الثلاثاء، 15 أبريل 2025

الطعن رقم 9069 لسنة 70 قضائية ادراية عليا دائرة توحيد المبادئ جلسة 04 مارس 2025

الطعن رقم 9069 لسنة 70 قضائية ادراية عليا دائرة توحيد المبادئ جلسة 04 مارس 2025
ترجيح الاتجاه الذي مؤداه أحقية الجهة الإدارية فى استرداد ما سبق صرفه من فروق مالية للموظف تنفيذاً لحكم صدر لصالحه من محكمة القضاء الإداري وقُضي بإلغائه بموجب حكم صادر من المحكمة الإدارية العليا، إعمالاً للحجية المطلقة للحكم القضائى النهائى البات، دون الاعتداد بما ورد بالقانون رقم (٤) لسنة ٢٠٠٠ بشأن التجاوزر عما سبق صرفه باعتباره يسرى على الوقائع السابقة عليه دون اللاحقة، ودون الاعتداد بتوافر حسن نية العامل بشأن ما تم صرفه باعتبار أن الجهة الإدارية تقوم بتنفيذ الحكم القضائى النهائى البات، ودون النظر إلى أن علاقة الموظف بالجهة الإدارية علاقة تنظيمية ولا يسرى عليها ما يسرى بشأن روابط القانون الخاص، ذلك أن قيام الجهة الإدارية باسترداد ما صُرف له بغير حق قد تم إعمالاً لحجية الحكم القضائى وليس تطبيقاً لقواعد التى تسرى على روابط القانون الخاص.

نص الحكم :
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
دائرة توحيد المبادئ
بالجلسة المنعقدة علنا برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ أحمد عبد الحميد عبود
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / فوزي عبد الراضي سليمان نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / أسامة يوسف شلبي يوسف نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / مختار علي جبر حسن نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / السيد محمد لطفي المرسي نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / عمر ضاحي عمر ضاحي نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / عبد السلام عبد المجيد عبد السلام النجار نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / رضا عبد المعطي السيد محمود نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / محمد عبد السميع محمد إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / محمد رجب خليل إبراهيم نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / محمود فؤاد محمود عمار نائب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار / محمود سيد فؤاد علي مفوض الدولة
وسكرتارية السيد / وائل محمود مصطفى سكرتير الجلسة
أصدرت الحكم الآتي
في الطعن رقم ٩٠٦٩ لسنة ٧٠ ق عليا
المقام من / إسماعيل التهامي إسماعيل طه
ضد/
شيخ الأزهر
) بصفته)
في الحكم الصادر من محكمة القضاء الاداري بالقاهرة (الدائرة الحادية والعشرون) في الدعوى رقم ٤٩١١٦ لسنة ٧٧ ق. بجلسة 24/10/2023
الإجراءات
بتاريخ ۲۰۲۳/۱۲/۲۳ أودع وكيل الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن الماثل، قيد بجدولها العام بالرقم المسطر عالية، وذلك طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الحادية والعشرون) في الدعوى رقم ٤٩١١٦ لسنة ٧٧ق. بجلسة ۲۰۲۳/۱۰/۲٤ والقاضي منطوقه بقبول الدعوى شكلًا، ورفضها موضوعاً، وألزمت المدعي المصروفات .
وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن - للأسباب الواردة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً ببراءة ذمته مما حصل عليه من مستحقات مالية بناء على حكم قضائي واجب النفاذ، واعتبار المطالبة بهذه المستحقات كأن لم تكن مع إلزام المطعون ضده بصفته المصروفات .
وجرى إعلان تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن.
وجرى نظر الطعن أمام الدائرة التاسعة (فحص) بالمحكمة الإدارية العليا على النحو المبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة ۲۰۲٤/٤/١٨ قررت إحالته إلى الدائرة التاسعة (موضوع) بالمحكمة لنظره بجلسة ٢٠٢٤/٥/٢٣، فنظرته المحكمة بهذه الجلسة، وتدوول نظره أمامها على النحو المبين بمحاضر الجلسات وبجلسة ۲۰۲/۱۱/۲۱ قررت وقف الطعن تعليقاً وإحالته إلى الدائرة المشكلة طبقا لنص المادة (٥٤) مكرراً من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲ ، والمضافة بالقانون رقم ١٣٦ لسنة ۱۹۸٤ ، وذلك لترجيح أحد الاتجاهين اللذين انتهجتهما المحكمة الإدارية العليا في شأن مدى أحقية الجهة الإدارية في استرداد ما سبق صرفه من فروق مالية للموظف العام تنفيذاً لحكم صدر لصالحه من محكمة القضاء الإداري والذي ألغى بموجب حكم صادر من المحكمة الإدارية العليا.
ونفاذاً لذلك، فقد ورد الطعن الماثل إلى دائرة توحيد المبادئ، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه ترجيح الاتجاه الأول، الذي مقتضاه أحقية الجهة الإدارية في استرداد ما تم صرفه بدون وجه حق، تنفيذاً لحكم قضائي قضى بإلغائه من محكمة الطعن، وذلك على النحو المبين بالأسباب، مع الأمر بإعادة الطعن إلى الدائرة التاسعة بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه في ضوء ما تقدم.
وتدوول نظر الطعن امام دائرة توحيد المبادئ وذلك على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة ٢٠٢٥/١/٢٠ قررت المحكمة اصدار الحكم في الطعن بجلسة 2025/۳/۳، وفيها تم تأجيل جلسة النطق بالحكم إداريا لجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم واودعت مسودته المشتملة على اسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات، والمداولة قانونا.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن كان قد أقام الدعوى رقم ٤٩١١٦ لسنة ٧٧ .ق. بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بتاريخ ٢٠٢٣/٥/٣، طالباً في ختامها الحكم ببراءة ذمته من سداد مبلغ وقدره (۱۷۱۳۱,۸۰) جنيه واعتبار هذه المطالبة كأن لم تكن ورد ما تم خصمه من مرتبه بدون وجه حق مع ما يترتب على ذلك من آثار، مع الزام المدعى عليه بصفته المصروفات .
وذكر شرحا لدعواه، أنه بتاريخ ۲۰۲١/٦/١٩ فوجئ بإخطاره بسداد فروق مالية قيمتها (۱۷۱۳۱,۸۰) جنيها عن فترة بعثته للخارج، والتي سبق وان تم صرفها له تنفيذاً لحكم محكمة القضاء الإداري الصادر في الدعوى رقم ٢٦٧٩٨ لسنة ٦٣ق. والذي ألغى بموجب الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم ٢٦٤٥٩ لسنة ٥٨ق. عليا، ولما كان المدعي قد صرف هذه الفروق عن فترة عمله بالخارج تنفيذاً لحكم محكمة القضاء الإداري وأن العلاقة بين المدعي وجهة الإدارة هي علاقة تنظيمية من روابط القانون العام ولا يسرى عليها ما يسرى على روابط القانون الخاص، وأن هذه الفروق عبارة عن فروق مرتب وملحقاته ، ومن ثم لا يحق للجهة الإدارية المطالبة بها، الأمر الذي حدا به إلى اقامة دعواه بطلباته سالفة البيان وتدوول نظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة ۲۰۲۳/۱۰/۲٤ اصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه سالف الذكر.
وشيدت المحكمة قضاءها تأسيساً على أنه وفقا للثابت من الأوراق فإن المدعي سبق وأن اقام الدعوى رقم ٢٦٧٩٨ لسنة ٦٣ق. امام محكمة القضاء الإداري بطلب الحكم بأحقيته في صرف منحة (النقل) القطع المفاجئ لبعثته بما يعادل ما كان يتقاضاه من مرتب ورواتب اضافية عن مدة ثلاثة أشهر بفئة الخارج مضافا اليها العلاوات الخاصة وعلى أساس سعر الصرف وقت الوفاء، وبجلسة ۲۰۱۳/5/۲۷ قضت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بأحقية المدعي في صرف تعويض يعادل ما كان يتقاضاه من مرتب ورواتب اضافية عن مدة ثلاثة أشهر كحد اقصى وعلى أساس فئة الخارج وسعر الصرف وقت الوفاء والزمت جهة الإدارة المصروفات . فأقامت الجهة الإدارية المدعى عليها الطعن رقم ٢٦٤٥٩ لسنة ٥٨ .ق. عليا طعنا على الحكم المشار اليه امام المحكمة الإدارية العليا والتي قضت بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض الدعوى والزمت المطعون ضده المصروفات ، ولما كانت الجهة الإدارية قد قامت بصرف مبلغ (۱۷۱۳۱,۸۰) جنيها للمدعى تنفيذاً للحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري المشار اليه، وإذ قضى بإلغاء هذا الحكم والقضاء مجدداً برفض الدعوى، فمن ثم تضحى مطالبة الجهة الإدارية للمدعى بسداد ما جرى صرفه بمقتضى الحكم الصادر في الدعوى رقم ٢٦٧٩٨ لسنة ٦٣ق والمقضي بإلغائه بموجب الحكم الصادر في الطعن رقم ٢٦٤٥٩ لسنة ٥٨ق. عليا قائمة على سند صحيح من القانون، وتغدو مطالبة المدعي ببراءة ذمته من هذا المبلغ ورد ما قامت جهة الإدارة من خصمه من أجره وفاء لحقها في غير محلها جديرة بالرفض واضافت المحكمة بأنه لا ينال مما تقدم بأن التجاوز عن استرداد ما ليس مستحقا إنما تمليه قواعد العدالة والمبادئ العامة وضرورات سير المرافق العامة وما تقتضيه من مراعاة عمال المرافق العامة وتأمينهم ضد المفاجآت وحتى لا تضطرب حياتهم ويخل معه أمر معيشتهم طالما لم يكن للعامل شأن بهذا الخطأ، أو يقترن ذلك بغش، أو سعي منه غير مشروع، أو مجاملة من القائمين على أمره بالجهة الإدارية، فإنه مردود عليه بأنه ولئن كانت الاعتبارات التي قام عليها مبدأ التجاوز عن استرداد غير المستحق في شأن العامل أو الموظف، جديرة بالاعتبار والحماية، إلا أنها تصطبغ بطابع المصلحة الخاصة، التي يجب أن يُنظر إليها دون إهمال لمقدرات المصلحة العامة المتمثلة في الحفاظ على موارد الجهة الإدارية وما يلزم معه من حماية المال العام والحفاظ عليه وتقدير أوجه الصرف فيه، وأن من شأن إعمال التجاوز عن استرداد ما ليس مستحقا فوات المصلحة العامة، وإذا كانت القواعد الكلية في الفقه قد جرت على أنه إذا تعارضت المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة، وقد تعذر الجمع أو التوفيق بينهما فلا مناص من تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وهو الأمر الذي مؤداه الزام الجهة الإدارية بالسعي نحو تحصيل ما جرى صرفه - وقد تبين صرفه بدون وجه حق - وعدم التفريط فيه تغليبا للمصلحة العامة ورعاية للخزانة العامة.
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى الطاعن فقد بادر بالطعن عليه ناعياً على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ومخالفته للمبادئ القانونية التي استقر عليها افتاء وقضاء مجلس الدولة من عدم جواز استرداد الفروق المالية التي تم صرفها للموظف العام بدون وجه حق نتيجة تسوية خاطئة أو فتوى عُدل عنها أو حكم قضائي قضى بإلغائه طالما كان هناك حُسن نية من الموظف ولم يكن صرف هذه المبالغ نتيجة خطأ متعمد أو غش أو تدليس أدخله على الجهة الإدارية، فإذا ما ثبت حُسن نية الموظف وأنه لم يكن له أي دور في صرف هذه المبالغ التي ثبت بعد ذلك أنها قد صرفت له بدون وجه حق، وان الطاعن صرف هذه المبالغ بموجب حكم قضائي فمن ثم فلا يجوز مطالبته برد ما صرف له تنفيذاً لحكم قضائي واجب النفاذ. واختتم الطاعن تقرير طعنه بالطلبات سالفة البيان.
ومن حيث إن جوهر الاحالة إلى هذه الدائرة ينحصر - تقيداً بنطاق النزاع محل الطعن الماثل - في الترجيح بين احد الاتجاهين اللذين انتهجتهما المحكمة الإدارية العليا فيما صدر عنها من أحكام بشأن مدى أحقية الجهة الإدارية في استرداد ما سبق صرفه من فروق مالية للموظف تنفيذاً لحكم صدر لصالحه من محكمة القضاء الإداري وتم إلغاؤه بموجب حكم صادر من المحكمة الإدارية العليا .
حيث ذهب الاتجاه الأول الى أحقية الجهة الإدارية في استرداد ما سبق صرفه من فروق مالية للموظف تنفيذاً لحكم صدر لصالحه من محكمة القضاء الإداري وقضى بإلغائه بموجب حكم صادر من المحكمة الإدارية العليا وذلك استناداً الى انه ولئن كان لا تثريب على الموظفين أو العاملين بالدولة فيما يُصرف لهم بسبب أعمالهم من مبالغ مالية دون وجه حق، إذا صرفت بحسن نية ودون تدخل إرادي منهم، أو نتيجة حكم قضائي واجب النفاذ أو فتوى أو رأى قانوني. إلا أن الدستور والقانون يوجبان على الموظف أو العامل ردها إذا صدر بذلك حكم قضائي بات واجب النفاذ بإلغاء الحكم أو الأداة المنتجة في صرفها، أو عدل عن الفتوى أو الرأي الذي أباح الصرف بداءة. فلا يجوز له الامتناع عن ردها بزعم أن علاقة الموظف أو العامل بالجهة الإدارية التي صرفت له هذه المبالغ المالية علاقة تنظيمية من روابط القانون العام وليست من علاقات القانون المدني. ذلك أن مسألة رد المبلغ المنصرف بغير وجه حق لا دخل لها في طبيعة العلاقة التنظيمية بين الموظف أو العامل والجهة الإدارية التي صرفته، لكون المبلغ أموال عامة خرج من ميزانية جهة إدارية من جهات الدولة، مما تتطلب معه قواعد الشرعية الدستورية والقانونية تصحيح كل إجراء مالي نشأ معيبا، ولو تم بحسن نية، طالما ثبت قانونا عدم مشروعيته، بغض النظر عما مضى على صرفه من زمن أو استقر من أوضاع، وحتى وإن انتهت علاقة الموظف أو العامل بالوظيفة أو بالجهة الإدارية.
(في هذا الاتجاه حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم ۱۰۲٦٩٧ لسنة ٦٩ ق. عليا بجلسة ٢٠٢٤/٤/١٨).
بينما ذهب الاتجاه الثاني الى عدم أحقية الجهة الإدارية في استرداد ما سبق صرفه من فروق مالية للموظف تنفيذاً لحكم صدر لصالحه من محكمة القضاء الإداري والمقضي بإلغائه بموجب حكم صادر من المحكمة الإدارية العليا وذلك تأسيساً على أنه في مجال علاقة الدولة بالعاملين بمرافقها العامة المتعددة فقد بات الرأي مستقراً على أنها علاقة تنظيمية من روابط القانون العام تدور في فلكه وتخضع لأحكامه، وثار بشأن هذه العلاقة أمر الموازنة بين الشرعية والاستقرار، فالشرعية تتطلب تصحيح كل ما هو معيب بغض النظر عما مضى عليه من الزمن بينما هـ دواعي الاستقرار الاعتداد بما صدر معيباً متى مضت عليه مدة معينة حفظاً لاستقرار المراكز القانونية من الزعزعة وقد ثقلت موازين دواعي الاستقرار فنشأت قاعدة التحصن والتي يغدو بموجبها القرار المعيب بمنأى عن السحب والتعديل بمرور ستين يوماً والعامل وهو ينخرط في خدمة أحد مرافق الدولة نظير أجر فإنه يعتمد - بحسب الغالب الأعم - على هذا الأجر في أمر معيشته ونفقات أسرته التي يعولها فيرتب حياته وتستقيم معيشته على أساس هذا الأجر فإذا ما قامت جهة الإدارة بتسوية حالته على نحو زاد في أجره بما ليس من حقه ولم تقترن هذه التسوية بسعي غير مشروع من العامل أو بما يُدخل به الغش على الجهة الإدارية فإن دواعي الاستقرار التي ثقلت موازينها في القانون الإداري وقواعد العدالة التي تحتل شأناً عظيماً في فروع القانون عامة والقانون الإداري خاصة والمبادئ العامة التي تمليها ضرورات سير المرافق العامة وما تقتضيه من رعاية عمال المرافق العامة وتأمينهم ضد المفاجآت التي تضطرب بها حياتهم حتى ينخرطوا في خدمة المرفق آمنين مطمئنين يعطون أفضل ما عندهم، فكل أولئك يقتضى القول بألا يسترد من العامل ما سبق صرفه إليه بغير وجه حق إثر تسوية تبين خطوها كلها أو في جزء منها على نحو ما سلف بيانه حتى لا تضطرب حياة هذا العامل ويختل أمر معيشته وأسرته اختلالاً شديداً دون أن يكون له شأن بالخطأ الذي وقعت فيه جهة الإدارة. ولا جرم أن ذلك كله منوط بتوافر حسن النية لدى العامل والقائمين على أمره بالجهة الإدارية سداً لكل ذريعة نحو التحايل أو المجاملة فإذا أفصحت الأوراق عن غش أو تواطؤ أو مجاملة فينهض حق جهة الإدارة في الاسترداد من العامل لرد قصده عليه وتفويتاً لباطل مسعاه فضلاً عن المساءلة التأديبية للعامل ولمن شاركوه هذا الإثم قطعاً للسبيل أمام كل من تسول له نفسه أن يعطى أو يأخذ غير المستحق من أموال المرفق الذي يعمل به غشاً أو مجاملة. ولا يُحاج في ذلك بأن أحكام القانون المدني تقضى بالتزام من أخذ مبالغ بغير حق بردها ذلك أن علاقة الدولة بالعاملين بها - كما سبق القول - علاقة تنظيمية تدور في فلك القانون العام وتخضع لأحكامه ولا يسرى عليها بالضرورة كل ما يسرى على روابط القانون الخاص .
(في هذا الاتجاه حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم ٥۸۰۲۸ لسنة ٦٨ ق. عليا جلسة ٢٠٢٣/٩/٣)
وحيث إن مقطع النزاع في الطعن الماثل يدور حول مدى أحقية الجهة الإدارية في استرداد ما سبق صرفه من فروق مالية للموظف تنفيذاً لحكم صدر لصالحه من محكمة القضاء الإداري وقضى بإلغائه بموجب حكم صادر من المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن الدستور المصري الحالي الصادر سنة ۲۰۱٤، ينص في المادة (۹٤) على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة. وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات .
وتنص المادة (۱۰۰) منه على أن تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب، وتكفل الدولة وسائل تنفيذها على النحو الذي ينظمه القانون. ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين، جريمة يعاقب عليها القانون،
كما تنص المادة (۱۰) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٦٨، على أن الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقص هذه الحجية، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلا وسببا. وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها .
ومن حيث إن قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بالقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲ ينص في المادة (٥٢) على أن تسري في شأن جميع الأحكام القواعد الخاصة بقوة الشيء المحكوم فيه، على أن الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون حجة على الكافة .
ومن حيث إنه من المستقر عليه أن الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة، ولا يجوز المجادلة فيه إلا عن طريق الطعن المقرر قانونا، وإذا غدا الحكم واجب التنفيذ تعين على الموظف المختص تنفيذه أيا كانت أوجه المثالب التي يراها في هذا الحكم، حيث لا يجوز وقف تنفيذ الحكم أو نقضه أو تعطيله إلا عن طريق المحكمة التي أصدرته أو محكمة الطعن بحسب الأحوال المقررة للطعن في الأحكام القضائية، وعلى الجهة الإدارية أن تقوم بتنفيذ الأحكام فإن هي تقاعست أو امتنعت عن التنفيذ اعتبر ذلك الامتناع بمثابة قرار إداري سلبي مخالف للقانون يحق معه للمتضرر أن يطعن عليه أمام القضاء الإداري إلغاءً أو تعويضاً .
ومن حيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أن قوة الأمر المقضي التي اكتسبها الحكم تعلو على اعتبارات النظام العام، وأن من أثرها منع الخصوم من العودة إلى المناقشة في المسألة التي فصل فيها، بأدلة قانونية، أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى، أو لم يبحثها الحكم الصادر فيها، أو أن يكون الحكم قد حسمها بصورة صريحة أو ضمنية. وأن المشرع في المادة (٥٢) من قانون مجلس الدولة المشار إليه أفرد جميع أ أحكام محاكم مجلس الدولة القطعية بحكم خاص استثناء من حكم المادة (۱۰۱) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية المشار إليه، حيث جعلها بمختلف درجاتها تحوز قوة الأمر المقضي بمجرد صدورها، وهذه القوة تشمل في طياتها الحجية أيضا، وأن الأحكام القضائية القطعية الصادرة عن محاكم المجلس تفرض نفسها عنوانا للحقيقة، ويلزم تنفيذها نزولاً على قوة الأمر المقضي الثابتة لها قانونًا تنفيذاً كاملاً غير منقوص على الأساس الذي أقام عليه الحكم قضاءه، وصولاً إلى الترضية القضائية التي يبتغيها من يلجأ إلى محاكم مجلس الدولة، فيتعين الالتزام بالأحكام الصادرة عنها، ويمنع المحاجة فيها صدعًا بحجيتها القاطعة، ونزولا على قوتها التنفيذية، كما لا يجوز الامتناع عن تنفيذها، أو تنفيذها بصورة أخرى غير تلك التي صدرت بها إعمالا لقوة الأمر المقضي التي تعلو على اعتبارات النظام العام .
ولما كانت الأحكام الصادرة عن محاكم مجلس الدولة تسري في شأنها القواعد الخاصة بقوة الشيء المحكوم به فيما فصلت فيه، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها، باعتبارها عنوان الحقيقة صدرت باسم الشعب ويجب تنفيذها باسمه، وأن إهدارها بالامتناع عن تنفيذها أو تعطيله، فضلا عن تعارضها وتصادمها مع أحكام الدستور، يمثل جريمة جنائية وافتئاتاً على سلطة القضاء واستهانة بأحكامه وتعطيلا لحسن سير العدالة. فإنه يكون حتما مقضيا الامتثال لتلك الأحكام وتنفيذها حسبما قضت به في منطوقها والأسباب المكملة له، والانصياع لها من جانب الحكام والمحكومين. وأن القول بغير ذلك يفرغ المبادئ الدستورية من مضمونها، ومنها حق التقاضي و استقلال القضاء و حجية الأحكام و سيادة الشعب وغيرها، وهو أمر يتعين على جهات الدولة كافة أن تنأى عنه، إعلاء للشرعية وسيادة القانون.
و أثراً لذلك، فإن جهة الإدارة تلتزم بتنفيذ الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة - ولو تم الطعن عليها أمام المحكمة الإدارية العليا - ولدائرة فحص الطعون وحدها دون غيرها تقرير وقف تنفيذ هذه الأحكام ويُحظر على جهة الإدارة في غير هذه الحالة الامتناع عن تنفيذ تلك الأحكام سواء أخذ هذا المانع صورة الامتناع عن التنفيذ أو صورة اتخاذ قرار يُشكل عقبة أمام هذا التنفيذ ويكون مسلكها في الحالتين مخالفا للقانون وأن الأصل في تنفيذ الأحكام هو الالتزام بما قضي به الحكم في منطوقه وما ورد في أسبابه المرتبطة بهذا المنطوق ارتباطا وثيقا لا يقوم إلا بها ولا ينفك عنها، إذ تتحدد حجية الحكم بهذا النطاق، ويتعين أن يكون التنفيذ في إطار ما تقدم ونزولا على مقتضاه، دون مجاوزة إلي ما يخالف هذا المقتضي أو يناقضه، بما قد يكون من شأنه المساس بحجية الأحكام، والتي تسمو على كل اعتبار ولو كان من اعتبارات النظام العام .
وفي ضوء ما تقدم، فإنه إذا ما صدر حكم من محكمة القضاء الإداري بالأحقية في صرف فروق مالية لموظف عام، وقامت الجهة الإدارية بتنفيذ هذا الحكم - نزولاً على حجية الأحكام التي تسمو على أي اعتبارات أخرى وإعلاء لشأنها وإعمالاً لسيادة القانون وتم صرف الفروق المالية المقضي بها، ثم تم الطعن على الحكم المذكور امام المحكمة الإدارية العليا والتي قضت بإلغاء حكم أول درجة والقضاء مجددا برفض دعوى المطالبة بالفروق المالية المشار اليها ...... وكانت الأحكام القضائية تتمتع بحجية الأمر المقضي بل بقوة الأمر المقضي حال صيرورتها أحكام نهائية باتة صادرة من المحكمة الإدارية العليا وهى أعلى درجة في سلم ترتيب المحاكم بمجلس الدولة، فإنه تنفيذا للحكم الصادر لصالح جهة الإدارة من المحكمة الادارية العليا، الحائز على قوة الأمر المقضي به فيما فصل فيه، يكون للجهة الإدارية الحق في استرداد الفروق المالية المنصرفة تنفيذاً لحكم محكمة القضاء الإداري، فقد بات ما جرى صرفه للموظف ليس مستحقا له، بما يلزم معه رده إلى الجهة الإدارية ، كما تلتزم الجهة الإدارية إعمالاً لقوة الأمر المقضي التي اكتسبها الحكم والتي تعلو على اعتبارات النظام العام أن تنهض إلي تنفيذ الحكم وألا تتقاعس عن إعمال أي أثر من آثاره، وأن التجاوز عن استرداد ما ليس مستحقا هو في واقع الأمر تعطيل لقوة الأمر المقضي فيه التي اكتسبها هذا الحكم وتفريغا لمضمونه ومقتضاه. ولا وجه للاحتجاج بأحكام القانون رقم ٤ لسنة ۲۰۰۰ بشأن التجاوز عن استرداد ما صرف بغير وجه حق من مرتبات أو أجور أو بدلات أو رواتب إضافية أو علاوات خاصة، لأنه ولئن أقر المشرع - استثناء من الأصل العام - مبدأ التجاوز عن استرداد ما صرف بغير وجه حق من قبل الحكومة أو وحدات الإدارة المحلية أو الهيئات العامة أو شركات القطاع العام للعاملين لديها، بصفة مرتب أو أجر أو بدل راتب إضافي أو علاوة خاصة، إذا كان الصرف قد تم تنفيذا لحكم قضائي أو فتوى من مجلس الدولة أو رأي للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ثم ألغي الحكم أو عدل عن الفتوى أو الرأي إلا أن المشرع قد حدد صراحة في صدر المادة الأولى من هذا القانون النطاق الزمني لسريان أحكامه، إذ قرر أن العمل بمبدأ التجاوز عن استرداد ما صرف بغير وجه حق، يكون فقط حتى تاريخ العمل بهذا القانون، أي على الوقائع السابقة على ميقات سريانه لا اللاحقة عليه، مما لا يدع أدنى مجال للتفسير أو التأويل في أن المشرع قد أصدر هذا القانون استثناء لحماية بعض المراكز القانونية والمالية التي نشأت قبل تاريخ سريانه وليس بعده، خاصة وأن المشرع لم يصدر منذها تشريعا أو أحكاما مماثلة أو حتى مشابهة لذلك .
الأمر الذي يعني بمفهوم المخالفة إصرار المشرع على استرداد ما يتم صرفه بغير وجه حق من أموال وميزانية الدولة بعد تاريخ العمل بهذا القانون . واذ نص في المادة الثالثة منه على العمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره، وقد صدر هذا القانون بتاريخ ۲۰۰۰/۳/۸ ، وتم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ ۲۰۰۰/۳/۹ ، فإنه منذ ۲۰۰۰/۳/۱٠ اليوم التالي لنشره) فقد أغلق قانونا باب التجاوز عن استرداد ما صرف ماليا بغير وجه حق لأي من العاملين بالدولة.
كما أنه لا ينال مما تقدم، الدفع بأن الفروق المالية التي تم صرفها كانت بحسن نية تنفيذاً لحكم قضائي واجب النفاذ، ذلك انه إذا كان لا تثريب على جهة الإدارة عندما قامت بأداء هذه الفروق المشار اليها، فالحاصل أنها التزمت بمبدأ وجوب تنفيذ الأحكام القضائية وقامت بصرفها. فإنه وإعمالاً للحجية المطلقة للحكم القضائي النهائي البات - والصادر من المحكمة الإدارية العليا بإلغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالأحقية في صرف الفروق المالية المطالب بها يتعين على الموظف رد ما أخذه من مبالغ مالية ثبت انها صرفت بغير حق ودون أدنى خيار، ولا يجوز له الامتناع عن ردها بزعم أن علاقة الموظف بالجهة الإدارية التي صرفت له هذه المبالغ علاقة تنظيمية تدور في فلك القانون العام وتخضع لأحكامه، ولا يطبق عليها بالضرورة كل ما يطبق على روابط القانون الخاص . ذلك أن مسألة رد المبلغ المنصرف بغير وجه حق، هي الحجية المطلقة للحكم القضائي النهائي البات والتي لا يجوز إهدارها بالامتناع عن تنفيذها أو تعطيلها، ولا شأن لهذه المسألة في فلسفة العلاقة التنظيمية بين الموظف والجهة الإدارية نظرا لأن هذا المبلغ يعد مال عام تم صرفه من ميزانية احدى الجهات الإدارية في الدولة، الأمر الذي يقتضى معه إعمالاً لمبادئ الشرعية الدستورية والقانونية تصويب كل إجراء مالي نشأ معيبا، ولو تم بحسن نية، طالما ثبت عدم مشروعيته.
وحيث إنه بناء على ما سلف بيانه، فإنه يغدو الاتجاه الأول الذي نهجته بعض أحكام المحكمة الإدارية العليا بأحقية الجهة الإدارية في استرداد ما سبق صرفه من فروق مالية للموظف تنفيذاً لحكم صدر لصالحه من محكمة القضاء الإداري وقضى بإلغائه بموجب حكم صادر من المحكمة الإدارية العليا هو الاتجاه الأولى بالترجيح.
- فلهذه الأسباب -
حكمت المحكمة بترجيح الاتجاه الذي مؤداه أحقية الجهة الإدارية في استرداد ما سبق صرفه من فروق مالية للموظف تنفيذاً لحكم صدر لصالحه من محكمة القضاء الإداري وقضى بإلغائه بموجب حكم صادر من المحكمة الإدارية العليا، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل فيه على ضوء ما تقدم.
صدر هذا الحكم وتلي علنا بالجلسة المنعقدة يوم الثلاثاء ٤ من شهر رمضان سنة ١٤٤٦ هجرية الموافق ٤ من شهر مارس 2025 ميلادية، وذلك بالهيئة المبينة بصدره.
سكرتير المحكمة رئيس المحكمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق