36 قضائية دستورية جلسة 8 مايو 2021

منطوق الحكم :

حكمت المحكمة : 

أولاً: بعدم دستورية نص المادة (179) من قانون العمل، الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، فيما تضمنه من اعتبار تقدم أحد طرفى منازعة العمل الجماعية إلى الجهة الإدارية، المختصة بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم، أمرًا ملزمًا لخصمه بالمضى فى هذه الإجراءات، ولو لم يقبلها. 

ثانيًا: بعدم دستورية نصى البندين ٣ و٤ من المادة (182) من القانون ذاته فيما لم يتضمناه من اشتراط، ألا يكون المحكم المختار عن التنظيم النقابى، وكذلك المحكم المختار عن الوزارة المختصة، فى عضوية هيئة التحكيم، المسند إليها الفصل فى منازعة العمل الجماعية، قد سبق اشتراكهما، بأية صورة، فى بحث المنازعــــــة ذاتها أو محاولة تسويتها. 

ثالثًا: رفض ما عدا ذلك من طلبات. رابعًا: إلزام الحكومة بالمصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

مواد التشريع :

المواد(179 , 180, 181 , 182, 183, 184, 185, 186, 187, 189, 190) من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 ثانيا : بسقوط المواد المرتبطة والواردة بالباب الرابع منازعات العمل الجماعية من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 بشأن قانون العمل الجديد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من مايو سنة 2021م، الموافق السادس والعشرين من رمضان سنة 1442 هـ.


برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة


وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة


وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين


وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى



فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 33 لسنة 36 قضائية دستورية.

المقامة من



رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة آمون للأدوية شركة مساهمة مصرية


ضد


١- رئيس مجلس الـــــــــــوزراء


٢- وزير الدولة للقوى العاملة والهجرة


٣- الممثل القانونى للنقابة العامة للعاملين بالكيماويات


٤- وزيـــــــــــر العـــــــــــدل

الإجراءات



بتاريخ السادس عشر من مارس سنة ٢٠١٤، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ، طالبة الحكم بعدم دستورية المواد (١٧٩، ١٨٠، ١٨١، ١٨٢، ١٨٣، ١٨٤، ١٨٥، ١٨٦، ١٨٧، ١٨٩، ١٩٠)، من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣. وسقوط المواد المرتبطة بها، أرقام (١٦٨، ١٦٩، ١٧٠، ١٧١، ١٧٢، ١٧٣، ١٧٤، ١٧٥، ١٧٦، ١٧٨) من ذلك القانون.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.


وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.


ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة


بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.


حيث إن الوقائع تتحصــــل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – فى أن نزاعًا قد نشب بين الشركة المدعية وبين خمسة وأربعين عاملاً، من ذوى الإعاقة، من العاملين لديها، حول امتناعها عن صرف علاواتهم الاجتماعية عن عام ٢٠١١، وحصصهم فى الأرباح السنوية عن الأعوام من ٢٠٠٩/٢٠١٢، وزيادة مرتباتهم وحوافزهم ومكافآتهم، وتسوية الحالة الوظيفية للحاصلين منهم على مؤهلات عليا أثناء الخدمة. وعلى إثر ذلك تقدمت النقابة العامة للعاملين بالكيماويات بطلب إلى الإدارة المركزية لعلاقات العمل والمفاوضة الجماعية بوزارة القوى العاملة لإجراء مفاوضة جماعية لتسوية النزاع وديًا. وبتاريخ ٢١/ ١٠/٢٠١٢، طلبت تلك النقابة إحالة النزاع للوساطة. وقدم الوسيط توصيات، رفضها الطرفان. وإزاء تعذر تسوية النزاع وديًا، طلبت النقابة إحالته إلى هيئة التحكيم العمالى بدائـرة محكمة استئناف طنطا مأمورية بنها . وقيد لديهـا برقــم ١ لسنة ٤٦ قضائية (تحكيم عمالى). تدوولت الدعوى أمام هيئة التحكيم، وحال نظرها بجلسة ٢٢/٥/٢٠١٣، دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية المواد (١٧٩، ١٨٠، ١٨١، ١٨٢، ١٨٣، ١٨٤، ١٨٥، ١٨٦، ١٨٧، ١٨٩، ١٩٠) من قانون العمــــل الصادر بالقانون رقــــم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، وسقوط المــــواد المرتبطة بهــــا أرقــــام (١٦٨، ١٦٩، ١٧٠، ١٧١، ١٧٢، ١٧٣، ١٧٤، ١٧٥، ١٧٦، ١٧٨). وإذ قدرت هيئة التحكيم العمالى بجلسة 19/2/2014، جدية الدفع، قررت التأجيل لجلسة ١٩/٣/٢٠١٤، وصرحت للشركة المدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة.

وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة، أن المادة (٣٠) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩، تنص على أنه يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقًا لحكم المادة السابقة، بيان النص التشريعى المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستورى المدعى بمخالفته، وأوجه المخالفـــــة. ومؤدى ذلك أن المشرع أوجب لقبول الدعوى الدستورية أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى بيانًا للنص التشريعى المطعون فيه بعدم الدستورية، وبيانًا للنص الدستورى المدعى مخالفته، وأوجه هذه المخالفة، باعتبار أن تلك البيانات الجوهرية هى التى تُنبئ عن جدية الدعوى، وبها يتحدد موضوعها، حتى يتاح لذوى الشأن - ومن بينهم الحكومة التى تعتبر خصمًا فى الدعوى الدستورية إعمالاً لنص المادة (35) من قانون هذه المحكمة - أن يتبينوا كافة جوانب المسألة الدستورية المعروضة بما ينفى التجهيل عنها. متى كان ذلك، وكانت صحيفة الدعوى المعروضة، جاءت خلوًا من بيان النصوص الدستورية المدعى مخالفتها، وأوجه هذه المخالفة بالنسبة للمواد (١٨٠، ١٨١، ١٨٣، ١٨٤، ١٨٥، ١٨٦، ١٨٧ فقـــــرة ١، ١٨٩، ١٩٠) مـــــن قانـــــون العمـــــل المشار إليـــــه، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهذه المواد.

وحيث إن المادة (١٧٩) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣ تنص على أنه إذا لم يقبل الطرفان أو أحدهما التوصيات التى قدمها الوسيط ، كان لأى منهما أن يتقدم إلى الجهة الإدارية المختصة بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم .

وتنص المادة (١٨٢) على أن تشكل هيئة التحكيم من:


١- إحدى دوائر محاكم الاستئناف التى تحددها الجمعية العمومية لكل محكمة فى بداية كل سنة قضائية، والتى يقع فى دائرة اختصاصها المركز الرئيسى للمنشأة، وتكون لرئيس هذه الدائرة رئاسة الهيئة.


٢- محكم عن صاحب العمل.


٣- محكم عن التنظيم النقابى تختاره النقابة العامة المعنية.


٤- محكم عن الوزارة المختصة يختاره الوزير المختص.


وعلى كل من صاحب العمل والتنظيم النقابى والوزارة المختصة أن يختار محكمًا احتياطيًّا يحل محل المحكم الأصلى عند غيابه.

وتنص المادة (١٨٧) على أن تطبق هيئة التحكيم القوانين المعمول بها، فإذا لم يوجـــــد نص تشريعى يمكن تطبيقــــــــــــه، حكــــــم القاضى بمقتضى العـــــرف، فإذا لـــــم يوجــــــــد فبمقتضى مبادئ الشريعـــــــــــة الإسلاميــــــــــــة، فإذا لم توجـــــــــد فبمقتضى مبادئ القانـــــــــون الطبيعى وقواعـــــــــــــــــد العدالة وفقا للحالة الاقتصادية والاجتماعية السائدة فى منطقة المنشأة.


ويصدر الحكم بأغلبية الآراء، فإذا تساوت يرجح الجانب الذى منه الرئيس، ويكون مسببًا ويعتبر بمثابة حكم صادر عن محكمة الاستئناف بعد تذييله بالصيغة التنفيذية.

وحيث إن من المقرر فى قضاء

المحكمة الدستورية العليا

أن المصلحة الشخصية المباشرة، شرط لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع، ويتحدد مفهوم هذه المصلحة باجتماع شرطين، أولهما: أن يقيـــــم المدعـــــى الدلـــــيل علـــــى أن ضـــــررًا واقعيًا قد لحـــــق به، وليس ضـــــررًا متوهمًا أو نظريًا أو مجهلاً. ثانيهما: أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون عليه. متى كان ذلك، وكانت الشركة المدعية تهدف من دعواها التحلل من وجوب اللجوء فى منازعة العمل الجماعية - السالف بيانها - إلى هيئة التحكيم العمالى بتشكيلها الذى لا يغلب عليه العنصر القضائى، وأن ينفتح لها سبيل التقاضى أمام جهات القضاء المختصة، ونظر النزاع على درجتين، ومن ثم فإن مصلحتها الشخصية المباشرة تغدو متحققة فى الطعن على دستورية المادة (١٧٩) والبندين 3، 4 من المادة (١٨٢) والفقرة الثانية من المادة (١٨٧) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣. ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما تضمنه نص المادة (179) من قانون العمل المشار إليه، من اعتبار تقدم أحد طرفى منازعة العمل الجماعية إلى الجهة الإدارية المختصة بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم، أمرًا ملزمًا لخصمه بالمضى فــــــى هــــــذه الإجــــــراءات التى لم يقبلها. وما لم يتضمنه نصا البنديـــن 3، 4 مـــن المـــادة (182) مـــن ذلك القانـــون مـــن اشتراط ألا يكون المحكم المختار عن التنظيم النقابى والمحكم المختار عن الوزارة المختصة فى عضوية هيئة التحكيم المسند إليها الفصل فى منازعة العمل الجماعية، قد سبق اشتراكهما بأيـــة صـــورة فـــى بحث النـــزاع أو محاولــــــة تسويته. وما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (187) من ذلك القانون من اعتبار حكم التحكيم العمالى صادرًا من محكمة الاستئناف بعد تذييله بالصيغة التنفيذية.

وحيث إن الشركة المدعية تنعى على نص المادة (179) من قانون العمل المشار إليه، فرض التحكيم جبرًا على أحد طرفى النزاع، بجعل التحكيم بديلاً عن الأصل، وهو طرح النزاع على جهات القضاء المختصة، بإجازته لأحد طرفى النزاع اتخاذ إجراءات التحكيم العمالى فى حالـــــة فشـــــل إجـــــراءات المفاوضة والوساطة، دون اشتراط موافقة الطرف الآخر، فضلاً عن افتقاد المحكم عن التنظيم النقابى الذى تختاره النقابة العامة المعنية، والمحكم عن الوزارة المختصة الذى يختاره وزيرها، شرطى الحيدة والاستقلال المتعين توافرهما فى القاضى، على ما جرى به نصا البندين ٣ و ٤ من المادة (١٨٢) من القانون السالف بيانه. كما تنعى على نص الفقرة الثانية من المادة (187) من القانون ذاته، تحصينه الحكم الصادر عن هيئة التحكيم العمالى من الطعن عليه، ونظره على درجة واحدة، باعتباره حكمًا صادرًا عن محكمة الاستئناف، مما يخل - وفق ما تراه الشركة المدعية - بمقتضيات حق التقاضى.

وحيث إن الباب الرابع من الكتاب الرابع من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، المعنون منازعات العمل الجماعية، افتتحه المشرع بنص المادة (168)، الذى جرى على أنه مع عدم الإخلال بحق التقاضى، تسرى أحكام هذا الباب على كل نزاع يتعلق بشروط العمل أو ظروفه أو أحكام الاستخدام، ينشأ بين صاحب عمل أو مجموعة من أصحاب الأعمال، وبين جميع العمال أو فريق منهم. وأوجب فى المادة (169) منه على طرفى النزاع الدخول فى مفاوضة جماعية لتسويته وديًّا، فإذا لم تتم التسوية خلال ثلاثين يومًا من تاريخ بدء المفاوضة، أجازت المادة (170) منه للطرفين أو أحدهما التقدم إلى الجهة الإدارية المختصة لاتخاذ إجراءات الوساطة، فإذا لم يقبل الطرفان أو أحدهما التوصيات التى قدمها الوسيط، أجازت المادة (179) من ذلك القانون، لأى منهما أن يتقدم إلى الجهة الإدارية المختصة بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم، ولم يشترط نص تلك المادة، أو المواد التالية لها موافقة الطرف الآخر على ولوج طريق التحكيم. ومن ناحية أخرى بينت المادة (182) من القانون المشار إليه تشكيل هيئة التحكيم، وتضم فى عضويتها محكمًا عن صاحب العمل، وآخر عن التنظيم النقابى تختاره النقابة العامة المعنية، ومحكمًا ثالثًا عن الوزارة المختصة يختاره الوزير المختص. ولم يرد فى نص تلك المادة، أو المواد التالية لها، اشتراط ألا يكون المحكم المختار عن التنظيم النقابى، والمحكم المختار عن الوزارة المختصة فى عضوية هيئة التحكيم قد سبق اشتراكه بأية صورة فى بحث المنازعة أو محاولة تسويتها. وأجازت المادة (188) من القانون المشار إليه لكل من طرفى النزاع أن يطعن فى حكم التحكيم أمام محكمة النقض بالشروط والأوضاع و

الإجراءات

ذاتها المقررة فى قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، وناطت المادة (190) من قانون العمل المشار إليه، بهيئة التحكيم نظر الإشكالات فى تنفيذ الأحكام الصادرة منها.

وحيث إن الدستور - بنص مادته السابعة والتسعين - قد كفل لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، مخولاً إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيَّأٌ دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضى غاية نهائية يتوخاها، تمثلها الترضية القضائية، التى يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها، لجبر الأضرار التى أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التى يكفلها لهم القانون والدستور، فإذا كبلها المشرع بقيود تعوق الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق وإنكارًا لشعيرة العدل فى جوهر ملامحها.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكَم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم فى ذلك النزاع بقرار يكون نائيًا عن شبهة الممالأة، مجردًا من التحامل، وقاطعًا لدابر الخصومة فى جوانبها التى أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضى الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريًّا يُذعن إليه أحد الطرفين، إنفاذًا لقاعدة قانونية آمرة، لا يجوز الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعًا قائمًا أو محتملاً، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه - وفقًا لأحكامه - نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التى يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التى يباشرها المحكمون عند البت فيها، ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذًا كاملاً وفقًا لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل فى نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها، وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالى بإسناد من الدولة. وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظامًا بديلاً عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضى الاتفاق عليه تنحية المحاكم عن نظر المسائل التى انصب عليها التحكيم، استثناء من أصل خضوعها لولاية القضاء.

وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز أن يكون التحكيم إجباريًّا يذعن له أطرافه أو بعضهم إنفاذًا لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، ذلك أن القاعدة التى تتأسس عليها مشروعية التحكيم، كأسلوب لفض المنازعات يغاير طريق التقاضى العادى، هى قاعدة اتفاقية تنبنى إرادة الأطراف فيها على أصولها وأحكامها، سواء توجهت هذه الإرادة الحرة إلى اختيار التحكيم سبيلاً لفض نزاع قائم بينهم، أو لفض ما عساه أن يقع مستقبلاً من خلافات بينهم تنشأ عن علاقاتهم التعاقدية، ومن هذه القاعدة الاتفاقية تنبعث سلطة المحكمين الذين يلتزمون حدود وأحكام ما اتفق عليه أطراف التحكيم. ومن ثم فإن التحكيم يعتبر نظامًا بديلاً عن القضاء فلا يجتمعان، لأن مقتضى الاتفاق عليه أن تعزل المحاكم عن نظر المسائل التي انصب عليها التحكيم استثناءً من أصل خضوعها لولايتها، وعلى ذلك فإنه إذا ما قام المشرع بفرض التحكيم قسرًا بقاعدة قانونية آمرة دون خيار فى اللجوء إلى القضاء، فإن ذلك يُعد انتهاكًا لحق التقاضى الذي كفله الدستور لكل مواطن بنص مادته السابعة والتسعين التى أكدت أن اللجوء إلى القضاء للحصـــــول على الترضية القضائيـــــة دون قيـــــود تعســـــر الحصـــــول عليهـــــا أو تحول دونها هو أحد الحقوق الجوهرية التى تبنى عليها دولة القانون، وتتحقق بها سيادته.

متى كان ما تقــــدم، وكان مــــؤدى نص المــــــــادة (١٧٩) مــــــــن قانون العمل - المطعون عليها - أنه إذا لم يقبل أى من الطرفين التوصيات التى قدمها الوسيط، كان له أن يتقدم إلى الجهة الإدارية المختصة، بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم، فتقوم بإحالة ملف النزاع الجماعى إلى هيئة التحكيم المشكلة وفقًا لنص المادة (182) من القانون ذاته، وتختص الأخيرة بنظر هذه المنازعة دون محاكم القضاء العادى. ومن ثم، يكون نص المادة (179) المشار إليه قد عطل حق طرف الخصومة التى اتخذت إجراءات التحكيم فى مواجهته من اللجوء الى قاضيه الطبيعى، إذ جعل اللجوء إلى خيار التحكيم المقيد بالشروط والضوابط المنصوص عليها فى القانون وسيلة جبرية لا يجوز فض منازعة العمل الجماعية إلا بمقتضاها، نائيًا بذلك عن طبيعة التحكيم، منافيًا لأصل كونه لايتولد إلا عن إرادة حرة واعية، ولا يجوز إجراؤه تسلطًا وكرهًا، ومن ثم يغدو تقدم أحد طرفى منازعة العمل الجماعية إلى الجهة الإدارية بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم أمرًا ملزمًا لخصمه بالمضى فى هذه

الإجراءات

ولو لم يقبلها، معطلاً لحق التقاضى، منتقصًا منه، بما يكون معه القضاء بعدم دستوريته - فى النطاق السابق بيانه - متعينًا.

ومن حيث إن ضمانة الفصل إنصافًا فى المنازعات على اختلافها وفق نص المادة (٩٧) من الدستور، تمتد بالضرورة إلى كل خصومة قضائية، أيًّا كانت طبيعة موضوعها جنائيًّا كان أو مدنيًّا أو تأديبيًّا، إذ إن النظر فى هذه الخصومات وحسمها إنما يتعين إسناده إلى جهة قضاء أو هيئة قضائية منحها القانون اختصاص الفصل فيها بعد أن كفل استقلالها وحيدتها وأحاط الحكم الصادر فيها بضمانات التقاضى التى يندرج تحتها حق كل خصم فى عرض دعواه وطرح أدلتها، والرد على ما يعارضها على ضوء فرص يتكافأ أطرافها، ليكون تشكيلها وقواعد تنظيمها وطبيعة النظم المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها عملاً، محددًا للعدالة مفهومًا تقدميًّا يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة.

وحيث إن مؤدى حق التقاضى المنصوص عليه فى المادة (٩٧) من الدستور، أن لكل خصومة - فى نهاية مطافها - حلاً منصفًا يمثل الترضية القضائية التى يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها. وتفترض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقًا لأحكام الدستور، وهى لا تكون كذلك إذا كان تقريرها عائدًا إلى جهة أو هيئة تفتقر إلى استقلالها أو حيدتها أو هما معًا، ذلك أن هاتين الضمانتين- وقد فرضهما الدستور على ما تقدم- تعتبران قيدًا على السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، ومن ثم يلحق البطلان كل تنظيم تشريعى للخصومة القضائية على خلافهما.

وحيث إن استقلال هيئة التحكيم فيما يصدر عنها من أعمال قضائية ليس استقلالاً دائرًا فى فراغ، بل يتحدد مضمونه - فى نطاق الطعن الراهن - بمفهوم استقلال السلطة القضائية باعتبارها المنوط بها أصلاً مهمة القضاء، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن استقلال السلطة القضائية وحيدتها ضمانتان تنصبان معًا على إدارة العدالة بما يكفل فعاليتها، وهمــــــا بذلك متلازمتان. وإذا جاز القــــــول- وهو صحيح- بأن الخصومة القضائية لا يستقيم الفصل فيها حقًا وعدلاً إذا خالطتها عوامل تؤثر فى موضوعية القرار الصادر بشأنها، فقد صار أمرًا مقضيًا أن تتعادل ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها فى مجال اتصالها بالفصل فى الحقوق انتصافًا لتكون لهما معًا القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداهما على الأخرى أو تجبها بل تتضاممان تكاملاً وتتكافآن قدرًا.

متى كان ما تقدم، وكان البين من نصى البندين ٣ و٤ من المادة (١٨٢) من قانون العمل السالف الذكر، أنهما لم يشترطا عدم سابقة اشتراك المحكمين المختارين بأى صورة فى بحث النزاع أو محاولة تسويته قبل عرضه على هيئة التحكيم، مما يضمن عدم اتصال أى منهما بالمنازعة اتصالاً سابقًا على إسناد ولاية الفصل فيها إليهما، فإن ذلك مما ينافى قيم العدل ومبادئــــــــه وينتهك ضمانة الحيدة التى يقتضيهــــــــــــا العمـــــــــل القضائــــــــــى بالنسبة إلى فريــــــــــق من المتقاضين، ومنطويًا بالضرورة على إخلال بحق التقاضى، ومخالفًا لنص المادة (٩٧) من الدستور، مما يتعين معه الحكم بعدم دستوريته.

وحيث إنه عن النعى بمخالفة نص الفقرة الثانية من المادة (187) من قانون العمل المشار إليه لحق التقاضى؛ بقصره الفصل فى منازعة العمل الجماعية على هيئة التحكيم العمالى، واعتبار حكمها صادرًا من محكمة الاستئناف بعد تذييله بالصيغة التنفيذية، فمن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الأصـــــل فى سلطة المشرع فـــــى تنظيمه لحـــــق التقاضى أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض فى شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغى التزامها، وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع بإتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها فى صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التى يباشر الحق فى التقاضى فى نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًّا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق فى صورتها الأكثر اعتدالاً. ومن هنا فإن ضمان سرعة الفصل فى القضايا غايته أن يتم الفصل فى الخصومة القضائية بعد عرضها على قضاتها خلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهيًّا. وقصر حق التقاضى فى المسائل التى فصل فيها الحكم على درجة واحدة، هو مما يستقل المشرع بتقديره بمراعاة أمرين؛ أولهما: أن يكون هذا القصر قائمًا على أسس موضوعية تمليها طبيعة المنازعة وخصائص الحقوق المثارة فيها. وثانيهما: أن تكون الدرجة الواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى من حيث تشكيلها وضماناتها والقواعد المعمول بها أمامها، وأن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل فى عناصر النزاع جميعها الواقعية منها والقانونية فلا تراجعها فيما تخلص إليه من ذلك أية جهة أخرى، وتبعًا لذلك فلا يجوز من زاوية دستورية انفتاح طـــــرق الطعـــــن فى الأحكام أو منعها إلا وفق أسس موضوعية ليس من بينها مجرد سرعة الفصل فى القضايا.

وحيث إن من المقرر كذلك فى قضاء هذه المحكمة أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيما بينهم فى ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية فى مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحـــــق مقصـــــورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملًا بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييـــــز فيهـــــا، وفى إطـــــار من القيود التى يقتضيها تنظيمـــــه، ولا تصل فى مداها إلى حد مصادرته.

وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان المشرع قد وصف حكم هيئة التحكيم، فى نص الفقرة الثانية من المادة (187) من القانون المشار إليه، بأنه يعتبر بمثابة حكم صادر عن محكمة الاستئناف بعد تذييله بالصيغة التنفيذية ، وذلك إعمالاً لسلطته التقديرية فى شأن التنظيم الإجرائى للخصومة فى منازعات العمل الجماعية التى تقام أمام هيئة التحكيم العمالى، بأن وضع للحماية القضائية للمتقاضين أمامها نظامًا للتداعى، من خلال ربط هذا التنظيم الإجرائى للخصومة فى مجمله بالغايات التى استهدفها المشـــــــــرع من هذا التنظيم، التى تتمثل - على ما يتضح جليًّا من الأعمال التحضيرية للقانون - فى تحقيق المصلحة العامة عن طريق إقامة هيئة تحكيم متخصصة فى نظر هذه المنازعات وما يستلزمه ذلك من حسم هذه المنازعات بالسرعة التى تتفق مع الطبيعة الخاصة لها، والتى يُعتبر الزمن عنصرًا جوهريًا فى حسمها، وعاملاً أساسيًّا لاستقرار المراكز القانونية المتعلقة بها، مع عدم الإخلال فى الوقت ذاته بكفالة الضمانات الأساسية لحق التقاضى، بما يجعل للخصومة فى هذا النوع من المنازعات حلاً منصفًا يرد العدوان على الحقوق المدعى بها فيها، وفق أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزًا منهيًّا عنه بين المخاطبين بها، مما يتفق مع سلطة المشرع فى المفاضلة بين أكثر من نمط لتنظيم إجراءات التقاضى، دون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم. ومن ثم تكون المغايرة التى اتبعها المشرع فى تنظيمه لإجراءات فض المنازعات العمالية أمام هيئات التحكيم على أساس نوع المنازعة باعتبارها تعكس أهميتها النسبية، قائمة على أسس مبررة تستند إلى واقع مختلف يرتبط بالأغراض المشروعة التى توخاها، فضلاً عن أن الفقرة الثالثة من المادة (188) من قانون العمل المشار إليه، أجازت لكل من طرفى النزاع أن يطعن على حكم التحكيم العمالى أمام محكمة النقض، والتى تملك – وفقًا لنص المادة (251) من قانون المرافعات – وقف تنفيذ ذلك الحكم. وتبعًا لذلك تنتفى قالة الإخلال بمبدأ المســـاواة أو تقييد حق التقاضى. ومن ثم فإن النص المطعـــــون فيه لا يكون مخالفًا لأحكام المادة (٩٧) من دستور سنة ٢٠١٤ ، كما لا يخالف أى أحكام أخرى من هذا الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض هذا النعى.


وحيث إنه عن طلب سقوط المواد (168، 169، 170، 171، 172، 173، 174، 175، 176، 178) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، فإن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن طلب السقوط يعتبر من قبيل التقديرات التى تملكها المحكمة الدستورية العليا ، فيما لو قضت بعدم دستورية نص معين، ورتبت السقوط للمواد الأخرى المرتبطة به ارتباطًا لا يقبل التجزئة، وهو أمر تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها حتى ولو لم يطلبه الخصوم. متى كان ذلك، وكان العوار الذى أصاب نص المادة (179) والبندين 3، 4 من المادة (182) من القانون المشار إليه، لا يستطيل أثره إلى نظام التحكيم العمالى، إذا توافق طرفا المنازعة العمالية الجماعية على اللجوء للتحكيم، وروعـــــى فى المحكمين المختارين عن التنظيم النقابى وعـــــن الـــــوزارة المختصة ما يكفل حيادهما، بعدم المشاركة بأية صورة فى بحث المنازعة ذاتها أو محاولة تسويتها. ومن ثم لا يوجد ارتباط لا يقبل التجزئة بين أحكام هذين النصين، ونصوص المواد المطلوب الحكم بسقوطها.

فلهــذه الأسبـاب


حكمت المحكمة :


أولاً: بعدم دستورية نص المادة (179) من قانون العمل، الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، فيما تضمنه من اعتبار تقدم أحد طرفى منازعة العمل الجماعية إلى الجهة الإدارية، المختصة بطلب اتخاذ إجراءات التحكيم، أمرًا ملزمًا لخصمه بالمضى فى هذه الإجراءات، ولو لم يقبلها.


ثانيًا: بعدم دستورية نصى البندين ٣ و٤ من المادة (182) من القانون ذاته فيما لم يتضمناه من اشتراط، ألا يكون المحكم المختار عن التنظيم النقابى، وكذلك المحكم المختار عن الوزارة المختصة، فى عضوية هيئة التحكيم، المسند إليها الفصل فى منازعة العمل الجماعية، قد سبق اشتراكهما، بأية صورة، فى بحث المنازعــــــة ذاتها أو محاولة تسويتها.


ثالثًا: رفض ما عدا ذلك من طلبات.


رابعًا: إلزام الحكومة بالمصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

أمين السر رئيس المحكمة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق