الجمعة، 4 ديسمبر 2015

حول الدستور ومبادئ الشريعة الإسلامية وحق المواطنة

حول الدستور ومبادئ الشريعة الإسلامية وحق المواطنة

بقلم الدكتور / قدري حنفي
أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس
منشور بمجلة الدستورية - العدد الحادي والعشرون – السنة العاشرة – أبريل 2012

في مقال بالأهرام عرضت للجدل الذي كان دائراً حول الدستور(1) حيث طرح كل فريق من المتحاورين حول تلك المواد مجموعة من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والأحداث التاريخية التي يراها مدعمة لوجهة نظره،
استشهد فريق المدافعين عن بقاء المادة الثانية بما لا حصر له من أسانيد إسلامية يرون من خللها أن القيم الإسلامية تتجاوز قيم المواطنة والديمقراطية حيث يقرر الإسلام ألا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، ويحذر من ظلم العباد، ويوصي المسلمين بأهل الذمة ويجعل لهم ما للمسلمين وعليه ما عليهم، فضلاً عن العديد من وقائع التاريخ الإسلامي التي تبرز قيم السماحة والمساواة والعدل، بل والمرونة أيضاً حتى في تطبيق الحدود رغم أنها أحكام شرعية قطعية الثبوت والدلالة.
وفي المقابل يلتقط أصحاب وجهة النظر الأخرى من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والأحداث التاريخية ما يرونه مدعماً لوجهة نظرهم التي تبدو معها الشريعة الإسلامية متعارضة تماماً مع مبادئ المواطنة والديمقراطية داعية إلى احتقار أصحاب الديانات الأخرى والتضييق عليهم وعدم موالاتهم بل وقتالهم، ويستشهدون للتدليل على ذلك بالعديد من التأويلات بل والممارسات التاريخية التي تدمغ حكاماً مسلمين بارتكاب المذابح من يخالفونهم حتى لو كانوا من المسلمين، ويستشهدون فضلاً عن ذلك بنماذج من أنظمة وتيارات سياسية إسلامية في باكستان وأفغانستان وإيران والسعودية والسودان.
ويدور ذلك الحوار في مناخ يسوده التشكك المتبادل في النوايا المضمرة لكل فريق بحيث يصبح التمسك بالمادة الثانية كما لو كان دعوة لقهر الآخر والتسلط عليه، وفي المقابل تصبح الدعوة للمواطنة والديمقراطية دعوة مستوردة هدفها القضاء على الإسلام، وفي ظل مثل ذلك المناخ يمكن أن يستمر الجدال إلى ما لا نهاية ويستمر معه التخوف والتوجس بل والتربص من الجانبين ويستمر كفريق في اقتناص الحجج والوقائع والنصوص التي تدعم وجهة نظره.
حين أعدت النظر في تلك المحاورات التي تابعتها أو شاركت فيها تبين لي أن أحداً من الفريقين لم ينكر على الآخر صحة الوقائع أو النصوص التي استند إليها، وكان جوهر الخلاف يتمثل في اتهام كل فريق للآخر بالتعسف في التأويل والانتقائية في الاختيار ثم تعميم الاستثناء ليبدو كأنه القاعدة.
واستعدت خلال متابعتي لتلك المناقشات فكرة مستقرة في علم النفس السياسي تقوم على أن الحوار لكي يكون مثمراً ينبغي التخلي عن استقراء النوايا، والاتفاق بداية على تحديد دقيق لمعاني المصطلحات، إلا إذا ما اتفق المتحاورون على إقرار مصطلح غامض قابل للتأويل وهو ما قد يحدث أحياناً في المفاوضات لأسباب لسنا في مجال تفصيلها.
إن رؤية العديد من شيوخنا الأفاضل في مصر ورموز التيار الإسلامي لجوهر الإسلام الحق ولمبادئ الشريعة الإسلامية لا تتعارض مطلقاً مع المواطنة والديمقراطية، ولكن تلك الرؤية تختلف اختلافاً بينا عن رؤية العديد من الإسلاميين القدامى والمحدثين والتي لا يستطيع أحد إنكار انبثاقها من التراث الإسلامي وتأثيرها في الفكر الإسلامي المعاصر، والتي ترى أن لا جنسية للمسلمين إلا في دينهم، وأنه لا ينبغي للمسلمين الالتزام برابطة الشعوب، وأنه ليس بمجمع مسلم ذلك الذي تتساوى فيه العصبية الوطنية مع الأخوة الإسلامية، وان الاستعمار كان وراء إذكار النعرة الوطنية والحث على الموت في سبيل الوطن، وانه قد تم نسخ آيات الصفح، والتسامح، والمسالمة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم الإكراه في الدين، وحق الاختيار، والتولي والإعراض عن الآخرين الذي يسمون كفاراً أو أهل كتاب مشركين؛ ومن ثم لا يصبح أمام المسلم الحق سوى قتال غير المسلمين.
من هنا ينبع القلق وهو قلق مبرر تماماً على الجانبين، ما الذي يضمن ألا يأتي في المستقبل من يتبنى تلك الرؤية الإقصائية لمبادئ الشريعة الإسلامية، أو على الجانب الآخر ما الذي يضمن ألا يأتي في المستقبل من يتبني رؤية للمواطنة تعني فصل الدين تماماً عن الحياة اليومية للبشر؟
إن مصطلحات الديمقراطية والمواطنة والدولة المدنية مفاهيم حديثة (2) نشأت في الغرب ثم انتشرت كإنجاز بشري ليأخذ به من شاء من البشر، وتقوم تلك المفاهيم على تساوي أبناء الجماعة في التصويت لاختيار قائدهم دون تمييز بين سادة وعبيد، أو بين رجال ونساء، أو أغناء وفقراء؛ وأن ذلك القائد المنتخب يتولى قيادة الجماعة لفترة محدودة يعود بعدها الأمر للجماعة من جديد.
وقد عرفنا عبر تاريخنا القديم من عصور الفراعنة عبوراً بالفتح العربي فالفتح العثماني حتى نهاية الخلافة العثمانية أنواعاً عديدة من تداول السلطة: عرفنا التوريث، وعرفنا انتقال السلطة للأقدر على الاستيلاء عليها بالقوة، وعرفنا أيضاً بيعة النخبة أو ذوي الحل والعقد، وعرفنا تفويض الحاكم لمجموعة يراها الأصلح لاختيار القائد القادم من بينهم؛ ولكنا لم نعرف قط حاكماً تم اختياره لمدة محدودة وعليه أن يترك الحكم بعد انقضاء تلك المدة سواء كان صالحاً أو فاسداً، ولم نعرف قط حاكماً تم اختياره من خلال تصويت المواطنين جميعاً دون تمييز بين مسلم وغير مسلم أو بين عبد وحر.
ولم يكن ذلك لنقص في معرفتنا أو لعجز في قدراتنا بل كنا في ذلك جزءاً من العالم الذي حولنا، عالم الفراعنة والأباطرة والسلاطين والملوك والخلفاء والقياصرة وغيره من الحكام الذين يمثلون ظل الله على الأرض، ومع نشأة "الدولة الغربية الحديثة" انبثت من رحمها المواطنة فكراً وممارسة، ومع تطور مجتمعاتنا التقطنا فكرة الدولة المدنية بمفهومها الذي يتعارض مع خبراتنا الفكرية عبر تاريخنا الممتد، فأثارت ما يثيره كل جديد من صراع فكري وسياسي بين سلطة قائمة وسلطة قادمة؛ ولعل آثار هذا الصراع القديم تبدو جلية حتى يومنا هذا رغم ما هو شائع من أننا قد حسمنا أمرنا لصالح المواطنة؛ فنحن مازلنا نقدم خطوة ونؤخر أخرى، يشدنا أحياناً بريق قيم المواطنة فنندفع نحوها، ويشدنا أحياناً حلم استعادة عصر الخلافة فنوشك أن نولي ظهورنا للمواطنة بل وللانتماء للدولة بحيث يصبح الانتماء الديني بديلا للانتماء الوطني، وفي ظل هذا الشد والجذب الذي يستنفد جانباً كبيراً من طاقتنا الفكرية ومن جهدنا الوطني ، تتضخم ظاهرة فكرية نكاد ننفرد بها وهي بذل أقصى الجهد لإثبات أنه لا جديد في العالم لم نسبق إليه غيرنا سواء كان اكتشافاً علمياً أو تطوراً فكرياً، ونصبح أقرب إلى الخجل من ماضينا إذا ما اكتشفنا زيف ما حاولن إلصاقه بتاريخنا؛ رغم أنه ليس في الأمر ما يدعو لخجل أو استخذاء. ففي ماضينا شأن ماضي غيرنا نقاط إشعاع مضيئة ونقاط انتكاس مظلمة، وتبقى حقيقة أن إنجازات البشر ملك للبشر جميعاً. وإن تخلفنا العلمي عن الغرب ينبغي أن يدفعنا إلى محاولة اللحاق به في دنيا الواقع دون مسعى عقيم للتنقيب عن جذور ذلك التقدم في تراثنا بحيث ننتهي إلى أن ذلك الجديد ليس بجديد ومن ثم فلا مبرر لمحاولة اللحاق به.
ولعل تلك الظاهرة تفسر ما نشهده من حرص دؤوب على تأكيد وجود الممارسات الديمقراطية وتوافر خصائص المواطنة في تاريخنا الإسلامي، والتدليل على ذلك بوقائع تاريخية تتعلق مثلاً بعدل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وترفع عمرو بن العاص عن الصلاة في كنيسة حرصاً على مشاعر القبط، وغير ذلك من وقائع تؤكد رسوخ مفهوم العدل في الإسلام كقيمة إنسانية راقية حضت عليها الأديان جميعاً وتاق إليها البشر من فجر البشرية بحيث لم يخل التاريخ القديم من حاكم يعامل رعاياه أو حتى عبيده بالعدل والرحمة وفقاً لمعايير العصر، فلا ينقصهم حقاً من حقوقهم بل ويرد عنهم الظلم؛ ولكن دون أن يصل الأمر بحال إلى إشراكهم معه على قدم المساواة في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة شئون الجماعة بل أن يجد حرجاً في أن يكون توليه السلطة لفترة مؤقتة وبقرار من أولئك الذين يحكمهم؛ وهذا والفارق بين العدل كقيمة إنسانية مطلقة عرفها البشر ومارسها بعضهم منذ قديم؛ وبين أن يهذب الجميع لاختيار قائدهم لمدة محددة سلفاً، وأن يكون لكل منهم صوت متساو مع صوت الآخر في ذلك الاختيار وفي غيره من شئون الجماعة.
وغني عن البيان أن المواطنة بهذا المفهوم ليست منزهة عن الشوائب والسلبيات، وليس من ضمان في أن تأتي أكثر الانتخابات نزاهة بأفضل الحكام، وليس من شك كذلك في تفاوت قدرات المواطنين على اختيار ممثليهم وفقاً لتفاوت مستويات ثقافتهم ووعيهم. ولكن تبقى "المواطنة" أحدث ما توصل إليه اجتهاد البشر لتحقيق العدل. وهي شأنها شأن غيرها من اجتهادات البشر قابلة للتعديل والتطوير وحتى للرفض؛ ولكن الخطر كل الخطر يكمن في محاولة إلباس تاريخنا ما ليس فيه ونسبة المواطنة إلى ما هي غريبة عنه، وإلباس تاريخنا القديم ما ليس فيهن فيغمرنا شعور بالرضا الزائف يحول بيننا وبين مكابدة مشقة التحرك للأمام.
وجاءت ثورة يناير لتجسد الصياغة المصرية الفريدة لعلاقة الدين بالسياسة، لقد ارتفعت أصوات الأذان وأصوات التراتيل، وأدى الثوار صلواتهم؛ متمايزين حسب عقائدهم، ملتحمين جميعاً قبل وبعد ذلك خلف هدف واحد وفي مواجهة خطر واحد.
كان ذلك النموذج المصري الفريد مثاراً لفزع العديد ممن يتبنون تأويلات إسلامية تأخذ بتوارث السلطة، وبالتمييز بين المواطنين وفقاً للجنس والدين، وتمارس التكفير والإقصاء؛ وترى أنه لا جنسية للمسلمين إلا في دينهم، وأنه لا ينبغي الالتزام برابطة الشعوب، وأنه ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تتساوى فيه العصبية الوطنية مع الأخوة الإسلامية، وأن الاستعمار كان وراء إذكار النعرة الوطنية، وأنه قد تم نسخ آيات الصفح، والتسامح، والمسالمة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم الإكراه في الدين؛ ومن ثم لا يصبح أمام المسلم الحق سوى قتال غير المسلمين.
ومن ناحية أخرى فقد أفزع ذلك النموذج المصري قوى كانت تراهن على تقسيم الوطن العربي على أساس الانتماء الديني بحيث يصبح وجود دولة يهودية على أرض فلسطين أمراً منسجماً مع العالم المحيط بها.
ومن ناحية ثالثة آثار هذا النموذج فزع أولئك الذين تجمدت رؤيتهم على مقولة أن الدين ليس سوى أفيون للشعوب يخدرها ويبتعد بها عن الثورة، وأنه لا مجال لحديث عن ثائر وطني ملتزم إسلامياً.
تكاتفت تلك القوى العاتية لتجند كل قدراتها المالية والدعائية لتشويه ذلك النموذج المصري ومحوه من الذاكرة فشهدنا كنائس تحرق، ورايات لدول غير مصرية ترفرف على رؤوس من يشعلون تلك الحرائق، وسمعنا من يستنجد بالغرب المسيحي لإنقاذ أقباط مصر.
وأخيراً أطل علينا أزهر مصر الشامخ ليؤصل ما جسده شباب الثورة في "بيان الأزهر ونخبة من المثقفين حول مستقبل مصر" الصادر في 19 يونيو 2011، والذي صدر بعد اجتماعات دعا إليها الإمام الأكبر وشاركت فيها "كوكبة من المثقفين المصريين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والدينية مع عدد من كبار العلماء والمفكرين" وتتصدر البيان عبارة تقيم جسراً مع ثوار يناير بتأكيد أنه يصدر في تلك "اللحظة التاريخية الفارقة التي تمر بها مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير" مؤكداً أن الإسلام "ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، وبما يضمن لإتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية" ثم يمضي ليبين تفصيلاً ما يعنيه الالتزام بالمبادئ الكلية للشريعة، ويكفينا عبارة بالغة الدلالة تقرر "اعتماد النظام الديمقراطي، القائم على الانتخاب الحر المباشر، الذي هو الصيغة العصرية لتحقيق مبادئ الشورى الإسلامية".
ثمة فارق إذن بين التأويل المصري "الثوري" للإسلام وعلاقته بالدولة. وتأويلات أخرى ارتضتها دول ترفع راية الإسلام ولا تعرف الانتخابات أصلاً، أو تعرفها ولكن فيما هو أدنى من انتخاب رأس الدولة، أو تعرفها مزيفة مهلهلة تكرس الدكتاتورية والتوريث والتمييز.
ولا ينبغي في هذا السياق الزعم بأن الحديث عن تأويل مصري للإسلامي يعني بحال أننا نتحدث عن إسلام مصري في مقابل إسلام سعودي أو تونسي أو وسداني فالإسلام هو الإسلام قرآناً مقدساً وعقيدة غراء، ولكن ينبغي أن نفرق تفرقة حاسمة بينه وبين تاريخ المسلمين المتغير بحكم كونه تاريخاً بشرياً يتغير بتغير العصور ويتأثر بتباين توجهات الحكام واتجاهات الدعاة، ولدق عرفنا في تاريخنا البعيد والقريب من يلتمس لدى أبي ذر الغفاري ولدى ابن الخطاب رضي الله عنهما سنداً للدعوة الاشتراكية، ومن يستدعي مشاهد من خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه لتدعيم رؤية دعوته للرأسمالية وتحريم التأميم، ومن يستدعي من التاريخ الإسلامي وأقوال السلف الصالح ما يدعم الدعوة إلى تأبيد الحكم وتحريم الخروج على الحاكم وجوب طاعته باراً كان أو فاجراً وأنه لا يجوز لأحد أن يسعى لكي ينزع عن الحاكم لباساً ألبسه الله إياه، في مقابل من يستدعي نفس المصادر لإثبات وجوب تقويم الحاكم ولو بحد السيف إذا رأته الرعية على باطل.
القضية في جوهرها إذن هي قضية التأويل وهو جهد بشري تقوم به نخبة من أبناء عقيدة معينة في مرحلة تاريخية محددة لاستدعاء أو صياغة ما يناسب العصر من قراءة للعقيدة، ونظراً لأن التأويل جهد بشري فمن الطبيعي أن تختلف التأويلات باختلاف العصر، بل وأن تتباين تأويلات المؤولين في نفس العصر وفقاً لرؤاهم لضرورات المرحلة التاريخية. ومن الطبيعي كذلك أن يرى أصحاب كل تأويل أن تأويلهم هو المعبر الصحيح عن العقيدة وعن العصر، وطالما أن عملية التأويل كما أسلفنا وبحكم أنها نتاج جهد بشري تخضع للاختلاف والتباين ومن ثم يصبح مطروحاً أن يلتمس البشر وسيلة لحسم ذلك الاختلاف الذي قد يكون مدمراً. وقد عرفنا في عصور سلفت حسم ذلك الاختلاف بالاحتكام للقوة تحت مبدأ من غلبت شوكته وجبت طاعته، وكانت النتيجة الانزلاق إلى دوامات متتالية من العنف نظراً لأن موازين القوة وهي موازين بشرية خاضعة للتغيير عبر الزمن.
ولم يكن من سبيل والأمر كذلك سوى الاحتكام إلى ما ترتضيه الأمة من تأويل. ولما كان إجماع الأفراد على رؤية واحدة أمر بتناقض مع طبيعة البشر، فلم يكن بد من الرضى بحكم الأغلبية، ولما كان من المستحيل استطلاع رأي الأمة في كل تفصيل من مستجدات الحياة للتعرف على التأويل الذي تراه الأغلبية مناسباً للموقف. كان ضرورياً أن تفوض الأمة هيئة محددة تتولى تقصي اتفاق القانون من "مبادئ" الشريعة . ومن المنطقي، والأمر كذلك أن تكون تلك الجهة ذات صبغة قضائية باعتبار مصطلح "المبادئ" مصطلح قانوني خالص وليس مصطلحاً دينياً.
وربما يتساءل البعض ولم لا نحذف كلمة "المبادئ" التي تثير كل هذا الجدل؟ ولماذا لا يكون الاحتكام للشريعة الغراء مباشرة؟ ومثل هذا القول رغم وجاهته يعيدنا إلى نقطة البداية، حيث إنه يعني بداهة الاستغناء عن وجود دستور يكتسب مشروعيته من استفتاء يشارك فيه المواطنون جميعاً دون تمييز، ويصبح من المنطقي آنذاك أن يقوم "رجال الدين" بوضع ومراجعة القوانين باعتبارهم بحكم تخصصهم وتأويلهم الأكثر معرفة بالشريعة وبالتالي يكون تأويلهم وحدهم هو التأويل الوحيد الحاكم للقوانين، وبذلك نعود مرة أخرى من جديد إلى ذلك الصراع القديم المتجدد بين "تأويل رسمي" و "تأويلات معارضة" يتبادلان التكفير ويكون القول الفصل آنذاك هو "من غلبت شوكته وجبت طاعته".


المراجع
(1) الإسلام والمواطنة، الأهرام 8 مارس 2007.
(2) موقع المواطنة من تراثنا، الأهرام 27 ديسمبر 2007.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق