السبت، 12 أبريل 2025

الدعوي رقم 7 لسنة 8 قضائية "دستورية " جلسة 15 مايو 1993

الدعوي رقم 7 لسنة 8 قضائية "دستورية " جلسة 15 مايو 1993
الموضوع :
نفقة المتعة - سن الحضانة
التشريع :
المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المعدل بقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض احكام قوانين الاحوال الشخصية
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية نصوص المواد (5 مكرراً) بفقرتيها الأولى والثالثة و(11 مكرراً) و(18 مكرراً) ثالثاً و(23 مكرراً) بفقرتيها الثانية والثالثة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية .
ثانياً : برفض الدعوى بالنسبة إلى الطعن على المادتين (18 مكرراً) و(20) فقرة أولى من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985- المشار إليهما- وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 15 مايو سنة 1993م الموافق 23 ذو القعده سنة 1413 هــ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر              رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور/ محمد إبراهيم أبوالعينين وفاروق عبدالرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور/ عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله           اعضاء
وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبد المطلب          رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد                              أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 7 لسنة 8 قضائية "دستورية ".
 
المقامة من
السيد /  احمد امين احمد العطار
ضد
1 - السيد / رئيس جمهوررية
2 - السيد / رئيس  الوزراء
3 - السيد / المستشار وزير العدل
4 - اميمة محمد زكريا محمد السيد
" الإجراءات "
بتاريخ 18 مارس سنة 1986 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية القانون رقم 100 لسنة 1985 برمته شكلاً، وفى الموضوع الحكم بعدم دستورية مواد هذا القانون خاصة مادته الثالثة المعدلة للفقرة الأولى من المادة (20) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية، وكذلك ما أضافته مادته الأولى إلى ذلك المرسوم بقانون من نصوص هى المواد (5 مكرراً) فى فقرتيها الأولى والثالثة و(11 مكرراً) و(18 مكرراً ثالثاً) و(23 مكرراً) فى فقرتيها الثانية والثالثة .
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، دفعت فيها بعدم قبول الدعوى، كما طلبت رفضها وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع- على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى عليها الرابعة كانت قد أقامت الدعوى رقم 1141 لسنة 1985 شرعى كلى الجيزة ضد المدعى بطلب تمكينها من الاستقلال بمسكن الزوجية المبين بالأوراق لحضانتها إبنها منه، " هيثم " ومنع تعرضه لها فى ذلك. كما كانت المدعى عليها نفسها قد أقامت الدعوى رقم 1140 لسنة 1985 شرعى كلى الجيزة بطلب الحكم لها قبل المدعى بمتعة تعادل نفقة عشر سنين. وإذ دفع المدعى - فى الدعوى الماثلة - أمام محكمة الموضوع فى هاتين الدعويين كلتيهما بعدم دستورية القانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية، وكانت محكمة الموضوع قد صرحت له برفع الدعوى الدستورية - بعد أن قدرت جدية دفعه- فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إنه بجلسة 4 من يوليه سنة 1992 حضر الأستاذ/ أمين صفوت المحامى وطلب قبول تدخله منضماً إلى المدعى فى طلباته فى شأن المادة (18 مكرراً ثالثاً) المتعلقة باستقلال الصغار وحاضنتهم بمسكن الزوجية .
وحيث إن المدعى ينعى على القانون رقم 100 لسنة 1985- المشار إليه - صدوره بالمخالفة للأوضاع الشكلية التى تطلبتها المادة (194) من الدستور، على أساس أن مجلس الشورى وفقاً لحكمها يختص بدراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بالحفاظ على المقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا وتندرج تحتها الأسرة التى نص الدستور فى مادته التاسعة على أنها أساس المجتمع، وأن قوامها الدين والأخلاق والوطنية بما مؤداه: أن إغفال عرض القانون رقم 100 لسنة 1985 المشار إليه على مجلس الشورى قبل تقديمه إلى السلطة التشريعية لإقراره، إنما ينحل إلى إهدار لشكليه جوهرية لا يقوم هذا القانون سوياً على قدميه بتخلفها.
وحيث إن الباب السابع من الدستور- المضاف بعد تعديله فى 22 مايو سنة 1980- تضمن أحكاماً جديدة خص الدستور بها مجلساً وليداً أنشأه لأول مرة هو مجلس الشورى ، وأفرده بها، وبوجه خاص فيما يتعلق باختصاصاته، وكيفية تشكيله، ومدة عضويته، ومدى مسئولية رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء أمامه، وشروط حله، وقد حدد الدستور اختصاص هذا المجلس فى مادتين هما المادتان (194، 195) منه، وبهما أخرج الدستور من ولايته ممارسة الوظيفة التشريعية التى ينعقد الاختصاص بها لمجلس الشعب دون غيره، وقصر مهمته على مسائل بذاتها يؤخذ رأيه فيها، وأخرى يتولى دراستها مبدياً وجهة نظره فى شأنها، وفى هاتين الحالتين كلتيهما، عين الدستور هذه المسائل تعييناً دقيقاً، وحددها حصراً مما مؤداه: امتناع الإضافة إليها أو التبديل فيها أو القياس عليها.
وحيث إن البين من هاتين المادتين أن أولاهما تتناول ولاية مجلس الشورى فى شأن المسائل الكفيلة بالحفاظ على ثورتى 23 يوليو سنة 1952 و 15 مايو سنة 1971، وكذلك تلك المتعلقة بدعم الوحدة الوطنية وصون السلام الاجتماعى وحماية قوى الشعب العاملة فى تحالفها ومكاسبها الاشتراكية، وإرساء المقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، وضمان حقوق المواطن وحرياته وأدائه لواجباته العامة، وتعميق النظام الاشتراكى الديموقراطى وتوسيع مجالاته. وتقتصر مهمة المجلس فى شأن هذه المسائل جميعها على دراستها وقوفاً على جوانبها، واستظهاراً لوجهات النظر المتباينة فى مجالها، وعرضها معززة بأدلتها مقرونة بما يراه صائباً منها محققاً للمصالح التى قصد الدستور إلى حمايتها، ولا تعدو مهمته بالتالى - فى نطاق دراسته للمسائل التى عينتها المادة (194) من الدستور- مجرد معاونة الدولة - من خلال سلطاتها المختلفة وتنظيماتها الم تعددة - على أن تتخذ قراراتها فى شأن هذه المسائل محيطة بشتى زواياها، واعية بآثارها الإيجابية وانعكاساتها السلبية ، وذلك كله فى إطار من الموضوعية المنزهة عن الميل، أو الانحياز لوجهة نظر بذاتها لا تعززها الحقائق العلمية ، ومن ثم تنحل الدراسة التى يجريها مجلس الشورى للمسائل التى حددتها المادة (194) من الدستور، إلى غوص فى أعماقها تجلية لجوانبها المختلفة بلوغاً لغاية الأمر فيها، وهى بعد دراسة يقوم بها المجلس غالباً بمبادرة من جانبه. وليس ثمة إلتزام على أية جهة بطلبها منه، وهو يقرر كذلك أولوياته فى مجالها ويستقل بتقدير ما يراه ملحاً منها. وقيمتها العملية لا خفاء فيها. لأنها تتناول مسائل لها خطرها بقصد اقتحام مشكلاتها، والتوصل إلى حلول واقعية لها توطئه للعمل بها كلما كان ذلك ممكناً ومفيداً. وبالتالى لا يعتبر عرض أى موضوع مما يندرج تحتها على هذا المجلس إلتزاماً مترتباً بحكم الدستور، وآية ذلك أن الدستور حرص على أن يفصل بصورة قاطعة بين مهمة المجلس وفقاً لنص المادة (194) من ناحية، وبين الولاية التى يباشرها فى إطار المادة (195) منه من ناحية أخرى ، مما مؤداه: أن هاتين المادتين لا تختلطان ببعضهما، ولا يجوز القول بامتزاجهما، إذ لو صح ذلك لادمجهما الدستور فى مادة واحدة يكون اختصاص مجلس الشورى فى شأن المسائل التى تندرج تحتها محيطاً بها جميعاً، أياً كان نطاق هذا الاختصاص أو الأغراض التى يتوخاها، وهو ما قام الدليل على نقيضه، ذلك أن المادة (195) من الدستور قوامها أن يؤخذ رأى مجلس الشورى وجوباً فى مسائل بذواتها غير التى حددتها المادة (194) منه، ولها من الأهمية والخطر ما يقتضى أن يكون عرضها عليه كى يقول كلمته فيها، أمراً محتوماً. وتنحصر هذه المسائل فى كل اقتراح يكون متعلقاً بتعديل مادته أو أكثر من مواد الدستور، وكذلك كل مشروع لقانون يكون مكملاً للدستور، وكل معاهدة يكون موضوعها صلحاً أو تحالفاً أو متعلقاً بحقوق السيادة أو من شأنها التعديل فى النطاق الاقليمى للدولة، وكل مشروع يتناول الخطة العامة للدولة فى مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وكل مشروع قانون يحيله إليه رئيس الجمهورية ، بالإضافة إلى أية موضوعات يحيلها رئيس الجمهورية إليه وتتصل بالسياسة العامة للدولة أوبسياستها فى الشئون العربية أو الخارجية .وهذه المسائل التى حددتها المادة (195) من الدستور، يجمعها أن الدستور قدر حيوية المصالح المرتبطة بها، وأن اتخاذ قرار فيها قبل أن يدلى مجلس الشورى برأيه فى نطاقها بعد عرضها عليه تكتنفه محاذير واضحة مرجعها رجحان أن يصدر هذا القرار متسرعاً أو مبتسراً. ومن ثم كان عرضها على مجلس الشورى لأخذ رأيه فيها وجوبياً باعتبار أن ذلك شكلية جوهرية لا يجوز إهمالها أو التجاوز عنها، بالنظر إلى دقة المسائل التى عينتها المادة (195) وما يقتضيه بحثها من تعمق، وبوجه خاص فى جوانبها المتعلقة بالتنمية فى مجالاتها المختلفة، وبالحدود الإقليمية للدولة التى تمتد إليها سيادتها، وبالشرعية الدستورية التى ترسى الدولة عليها دعائمها.متى كان ما تقدم، وكانت مشروعات القوانين المكملة للدستور من بين المسائل التى يتعين عرضها على مجلس الشورى لأخذ رأيه فيها قبل تقديمها إلى السلطة التشريعية الأصلية ممثلة فى مجلس الشعب، فإن إقرار السلطة التشريعية لقانون مكمل للدستور دون اتباع هذا الإجراء لن يقيله من عثرة مخالفته للأوضاع الشكلية التى تطلبتها المادة (195) من الدستور، ولن يرده بالتالى إلى دائرة المشروعية الدستورية فى جوانبها الإجرائية، إذ يعتبر القانون الصادر على خلافها مفتقراً إلى مقوماتها كإطار لقواعد قانونية اكتمل تكوينها، ويقع من ثم مشوباً بالبطلان.
وحيث إن "القوانين المكملة للدستور" وأن نص الدستور على حتمية عرض مشروعاتها على مجلس الشورى لأخذ رأيه فيها، إلا أن إيراد الدستور لهذه العبارة لم يقترن بما يعين على إيضاح معناها بما لا خفاء فيه، فحق على هذه المحكمة أن تبين المقصود بها قطعاً لكل جدل حولها، ولضمان إرساء العلاقة بين مجلس الشعب- ومجلس الشورى على أسس ثابتة تكفل مباشرة كل منهما لولايته فى الحدود التى رسمها الدستور لهما- فلا يجور أحدهما على الآخر مفتئتا على اختصاصاته الدستورية ، مقتحماً تخومها، وكان لا مقابل لعبارة "القوانين المكملة للدستور" فى الدساتير المصرية السابقة على الدستور القائم، وليس ثمة أعمال تحضيرية يمكن الارتكان إليها فى تجلية معناها، ولا شبهة كذلك فى أن انبهامها آل إلى غموض المعايير التى قيل بها ضبطاً لفحواها وتحرياً لدلالتها، وكان المشرع لا زال عازفاً عن التدخل فى هذا المجال سواء باعتناق معيار منها أو بإبدالها بمعيار من عنده يمزج بينهما أو يقوم على أنقاضها، إلا أن ذلك كله لا يجوز أن يحول بين هذه المحكمة وبين مباشرة ولايتها فى مجال إعمال النصوص الدستورية ، إذ هى التى يقوم من خلال تفسيرها على ربطها ببعض على ضوء المقاصد الحقيقية التى ابتغاها الدستور منها، وبما يرد عنها الغموض، بما مؤداه: أن النصوص الدستورية جميعها غير مستعصية على التحديد من ناحية ، وأنه يتعين من ناحية أخرى أن يكون لكل منها مجال يعمل فيه، متكاملاً فى ذلك مع غيره من النصوص. ومن المحقق، فإن عبارة "القوانين المكملة للدستور" وإن كانت جديدة كل الجدة ، فريدة فى بابها، ولا تعرفها الدساتير المقارنة، إلا أنها تحمل فى أعطافها ضوابط تحديد معناها، ذلك أن الدستور من ناحية قد ينص فى مادة أو أكثر من مواده على أن موضوعاً معيناً، يتعين تنظيمه بقانون، أو وفقاً للقانون، أو فى الحدود التى يبينها القانون. بيد أن صدور قانون فى هذا النطاق لا يدل بالضرورة - ومن ناحية أخرى - على أن أحكامه مكملة للدستور، ذلك أن الموضوع الذى أحال الدستور فى تنظيمه إلى القانون، قد لا تكون له طبيعة القواعد الدستورية ، وليس له من صلة بها، بل يعتبر غريباً عنها وخارجاً بطبيعته عن إطارها. ومن ثم لا يكفى لاعتبار تنظيم قانونى معين مكملاً للدستور أن يصدر إعما لاً لنص فى الدستور، بل يتعين -فوق هذا- أن تكون أحكامه مرتبطة بقاعدة كلية مما تتضمنها الوثائق الدستورية عادة كتلك المتعلقة بصون استقلال السلطة القضائية بما يكفل مباشرتها لشئون العدالة دون تدخل من أية جهة . فالقاعدة المتقدمة - وما يجرى على منوالها- مما تحرص الدساتير المختلفة على إدراجها فى صلبها، باعتبار أن خلوها منها يجردها من كل قيمة ، فإذا اتصل بها تنظيم تشريعى قرر الدستور صدوره بقانون، أو وفقاً للقانون، أو فى الحدود التى يبينها القانون، دل ذلك على أن هذا التنظيم مكمل للدستور. ولا كذلك النصوص التشريعية التى لا تربطها صلة عضوية بتلك القواعد الكلية ، كالقانون الذى يصدر إعما لاً لنص المادة (14) من الدستور محدداً أحوال فصل العاملين بغير الطريق التأديبى ، والقانون الصادر فى شأن العفو الشامل على ما تقضى به المادة (149) من الدستور أو فى شأن تنظيم التعبئة العامة وفقاً لنص المادة (181) منه، فالتنظيم التشريعى الصادر فى الحدود المتقدمة ، ليس مرتبطاً بأية قاعدة من القواعد الدستورية بمعنى الكلمة ، بل يفتقر هذا التنظيم إلى العنصر الموضوعى الذى يدخل القانون الصادر به فى عداد القوانين المكملة للدستور، ولازم ذلك أن شرطين يتعين اجتماعهما معاً لاعتبار مشروع قانون معين مكملاً للدستور، أولهما: أن يكون الدستور ابتداء قد نص صراحة فى مسألة عينها على أن يكون تنظيمها بقانون، أو وفقاً لقانون، أو فى الحدود التى يبينها القانون، أو طبقاً للأوضاع التى يقررها، فإن هو فعل، دل ذلك على أن هذا التنظيم بلغ فى تقديره درجة من الأهمية والثقل لا يجوز معها أن يعهد به إلى أداة أدنى . ثانيهما: أن يكون هذا التنظيم متصلاً بقاعدة كلية مما جرت الوثائق الدستورية على احتوائها وإدراجها تحت نصوصها وتلك هى القواعد الدستورية بطبيعتها التى لا تخلو منها فى الأعم أية وثيقة دستورية ، والتى يتعين كى يكون التنظيم التشريعى مكملاً لها أن يكون محدداً لمضمونها مفصلاً لحكمها مبيناً لحدودها، بما مؤداه: أن الشرط الأول وإن كان لازماً كأمر مبدئى يتعين التحقق من توافره قبل الفصل فى أى نزاع حول ما إذا كان مشروع القانون المعروض يعد أو لا يعد مكملاً للدستور، إلا أنه ليس شرطاً كافياً، بل يتعين لاعتبار المشروع كذلك، أن يقوم الشرطان معاً متضافرين، استبعاداً لكل مشروع قانون لا تربطه أية صلة بالقواعد الدستورية الأصلية ، بل يكون غريباً عنها مقحماً عليها. ودلالة اجتماع هذين الشرطين أن معيار تحديد القوانين المكملة للدستور، والتى يتعين أن يؤخذ فيها رأى مجلس الشورى قبل تقديمها إلى السلطة التشريعية، لا يجوز أن يكون شكلياً صرفاً، ولا موضوعياً بحتاً، بل قوامه مزاوجة بين ملامح شكلية، وما ينبغى أن يتصل بها من العناصر الموضوعية، على النحو المتقدم بيانه.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان قانون الأحوال الشخصية المطعون عليه، لا يتناول موضوعاً نص الدستور على أن يكون تنظيمه بقانون،فإنه أياً كان وجه الرأى فى شأن اتصال النصوص التشريعية التى تضمنها قانون الأحوال الشخصية بقاعدة دستورية بطبيعتها أو انفكاكها عنها، فإن مراعاة الشكلية المنصوص عليها فى المادة (195) من الدستور لا يكون واجباً من زاوية دستورية، إذ يتعين دوماً لاعتبار نص تشريعى مكملاً للدستور- وعلى ما سلف بيانه - أن يكون قد تناول مسألة يعتبر موضوعها متعلقاً بقاعدة دستورية بطبيعتها متى نص الدستور على أن يكون تنظيمها بقانون، وهو ما تخلف فى واقعة النزاع الماثل، الأمر الذى يكون معه النعى على القانون محل الطعن - من هذا الوجه - مفتقراً إلى الدعامة التى يستند عليها حريا بالرفض.
وحيث إن المدعى يقرر كذلك أن الأحكام التى انتظمها القانون رقم 100 لسنة 1985 فى مادته الثالثة المعدلة للفقرة الأولى من المادة (20) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929- المشار إليه- وكذلك ما أضافته مادته الأولى إلى ذلك المرسوم بقانون من نصوص هى المواد (5 مكرراً) فى فقرتيها الأولى والثالثة و(11 مكرراً) و(18 مكرراً) و(18 مكرراً ثالثاً) و(23 مكرراً) فى فقرتيها الثانية والثالثة - جميعها معيبة بما يبطلها لمخالفتها المادتين الثانية والتاسعة من الدستور، بالإضافة إلى خروجها على قاعدة عرفية استقر عليها العمل حاصلها أن المسلمين لا يخضعون فى أحوالهم الشخصية لغير شريعتهم.
وحيث إن قضاء المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى الدعوى الدستورية لازماً للفصل فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة - بأكملها أو فى شق منها- فى الدعوى الموضوعية ، فإذا لم يكن له بها من صلة ، كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة . ومن ثم لا يكون لقيام المصلحة الشخصية المباشرة التى تعتبر شرطاً لقبول الدعوى الدستورية، أن يكون النص التشريعى المطعون عليه مخالفاً فى ذاته للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص- بتطبيقه على المدعى - قد أخل بأحد الحقوق التى كفلها على نحو ألحق به ضرراً مباشراً. إذ كان ذلك، فإن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يغدو متصلاً بالحق فى الدعوى، ومرتبطاً بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة فى ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة، وهو بذلك يعتبر محدداً لفكرة الخصومة فى الدعوى الدستورية مبلوراً نطاق المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ومؤكداً ضرورة أن تكون المنفعة التى يقرها القانون هى محصلتها النهائية، ومن فصلاً دوماً عن مطابقة النص التشريعى المطعون عليه للدستور أو مخالفته لقيوده ونواهيه، ومستلزماً أبداً أن يكون الفصل فى المسألة الدستورية موطئاً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطه بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المدعى ينعى على المواد (5 مكرراً) بفقرتيها الأولى والثالثة و(11 مكرراً) و(23 مكرراً) بفقرتيها الثانية والثالثة التى أضافتها المادة الأولى من القانون رقم 100 لسنة 1985 إلى المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 مخالفتها للدستور، وكانت دعويا الموضوع المقامتان من المدعى عليها الرابعة ضد المدعى - واللتانَ أثير فيهما الدفع بعدم الدستورية - قد توخيتا الحكم باستقلالها وصغيرها منه بمسكن الزوجية حتى تنقضى حضانتها له بالإضافة إلى القضاء لها قبله بمتعة تماثل نفقة مدة حددتها- فإن الفصل فى دستورية المواد (5 مكرراً) بفقرتيها الأولى والثالثة و(11 مكرراً) و(23 مكرراً) بفقرتيها الثانية والثالثة لن يكون لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المطروحة أمام محكمة الموضوع، إذ ليس لهذه المواد من صلة بتلك الطلبات، بما مؤداه : انتفاء ارتباطها بالمصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط قبول الدعوى الدستورية ومناطها- وآية ذلك أن أولى هذه المواد تقرر التزام المطلق بأن يوثق إشهار طلاقه، وتحدد الآثار المترتبة على الطلاق وتاريخ سريانها، أما ثانيتها فغايتها ضمان إعلام كل زوجه على العصمة بالزواج الجديد وتقرير حقها فى طلب التطليق من زوجها، وكذلك ضوابط حق الزوجة الجديدة فى طلبه، وتبين ثالثتها العقوبة الجنائية التى يتعين توقيعها على المطلق عند مخالفته الأحكام المنصوص عليها فى المادة (5 مكرراً) المشار إليها، متى كان ذلك، فإن المصلحة فى الطعن على المواد السالف بيانها، تكون متخلفة .
وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة الأولى من المادة (20) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 بعد تعديلها بالقانون رقم 100 لسنة 1985- المشار إليهما- مخالفتها للدستور، وذلك فيما تنص عليه من أن " ينتهى حق حضانة النساء ببلوغ الصغير سن العاشرة وبلوغ الصغيرة سن اثنتى عشرة سنة، ويجوز للقاضى بعد هذه السن إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج فى يد الحاضنة دون أجر حضانة إذا تبين أن مصلحتهما تقتضى ذلك".
وحيث إن البين من المذكرة الإيضاحية لهذا النص أن تتبع المنازعات الدائرة فى شأن الصغار يدل على أن المصلحة هى فى استقرارهم حتى يتوافر لهم الأمان والاطمئنان وتهدأ نفوسهم فلا ينزعوا من يد حاضنتهم، وأنه لا يجوز للقاضى مد فترة الحضانة إلا أن تكون مصلحة الصغير أو الصغيرة فى بقاء الحضانة بيد النساء وذلك مع إلتزام الأب بنفقة المحضون الذاتية من طعام وكساء ومسَكن وغير ذلك إلى جانب ما يقضى به العرف أو ما يقوم مقامه، مع حرمان الحاضنة من أجر الحضانة فى المدة التى تمتد إليها بأذن القاضى، وبمراعاة أن الغايه التى توخاها المشرع بالفقرة الأولى من المادة (20)- المشار إليها- هى منع الخلاف بين الأب والحاضنة على نزع الحضانة فى سن غير مناسبة بقصد النكاية دون رعاية لصالح الصغار، وما يقتضيه الاستقرار النفسى اللازم لسلامة نموهم وحسن تربيتهم، وأن السند الشرعى لهذه الأحكام هو مذهب الإمام مالك.
وحيث إن النعى بمخالفة الفقرة الأولى من المادة (20) -المشار إليها- للدستور غير سديد، ذلك أن ما نص عليه الدستور فى مادته الثانية بعد تعديلها- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من سريان حكمها على التشريعات الصادرة بعد العمل به- ومن بينها أحكام القانون رقم 100 لسنة 1985- مؤداه: أنه لا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها، فهذه الأحكام وحدها هى التى لا يجوز الاجتهاد فيها، وهى تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية , وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً. ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان، إذ هى عصية على التعديل ولا يجوز الخروج عليها. وتقتصر ولاية المحكمة الدستورية العليا فى شأنها على مراقبة التقيد بها، وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها، ذلك أن المادة الثانية من الدستور تقدم على هذه القواعد، أحكام الشريعة الإسلامية فى أصولها ومبادئها الكلية ، إذ هى إطارها العام وركائزها الثابتة التى تفرض متطلباتها دوماً بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها، وإلا اعتبر ذلك تشهياً وإهداراً لما علم من الدين بالضرورة . وعلى خلاف هذا، الأحكام الظنية سواء فى ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد إلى سواها، وهى تتغير بتغير الزمان والم كان لضمان مرونتها وحيويتها ولمواجهة النوازل على اختلافها تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً. ولا بد أن يكون هذا الاجتهاد واقعاً فى إطار الأصول الكلية للشريعة الإسلامية بما لا يجاوزها، مقيماً الأحكام العملية بالاعتماد فى استنباطها على الأدلة الشرعية، متوخياً من خلالها تحقيق المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من صون الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
وحيث إن الحضانة - فى أصل شرعتها- هى ولاية للتربية، غايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته والقيام على شئونه فى الفترة الأولى من حياته. والأصل فيها هو مصلحة الصغير، وهى تتحقق بأن تضمه الحاضنة - التى لها الحق فى تربيته شرعاً- إلى جناحها باعتبارها أحفظ عليه وأحرص على توجيهه وصيانته، ولأن انتزاعه منها - وهى أشفق عليه وأوثق اتصالاً به وأكثر معرفة بما يلزمه وأوفر صبراً - مضرة به إبان الفترة الدقيقة التى لا يستقل فيها بأموره والتى لا يجوز خلالها أن يعهد به إلى غير مؤتمن يأكل من نفقته، ويطعمه نزراً، أو ينظر إليه شزراً. وحين يقرر ولى الأمر حدود هذه المصلحة معرفاً بأبعادها، فذلك لأن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية - القطعية فى ثبوتها ودلالتها - لا تقيم لسن الحضانة تخوماً لا يجوز تجاوزها، انطلاقاً من أن تربية الصغير مسألة لها خطرها، وأن تطرق الخلل إليها- ولو فى جوانبها - مدعاة لضياع الولد. ومن ثم تعين أن يتحدد مداها بما يكون لازماً للقيام على مصلحته، ودفع المضرة عنه، باعتبار أن مدار الحضانة على نفع المحضون، وأن رعايته مقدمة على أية مصلحة لغيره، حتى عند من يقولون بأن الحضانة لا تتمحض عن حق للصغير، وإنما يتداخل فيها حق من ترعاه، ويعهد إليها بأمره. ولولى الأمر بالتالى أن يقدر ما يراه خيراً للصغير وأصلح له، بمراعاة أن حقه فى الحضانة لا يعتبر متوقفاً على طلبها ممن له الحق فيها، وأن ما يصون استقراره النفسى ويحول دون إيذائه، ويكفل تقويمه، من المقاصد الشرعية التى لا يجوز المجادلة فيها، وأن النزول عن الحضانة بعد ثبوتها لا يحول دون العودة إليها. بل إن من المجتهدين من يقول بجواز حمل الحاضنة عليها- بافتراض اجتماع شروطها فيها - كلما كان ذلك ضرورياً لصيانة الصغير وحفظه. وقد دل الفقهاء - باختلافهم فى زمن الحضانة - وهى الفترة الواقعة بين بدئها وانتهاء الحق فيها- على أن مصلحة الصغير هى مدار أحكامها، وأنها من المسائل الاجتهادية التى تتباين الآراء حولها، كل من وجهة يعتد فيها بما يراه أكفل لتحصيل الخير للصغير فى إطار من الحق والعدل. ولئن كان المتقدمون لا يقدرون للحضانة مدة معينة تنتهى بانتهائها، وإنما يركنون إلى معايير مرنة بطبيعتها ضابطها هو انتهاؤها عند السن التى يبلغها الصغير أو الصغيرة مميزين قادرين على الوفاء بحاجاتهما الأولية مستغنيين تبعاً عن خدمة النساء، وكان آخرون من بعدهم قد حدوا للحضانة سناً معينة تنتهى ببلوغها قطعاً لكل جدل حولها، إلا أن استقراء أقوال هؤلاء وهؤلاء يدل على أن اجتهاداتهم فى شأن واقعة انتهاء الحضانة، مدارها نفع المحضون- صغيراً كان أم صغيرة - ويتعين بالتالى أن يصار إلى كل ما يصلحه ويكفل وقايته مما يؤذيه، وتربيته إنماء لمداركه ولإعداده للحياة، وبوجه خاص من النواحى النفسية والعقلية، وكان الأصل فى حضانة الصغير والصغيرة - على ما تقدم- هو تعهدهما بالرعاية بما يحول دون الإضرار بهما، تعين ألا تكون سن الحضانة محددة بقاعدة جامدة صارمة لا تأخذ فى اعتبارها تغير الزمان والمكان، أو تغفل فى مجال تطبيقها ما يقتضيه التمييز فى نطاق الحضانة بين الصغير والصغيرة بالنظر إلى طبيعة كل منهما، وخصائص تكوينه، ودرجة احتياجه إلى من يقوم على تربيته وتقويمه، وما تتطلبه الذكورة والأنوثة من تنمية ملكاتهما. وفى ذلك قدر من المرونة التى تسعها الشريعة الإسلامية فى أحكامها الفرعية المستجيبة دوماً للتطور، توخياً لربطها بمصالح الناس واحتياجاتهم المتجددة، وأعرافهم المتغيرة، التى لا تصادم حكماً قطعياً، وهى مرونة ينافيها أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يريم عنها، أو أن يقعد باجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعاً قد جاوزتها، وتلك هى الشريعة فى أصولها ومنابتها، شريعة مرنة غير جامدة يتقيد الاجتهاد فيها- بما يقوم عليه من استفراغ الجهد للوصول إلى حكم فيها لا نص عليه - بضوابطها الكلية وبما لا يعطل مقاصدها. ولئن صح القول بأن أهمية الاجتهاد ولزومه لا يوازيها إلا خطره ودقته، فإن من الصحيح كذلك أن لولى الأمر الاجتهاد فى الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التى يقوم برهانها من الأدلة الشرعية، وهو ما نحاه النص التشريعى المطعون فيه، ذلك أن السن الإلزامية للحضانة التى حددها- وهى عشر سنين للصغير واثنتا عشرة سنة للصغيرة - لا تعدو أن تكون تقريراً لأحكام عملية فى دائرة الاجتهاد بما لا يصادم الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة ومبادئها الكلية، إذ ليس ثمة نص قطعى فيها- فى ثبوته ودلالته- يقرر للحضانة سناً لا يجوز لولى الأمر أن يتخطاها، وإنما مرد الأمر فى تعيينها إلى ما يترخص ولى الأمر فى تقديره مقيداً فى ذلك بمصلحة المحضون بما يراه أكفل لها وادعى لتحقيقها، وبما يحول دون إعناته. وهو فى ذلك لا يصدر عن نظرة تحكمية ، بل غايته رفع الحرج وفق أسس موضوعية قدر معها أن مصلحة المحضون لازمها عدم ترويعه بانتزاعه من حاضنته، بما يخل بأمنه واطمئنانه ويهدد استقراره، وأن وجود الولد- ذكراً كان أو أنثى - فى يدها سواء قبل بلوغ السن الإلزامية للحضانة ، أو بعد بلوغها- حين يقرر القاضى أن المصلحة تقتضى إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج- لا يغل يد والدهما عنه ما ولا يحد من ولايته الشرعية عليهما، وكان النص المطعون عليه قد تناول أموراً تنظيمية ، وتقرر لمصلحة مشروعة يستجلبها، وقد قال المالكية بما لا يناقض مضمونه بذهابهم إلى أن حضانة الصغير تنتهى إذا بلغ عاقلاً غير زمن، وأن أمد الحضانة للصغيرة حتى يدخل بها زوجها، وكان النص التشريعى المطعون عليه قد صدر مستلهماً مقاصد الشريعة الكلية، غير مناقض لمقوماتها الأساسية، واقعاً فى نطاق توجيهاتها العامة التى تحض على الاجتهاد فى غير أحكامها القطعية فى ثبوتها ودلالتها. إذ كان ذلك، فإن قالة مخالفة هذا النص للمادة الثانية من الدستور لايكون لها محل.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان ما قررته المادة (18 مكرراً) ثالثا- التى أضافها القانون رقم 100 لسنة 1985 إلى المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية - من إلزام ها الزوج المطلق بأن يهيئ لصغاره من مطلقته ولحاضنتهم مسكناً مستقلاً مناسباً، إنما يدور وجوداً وعدماً مع المدة الإلزامية للحضانة التى قررتها الفقرة الأولى من المادة (20) المطعون عليها، فإن حق الحاضنة فى شغل مسكن الزوجية إعمالاً للمادة (18 مكرراً) ثالثاً المشار إليها، يعتبر منقضياً ببلوغ الصغير سن العاشرة والصغيرة اثنتى عشرة سنة . متى كان ذلك، وكان البين من الصورة الرسمية لشهادة ميلاد "هيثم"- ابن المدعى من مطلقته - وهى الشهادة المرفقة بملف الدعوى الموضوعية - أنه ولد فى 9 من ديسمبر سنة 1979، فإنه يكون قد جاوز أمد الحضانة الإلزامية ، ولم يعد لحاضنته بالتالى أن تستقل مع صغيرها هذا بمسكن الزوجية بعد طلاقها، بما مؤداه: انتفاء مصلحة المدعى فى الطعن على الأحكام التى تضمنتها المادة (18 مكرراً) ثالثاً آنفة البيان. ولا ينال مما تقدم قالة أن للقاضى أن يأذن للحاضنة بعد انتهاء المدة الإلزامية للحضانة بإبقاء الصغير فى رعايتها حتى الخامسة عشرة، والصغيرة حتى تتزوج إذا تبين أن مصلحتهما تقتضى ذلك، ذلك أن ما يأذن به القاضى على هذا النحو، لا يعتبر امتداداً لمدة الحضانة الإلزامية ، بل منصرفاً إلى مدة استبقاء تقدم الحاضنة خلالها خدماتها متبرعة بها. وليس للحاضنة بالتالى أن تستقل بمسكن الزوجية خلال المدة التى شملها هذا الإذن، ذلك أن مدة الحضانة التى عناها المشرع بنص الفقرتين الأولى والرابعة من المادة (18 مكرراً) ثالثاً- والتى جعل من نهايتها نهاية لحق الحاضنة وصغيرها من مطلقها فى شغل مسكن الزوجية - هى المدة الإلزامية للحضانة على ما تقدم، وغايتها بلوغ الصغير سن العاشرة والصغيرة اثنتى عشرة سنة . وببلوغها يسقط حقها فى الاستقلال بمسكن الزوجية ليعود إليه الزوج المطلق منفرداً فى الانتفاع به إذا كان له ابتداء أن يحتفظ به قانوناً. ولا محاجة فى القول بأن مجرد توافر المصلحة عند رفع الدعوى الدستورية يعتبر كافياً لقبولها ولو قام الدليل على تخلفها قبل الفصل فيها، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن توافر شرط المصلحة فى الدعوى عند رفعها، ثم تخلفه قبل أن يصدر حكمها فيها، مؤداه: زوال هذه المصلحة، ذلك أياً كانت طبيعة المسألة الدستورية التى تدعى المحكمة الدستورية العليا لتقول كلمتها فى شأنها.
وحيث إنه عن طلب التدخل الانضمامى، فإنه لما كانت الخصومة فى هذا الطلب تعتبر تابعة للخصومة الأصلية، وكان قضاء هذه المحكمة فى الدعوى الماثلة قد خلص إلى انتفاء مصلحة المدعى فيها فى الطعن بعدم دستورية حكم المادة (18 مكرراً) ثالثاً سالفة البيان- فإن عدم قبول الدعوى الدستورية فى هذا الشق منها يستتبع بطريق اللزوم انقضاء طلب التدخل الانضمامى، وهو ما تقضى به المحكمة .
وحيث إن المادة (18 مكرراً) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة إليه بالقانون رقم 100 لسنة 1985- المشار إليهما- تنص على أن "الزوجة المدخول بها فى زواج صحيح إذا طلقها زوجها بدون رضاها ولا بسبب من قبلها، تستحق فوق نفقة عدتها متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل، وبمراعاة حال المطلق يسراً وعسراً وظروف الطلاق ومدة الزوجية، ويجوز أن يرخص للمطلق فى سداد هذه المتعة على أقساط".
وحيث إن المدعى ينعى على هذا النص مخالفته أحكام الشريعة الإسلامية على سند من أن المتعة لا تستحق للمطلقة إلا بشروط ثلاثة هى ألا يسبق الاتفاق على مهرها وألا يدخل زوجها بها وألا يختلى بها خلوة صحيحة قبل طلاقها - هذا إلى أن نفقة العدة هى المقصودة بالمتعة . وهى كذلك أجر لزواج محرم هو الزواج الموقوت. فضلاً عن أنها تقيد الحق فى الطلاق المعتبر خالصاً للزوج. ولا يعدو تقريرها أن يكون شرطاً جزائياً مترتباً على إيقاع الطلاق فى ذاته. ولا تعرف الشريعة الإسلامية حداً أدنى لها.
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أن أصل تشريع المتعة هو النصوص القرآنية التى تعددت مواضعها، منها قوله تعالى "وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين" التى نحا الشافعى فى أحد قوليه وكذلك الظاهرية إلى وجوبها، وأيدهم فى ذلك آخرون باعتبار أن "حقاً" صفة لقوله تعالى "متاعاً" وذلك أدخل لتوكيد الأمر بها. هذا بالإضافة إلى أن عموم خطابها مؤداه: عدم جواز تخصيص حكمها بغير دليل، وسريانه على كل مطلقة سواء كان طلاقها قبل الدخول بها أم بعده، فرض لها مطلقها مهراً أم كان غير مفروض لها. وجماهير الفقهاء على استحبابها بمقولة افتقارها إلى أمر صريح بها. كذلك فإن تقرير المتعة وجوباً أظهر فى آية أخرى إذ يقول تعالى فى المطلقة غير المفروض لها ولا مدخول بها " ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتدر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين " بمعنى أعطوهن شيئاً يكون متاعاً لهن. والأمر بالإمتاع فيها ظاهر، وإضافة الإمتاع إليهن تمليكاً- عند من يقولون بوجوبها- لا شبهة فيه. وانصرافها إلى المتقين والمحسنين لا يدل على تعلقها بهم دون سواهم، بل هو توكيد لإيجابها باعتبار أن الناس جميعاً ملزمون بالامتثال إلى أمر الله تعالى وعدم الإنزلاق فى معاصية .
 وحيث إن البين من استقراء أقوال الفقهاء فى شأن دلالة النصوص القرآنية الوارد فى شأن "المتعة " أنهم مختلفون فى نطاق تطبيقها من ناحية ، وفى وجوبها أو استحبابها من ناحية أخرى، وما ذلك إلا لأن هذه النصوص ظنية فى دلالتها، غير مقطوع بمراد الله تعالى منها، وجاز لولى الأمر بالتالى الاجتهاد فيها تنظيماً لأحكامها بنص تشريعى يقرر أصل الحق فيها، ويفصل شروط استحقاقها بما يوحد تطبيقها، ويقيم بنيانها على كلمة سواء ترفع نواحى الخلاف فيها ولا تعارض الشريعة فى أصولها الثابتة أو مبادئها الكلية .
وحيث إن النص التشريعى المطعون فيه شرط لا ستحقاق المتعة شرطين، أولهما: أن تكون المرأة التى طلقها زوجها مدخولاً بها فى زواج صحيح. وثانيهما: ألا يكون الطلاق برضاها أو من جهتها، وهما شرطان لا ينافيان الشريعة الإسلامية سواء فى ركائزها أو مقاصدها، ذلك أن تشريع المتعة يتوخى جبر خاطر المطلقة تطبيباً لنفسها ولمواجهة إيحاشها بالطلاق، ولأن مواساتها من المروءة التى تتطلبها الشريعة الإسلامية ، والتى دل العمل على تراخيها لاسيما بين زوجين انقطع حبل المودة بينهما. ولا كذلك المرأة التى تختار الطلاق أو تسعى إليه، كالمختلعة والمبارئة ، أو التى يكون الطلاق من قبلها بما يدل على أنه ناجم عن إساءتها أو عائد إلى ظلمها وسوء تصرفها، إذ لا يتصور- وقد تقررت المتعة إزاء غم الطلاق- أن يكون إمتاعها- فى طلاق تم برضاها أو وقع بسبب من قبلها- تطبيباً لخاطرها، ولا أن يصلها زوجها بمعونة مالية تزيد على نفقة العدة تخفيفاً لآلامها الناجمة عن الفراق. وما قرره المدعى من أن المتعة لا تستحق إلا للمرأة غير المدخول بها قبل طلاقها، مردود بأن الله تعالى ناط بعباده المتقين الذين يلتزمون بالتعاليم التى فرضها صوناً لأنفسهم عن مخالفته، بأن يقدموا لكل مطلقة متاعاً يتمحض معروفاً بما مؤداه: استحقاقها الإمتاع، ولو كان ذلك بعد الدخول بها، كذلك فإن أمهات المؤمنين المدخول بهن، هن اللاتى عنتهن الآية الكريمة التى يقول فيها سبحانه ( يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً). وما قرره النص التشريعى المطعون عليه من أن المتعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل وبمراعاة حال المطلق يسراً وعسراً وعلى ضوء ظروف الطلاق ومدة الزوجية مستلهماً بذلك فى أسس تقديرها قوله تعالى "ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره"، ومستبعداً الآراء التى تقيسها على المهر وتراعى فيها حال الزوجة بالتالى ، ومقرراً حداً أدنى لها فى إطار التكافل الاجتماعى لضمان ألا يقل ما يعود على المرأة منها عما قدره ولى الأمر لازماً لتمتيعها بعد طلاقها دون رضاها، ومن غير جهتها، ذلك أن غربتها بالطلاق تؤلمها وتمزق سكينتها، وقد تعرضها لمخاطر تفوق طاقة احتما لها، وغالباً ما يقترن طلاقها بالتناحر والتباغض وانقطاع المودة، فحق ألا يكون أدناها متناهياً فى ضآلته صوناً للحكمة من تشريعها لاسيما أن من الفقهاء من حدد أدنى ما يجزئ فيها، ومنهم من حدد أرفعها وأوسطها. وليس فى النصوص القرآنية ما يفيد أن الله تعالى قد قدرها أو حددها، بما مؤداه: جواز تنظيمها بما يحقق للناس مصالحهم المعتبرة شرعاً. ولئن كان النص التشريعى المطعون عليه لا يورد حداً أقصى لتلك المعونة المالية التى يقدمها الرجل لمن طلقها، إلا أن ذلك أدخل إلى الملاءمة التى لا تمتد إليها الرقابة الدستورية، ولا يجوز أن تخوض فيها، لاسيما أن من الفقهاء من يقول بأنه ليس للمتعة عندهم حد معروف لا فى قليلها أو كثيرها. كذلك فإن أمر تقديرها فيما يجاوز حدها الأدنى موكول إلى المحكمة المختصة تجيل فيه بصرها معتمدة فى تحديد مبلغها على أسس موضوعية لا تفرضها تحكماً أو إعناتاً، من بينها أن يكون هذا التحديد دائراً مع حال مطلقها يسراً وعسراً، إذ هى متاع تقرر معروفاً ولمصلحة لها اعتبارها. والمتقون الممتثلون إلى الله تعالى الطامعون فى مرضاته مدعوون إليها، بل ومطالبون بها، باعتبارها أكفل للمودة، وأدعى لنبذ الشقاق وإقامة العلائق البشرية على أساس من الحق والعدل. كذلك فإن اعتداد النص التشريعى بمدة الزوجية وظروف الطلاق فى مجال تقدير المتعة الواجبة، لا يتوخى فرض قيود غير مبررة على الحق فى الطلاق، وإنما قصد المشرع- بإضافة هذين العنصرين إلى حال المطلق يسراً وعسراً - أن تكون المعونة المالية التى تتبلور المتعة فى مبلغها، واقعية قدر الإمكان بما لا إفراط فيه أو تفريط، وهو ما يدخل فى نطاق السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق بما لا يناقض أحكام الدستور أو يخل بضوابطه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية نصوص المواد (5 مكرراً) بفقرتيها الأولى والثالثة و(11 مكرراً) و(18 مكرراً) ثالثاً و(23 مكرراً) بفقرتيها الثانية والثالثة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية .
ثانياً:برفض الدعوى بالنسبة إلى الطعن على المادتين (18 مكرراً) و(20) فقرة أولى من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985- المشار إليهما- وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق