الجمعة، 18 ديسمبر 2015

المرجعية التراثية الثقافية للأحكام الدستورية

المرجعية التراثية الثقافية للأحكام الدستورية
بقلم المستشـار / محمـد أمين المهدي
رئيس مجلس الدولة المصرى السابق
منشور بمجلة الدستورية - العدد الحادي والعشرون – السنة العاشرة – أبريل 2012

تقـديم:-
 1-    فى إلماحة إلى الأوضاع الدستورية الملتسبة التى طرأت بعد ثورة 25 من يناير سنة 2011، يكفى بيان أن الإعلان الدستورى الأول الذى صدر فى 13 من فبراير سنة 2011 عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، اضطلاعاً بتكليفه بإدارة شئون البلاد على ما ورد بذات الإعلان، تضمن فيما تضمن أمرين هامين؛ أولهما
التأكيد على أن "حرية الإنسان وسيادة القانون وتدعيم قيم المساواة والديموقراطية التعددية والعدالة الاجتماعية واجتثاث جذور الفساد هى أسس المشروعية لأى نظام حكم يقود البلاد فى الفترة المقبلة". 
وثانيهما النص على تعطيل العمل بالدستور، أى دستور سنة 1971، مع تشكيل لجنة لتعديل بعض مواده. وإزاء الفراغ الدستورى الناشىء عن تعطيل العمل بالدستور، القائم وقتذاك، دون تقرير أية أحكام تنظم الفترة التى يبقى فيها الدستور معطلاً، طالت هذه المدة أو قصرت،كان أن حكمت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، بجلسة 17 من مارس سنة 2011 بأن الإعلان الدستورى الصادر فى 13 من فبراير ستة 2011 يكشف عن " أن الشعب التفت عن تبنى نظرية سقوط الدستور مولياً إرادته شطر تعديل بعض مواده خلال الفترة الانتقالية "، كما قرر الحكم ذاته بأنه "ولئن كان من الجائز أن يعطل العمل بالأحكام المتعلقة يالسلطتين التشريعية والتنفيذية وما يتعلق برئاسة الدولة "، فإنه يبقى " من غير الجائز بحال أن تكون الأحكام المتعلقة بالمقومات الأساسية للمجتمع وحقوق وحريات الأفراد مجالاً للتعطيل، لأنها أحكام وإن تضمنها الدستور إلا أنها تعلو فوقه باعتبارها وفق طبيعتها لصيقة بالمواطن لا تقبل وقفاً أو تعطيلاً أو انتقاصاً "
2-    وإذ طرحت التعديلات التى إرتأتها اللجنة المشكلة لتعديل بعض احكام دستور سنة 1971 (المعطل)، على الاستفتاء بتاريخ 19 من مارس سنة 2011، فقد أسفرت نتيجة الاستفتاء عن الموافقة على التعديلات المقترحة، وبذلك صدر بيان من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتاريخ 23 من مارس سنة 2011 أورد أن الموافقين علـى التعديـلات الدستوريـة بلغــوا نسبة 77% من الأصـوات الصحيحـة. وفى ضوء ذلك فقد أوضح المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأنه قرر إصدار إعلان دستورى " لتنظيم السلطات فى المرحلة الانتقالية القادمة " وذلك لحين الانتهاء من انتخاب السلطة التشريعية وانتخاب رئيس الجمهورية.
3-    ويكشف البيان الصادر فى 23 من مارسة سنة 2011، المشار إليه، عن أمرين : 
أولهما أن الاستفتاء إذ تم على تعديلات مقترحة لأحكام دستور سنة 1971 (الذى كان معطلاً طبقاً لما ورد بالبند "1" من الإعلان الدستورى الصادر فى 13 من فبراير سنة 2011 على ما سبق البيان)، فإن مفاد ذلك أن الأغلبية التى وافقت على التعديلات (1) قد أقرت ضمناً بعدم سقوط دستور سنة 1971، ولو مرحلياً على الأقل. وذلك إن هو إلا استنباط بديهى لمفاد الموافقة على التعديلات، فالتعديل لا يمكن أن يقع، لا قانوناً ولا منطقاً، على ساقط. 
أما الأمر الثانى فهو أن موافقة الأغلبية، فى الاستفتاء، انصرفت إلى إقرار التعديلات التى اتصلت بتنظيم أمور تتعلق بالسلطتين التشريعية والتنفيذية ولم تتناول أموراً تتعلق بالمقومات الأساسية للمجتمع المصرى، على نحو ما ورد بدستور سنة 1971، وهى المقومات التى كشف الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 17 من مارس سنة 2011، المشار إليه فيما سبق، إلى أنها مقومات أساسية تتأبى على التعطيل، كما أنها تستعصى على الانتقاص منها أو التطاول عليها.
    وهذه المقومات الأساسية هى ما أقدر بأنه يمثل المرجعية التراثية الثقافية التى يتعين أن تهيمن على أحكام الدستور المزمع إعداده.وليس فيما أراه مصادرة على إختصاص اللجنة التأسيسية التى يناط بها إعداد الدستور الجديد(2) ، إذا ما أراه إنما هو فى التحليل المنطقى استخلاص سائغ لمفاد موافقة الأغلبية على تعديل بعض أحكام دستور سنة 1971 على نحو ما كشف عنه الاستفتاء الذى جرى بتاريخ 19 من مارس سنة 2011، كما أنه تأكيد على الطبيعة القانونية الخاصة التى لحقت ببعض الحقوق والحريات بحيث أضحت حقوقاً للإنسان تتأبى على قيود كان يمكن القبول بوجودها، لأسباب قد تبررها، قبل التغيير فى طبيعة الحق ذاته.
4-      والتغير النوعى فى طبيعة بعض الحقوق والحريات تترتب عليه نتائج قانونية هامة ستكون محلاً لشىء من الإيضاح فيما يلى. وإنما يكفى بيان أن هذا التغير النوعى إنما هو نتاج تطور ثقافى للوعى الجمعى تمخض إرثاً ثقافياً للمواطن أساسه احترام انسانيته، فى ذاته ولذاته، وهذا التغير فى مفهوم بعض الحقوق والحريات العامة هو ما يمثل الفكرة المحورية التى أرجو أن أوفق فى عرضها. 
وبداية يمكن القول بأن هذا التغير النوعى مع ما يترتب عليه من نتائج، كشفت عنه أحكام قضائية رائدة صدرت من المحكمة الدستورية العليا ، كما صدر بعضها من محاكم القضاء الإدارى. وفى محاولة عرض ما أسعى إلى بيانه، سأتناول موضوع المقال فى مبحثين؛ يتناول أولهما المرجعية التراثية المستندة إلى أحكام قضائية تستمد قضاءها من مبادىء لها أصل ثابت بالدستور، بينما يتناول ثانيهما بعضاً من صور المرجعية الثقافية التى تتجاوز الوثيقة الدستورية، وإن اعتبرت مع ذلك أساساً لمشروعية تستلهم فى قيامها حقوق المواطن ومنها الحق فى صون وحماية التراث الثقافى للشعب، سواء كان هذا التراث مادياً أو غير مادى على نحو ما سيلى بيانه.


المبحث الأول
حقوق الإنسان التى تعتبر متطلباً أساسياً للتنظيم المجتمعى

1-  فإذا كان هذا المبحث يتناول بيان أمثلة لما كشفت عنه أحكام القضاء من حقوق للمواطن ارتقت بها إلى اعتبارهما حقوقاً لصيقة لشخصه باعتباره إنساناً، فقد تجدر الإشارة، إبتداءً، إلى أن ما تكشف عنه هذه الأحكام، وإن بدا مرتبطاً بنص أو آخر من الدستور الذى صدر الحكم فى ظل العمل به، إلا انه يبقى أن مفاد الحكم، فى ضوء التكييف الذى انتهى إليه فى شأن طبيعة الحق، يكون متجاوزاً إسار شكلية النص، منطلقاً إلى مدارج السمو الواجبة للحق اللصيق بالإنسان، حيث يدور الحق وجوداً مع وجود الإنسان ذاته.
2-  وقد تعرضت المحكمة الدستورية العليا ببيان أن دستور سنة 1971 أعلى من قدر الحرية الشخصية فكان أن ألحقها بالحقوق الطبيعية باعتبارها من جنسها وحتى يكون "صونها إعلاء لقدر النفس البشرية متصلاً بأعماقها ومنحها بذلك الرعاية الأولى والأشمل توكيداً لقيمتها " (3).وتكشف عبارات الحكم عن أن الحماية المقررة للحرية الشخصية يتجاوز النص الذى صرح بذلك. فالمحكمة أضافت، بعداً للنص، استلهمته من اعتبارات تتعلق بذات الإنسان، بحسبان أن حريته الشخصية هى الضمان الذى لا غنى عنه لوجود الإنسان محصناَ فى بدنه ومحافظاً على سلامة عقله. وقد رتبت المحكمة على هذا الفهم أن الرقابة القضائية التى تباشرها فى شأن دستورية النصوص الجنائية " تضبطها مقاييس صارمة تتعلق بها وحدها ومعايير حادة تلتئم مع طبيعتها ولا تزاحمها فى تطبيقها ما سواها من القواعد القانونية". وفى الحق فإن ما قررته المحكمة فى هذا الشأن إنما هو إقرار لتراث مكتسب للمواطن المصرى، حيث تضحى الحرية الشخصية داخلة فى زمرة الحقوق الطبيعية، أى اللصيقة بالإنسان، بعد ان كانت فى ضوء ما سبق من نصوص دستورية وردت بالدساتير المصرية الحديثة اعتباراً من دستور سنة 1923 إحدى الحريات المكفولة. وإنه ولئن كان وصف هذه الحرية فى نص أو آخر، بأنها من الحقوق الطبيعية لا يضفى عليها بذاته طبيعة ليست لها، إلا أنه من الجدير بالذكر أن الإعلان الدستورى الصادر فى 30 من مارس سنة 2011 قد اعاد التأكيد على طبيعة هذه الحرية فيما أورده بالمادة 8 منه. والعبرة فى حقيق التكييف هى بحقيقة رؤية المجتمع وبما يقر فى الوجدان الجمعى من طبيعة خاصة للحق مما يعتبر مكتسباً ثقافياً يستعصى على التطاول عليه.
3-  وترتيباً على ما سبق، فإنه ولئن حرصت المحكمة الدستورية العليا فى قضائها على تساوى الحقوق والحريات، التى ينص عليها الدستور، قدراً إلا أن التدقيق فى نسيج هذه الأحكام يكشف عن رؤية للمحكمة تتجاوز شكلية العبارات التى صيغت بها أحكام الدستور، إلى معانى أسمى تتلاقى مع احترام إنسانية الإنسان فى ذاته بما يحقق الحقوق والحريات التى لا يكتمل الوجود الإنسانى، مادياً ومعنوياً وذهنياً، إلا بتوافرها. فكان قضاؤها بما يصون هذه الحقوق والحريات كاشفاً عن حقيقة قانونية تلحق بها وتتفق مع صحيح تكييفها بأنها أضحت داخلة فى منظومة حقوق الإنسان، مع ما يترتب على ذلك من نتائج تتمثل فى الإعلاء من قدرها وبالتالى التشدد فى دواعى صونها وفى التدقيق للقيود التى قد ترد عليها وإن كان مصدرها القانون الذى ينيط به النص الدستورى الاختصاص بتنظيم الحق أو الحرية.
وترتيباً على ذلك، مثلاً، فقد أوضحت المحكمة الدستورية العليا أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وهو المبدأ الذى إطرد تضمينه بجميع الدساتير التى عرفتها مصر، هو ركيزة أساسية لغيره من الحقوق والحريات ويعتبر بهذه المثابة "أساساً للعدل والسلام الاجتماعى" ويصير من ثم "قيداً على السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق والتى لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التى تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون خلالها أمام القانون" (4).
كما قضت المحكمة الدستورية العليا بأن أى تنظيم يأتى به المشرع يتعين أن يقوم على مصلحة عامة لها اعتبارها، فإذا تقطعت فى التنظيم أواصر الارتباط بالأهداف التى يتغياها ارتكازاً على المصلحة العامة المبتغاه، إنقلب تنظيماً منطوياً على تمييز منهى عنه (5)
4-  ومما هو جدير بالذكر، فى هذا المقام، أن احترام الحق فى المساواة يحده، دستوراً وقانوناً، عدم التمييز الذى ينال من الحق الطبيعى فى المساواة باعتباره حقاً من حقوق الإنسان لصيق بإنسانيته فلا يقبل انتقاصاً أو تطاولاً، أيا ما يكون مرتبة النص الذى يدعى الاستناد إليه فى مدارج الأحكام القانونية. يؤكد ذلك أن الإخلال بمبدأ المساواة، إذا اتسع نطاقاً أو اتسم بالمنهجية والإطراد يمكن أن ينحدر إلى درك الجريمة الجنائية فى مفهوم أحكام القانون الدولى الجنائى الآمرة وذلك على إحدى صورتين، صورة الاضطهاد الذى ينطوى على تمييز يقوم على أسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو اثنية أو ثقافية أو دينية أو متعلقة بنوع الجنس أو لأسباب أخرى من المسلم دولياً أن القانون الدولى لا يجيزها، أو صورة الفصل العنصرى الذى قوامه الاضطهاد المنهجى والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أى جماعة أو جماعات عرقية أخرى (6).
5-  ويشمل مفهوم الحرية الشخصية،التى تعتبر من الحقوق اللصيقة بالإنسان باعتباره كذلك، ما يتصل بهذه الحرية إتصالاً لازماً فلا ينفك عنها، سواء فى ذلك ما كان من الأمور المادية التى تكفل للحياة الخاصة الحرمة التى يحميها القانون ومن ذلك الحق فى سلامة البدن والعقل وفى الجملة الحق فى أن تكون حياته الخاصة فى حماية القانون (7)، أو كان من الأمور المعنوية كحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية ، فيما لا يتعارض مع النظام العام، وحرية البحث العلمى والإبداع الأدبى والفنى والثقافى.
ولعلى فى هذا المقام اكتفى بإيراد ما قررته المحكمة الدستورية العليا فى شأن الإبداع الفنى من أنه فى حقيقته ليس محض موقف واعٍ من المبدع، وإنما هو باعتباره بحكم طبيعته، بعيد عن مجرد التقليد والمحاكاة فيكون للأمة " أداة إرتقائها، لا ينفصل عن تراثها، بل يتفاعل مع وجدانها، كافلاً لها تقدمها من خلال اتصال العلوم والفنون ببعضها، ليكون بنيانها أكثر تكاملاً وحلقاتها أعمق ارتباطاً، ومفاهيمها أبعد عطاءً"(8).
كما ربطت المحكمة الدستورية العليا بين حرية الإبداع وحرية التعبير، فهما فى وجدان المحكمة الموقرة صنوان يجمعهما رابط واحد فى حلقة لا تكتمل حلقاتها إلا بتواجدهما معاً. ولعل ذلك هو ذات مفاد حكم المادة (15/3) من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966 التى تقرر أن احترام الدولة لهذه الحرية لا غنى عنه للبحث العلمى والنشاط الإبداعى.


المبحث الثاني
المرجعية الثقافية التى يتجاوز مصدرها الوثيقة الدستورية

1-  لعله من نافلة القول أن ما ارتضته دول العالم من ميثاق ينظم حقوقها وهو الميثاق المنشىء للأمم المتحدة قد حرص على أن يشير فى ديباجته إلى أن الأمم الأعضاء تؤكد من جديد الإيمان "بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية". كما تضمن الميثاق إنشاء مجلس اقتصادى واجتماعى يختص فيما يختص بتقديم توصيات بقصد نشر احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها . (م 62/2 من الميثاق).
2-  وفضلاً عن ذلك فقد توافق المجتمع الدولى على إنشاء منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ويرمز إليها بمنظمة اليونسكو، حيث اعتمد ميثاقها التأسيسى فى 16 من نوفمبر سنة 1945 والذى تضمن فى ديباجته الاشارة إلى أن الحرب العالمية الثانية التى انتهت سنة 1945 إنما نشبت بسبب التنكر للمثل العليا للديمقراطية التى تنادى بالكرامة والمساواة والاحترام للذات الإنسانية.
3-  وقد تلى كل ذلك صدور الكثير من الإعلانات والمواثيق الدولية التى تضمنت العديد من الحقوق والحريات المقررة للإنسان والتى هى محصلة التطور الثقافى للمفاهيم التى استقرت فى الضمير الجمعى لشعوب العالم بأنها حقوق وحريات لصيقة بالإنسان لا غنى عنها لحياته وإزدهاره مادياً ومعنوياً.
4-  وقد كان للمحكمة الدستورية العليا قضاء كاشف عن رؤية مجتمعية تقيم من مفهوم الديموقراطية الركيزة الرئيسية ليس فقط لنظام الحكم بل للبنيان القانونى للدولة. وفى هذا المقام أوضحت المحكمة أن هناك حقوقاً وحريات يعتبر التسليم بها مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية من منظور النظم الديمقراطية، فترتقى هذه الحقوق والحريات إلى مصاف القواعد الدستورية التى تتشكل منها المشروعية الأساسية التى يقوم عليها البنيان القانونى برمته فى الدول القانونية، أى تلك التى تخضع لحكم القانون.
5-     ويمكن بالبناء على هذا القضاء القول بان ثمة شرعية دستورية وطنية تستمد مصادرها مما يجرى عليه العمل فى النظم الديموقراطية المقارنة، ويكون مفاد القضاء أيضاً أن هذه الشرعية، التى تتجاوز نطاق نصوص الوثيقة الدستورية، إنما تتطور فى ضوء ما عساه يتحقق من تطور فى النظم الديموقراطية المعاصرة (9).
ومن ذلك ما قضت به المحكمة الدستورية العليا من أن " التطور الراهن للحقوق الأساسية للإنسان، جعل منها جزءاً لا يتجزأ من المعايير الدولية التى تبنتها الأمم المتحدة كقاعدة للتعامل مع غير المواطنين المقيمين بها، وكان التمييز غير المبرر فى مجال مباشرتها – ولو كان مبناه كون من يطلبها أجنبياً – يعتبر نقضاً لها يخل بالحماية المقررة على صعيد تطبيقها. وكانت المعايير الدولية لا يجوز تفسيرها بأنها تخول أحداً أو جماعة أو تنظيماً سياسياً، أن ينال من الحقوق التى تتناولها، سواء بمحوها أو بإيراد قيود من شأنها تزيد عن تلك التى ترتضيها الدول الديموقراطية فى مجتمعاتها، وكانت الحرية الشخصية، وما يتصل بها من إرادة الاختيار – وعلى ضوء الضوابط الموضوعية التى يحيطها المشرع بها – تقعان فى نطاق الحقوق التى تكفلها المعايير الدولية لغير المواطنين"
6-  وفى إيجاز يقتضيه المقام، يمكن القول بأن أساس الديموقراطية هو اشتراك المواطنين فى إدارة شئون البلاد، وأنه ولئن كان للأغلبية أن تحكم إلا أنها تكون مقيدة دائماً باحترام قواعد تعلو الدولة القانونية ذاتها فتحكمها. وتتحصل هذه القواعد فى الحقوق والحريات المقررة للإنسان باعتباره كذلك، والتى تلتحم مع شخصه فيصير احترامها من احترامه وصونها من كرامته. ولئن كان التعرض لمختلف صور حقوق الإنسان التى أصبحت لازمة للدولة الديموقراطية بالمعايير التى ارتضتها الجماعة الدولية، فى مختلف الإعلانات والمواثيق الدولية الخاصة بالكشف وحماية هذا الحق أو ذاك أو هذه الحرية أو تلك، يتجاوز نطاق هذا المقال، فإنى أقتصر فى هذا المقام، وبالقدر الذى يخدم الفكرة المحورية التى يقوم عليها المقال، على إيضاح أمرين؛ أولهما أن التراث الثقافى الوطنى لم يعد ملكاً لشعب بعينه أو لدولة بذاتها، وإنما أصبح بعض من هذا التراث ملكاً للإنسانية جمعاء باعتبار أن المجتمع الإنسانى يقوم أساساً على التواصل وتبادل رايات التقدم، مما هو من سنن الحياة. فمن محصلة التراث الإنسانى يُقاس التحضر فى مفهومه الأشمل والعميق.وهذا التراث الوطنى الذى يغدو تراثاً ملكاً للإنسانية قد يكون تراثاً طبيعياً أو مادياً كما قد يكون تراثاً فكرياً وثقافياً على النحو الذى تنظمه أحكام الاتفاقيتين الخاصتين بحماية التراث العالمى الثقافى والطبيعى وبحماية التراث الثقافى غير المادى. أما الأمر الثانى الذى يستدعى التوقف، لاتصاله بما نحن بصدده، هو ما أسفر عنه الاجتماع الذى عقد بمقر منظمة اليونسكو خلال شهر يونيه سنة 2011 بشأن خارطة طريق تواكب عمليات التحول الديموقراطى فى العالم العربى.
7-  أما عن التراث الثقافى والطبيعى فقد أوضحت الاتفاقية التى عقدت سنة 1972 والتى صدق عليها رئيس الجمهورية بتاريخ 2 من يناير سنة 1974 وعمل بأحكامها اعتباراً من 18/12/1975 (فى حين نشرت بالجريدة الرسمية فى 14 من نوفمبر سنة 1978 (10)، انها أعدت بغرض إنقاذ التراث الثقافى والطبيعى، بالنظر إلى أن إندثار أو زوال أى شىء من هذا التراث الموجود بدولة معينة ينطوى إفقاراً ضاراً لتراث جميع شعوب العالم، فضلاً عن أن بعضاً من هذه الممتلكات تمثل أهمية استثنائية توجب حمايتها باعتبارها عنصراً من التراث العالمى للبشرية جمعاء. وعلى ذلك تهدف الاتفاقية إلى حماية جماعية تضطلع بها الجماعة الدولية، إلى جانب الجهود الوطنية لحماية هذا التراث ذى القيمة العالمية الاستثنائية، بشكل دائم ووفقاً للطرق العلمية الحديثة.
وقد حرصت الاتفاقية على تعريف المقصود بالتراث الثقافى وأيضاً المقصود بالتراث الطبيعى. فعن التراث الثقافى أوردت الاتفاقية بأن ذلك يعنى:
-   الآثار: الأعمال المعمارية وأعمال النحت والتصوير على المبانى والعناصر أو التكوينات ذات الصفة الأثرية والنقوش والكهوف ومجموعات المعالم التى لها جميعاً قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ أو الفن أو العلم.
-   المجمعات: مجموعات المبانى المنعزلة أو المتصلة التى لها بسبب عمارتها أوتناسقها أو إندماجها فى منظر طبيعى، قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ أو الفن أو العلم.
-   المواقع: أعمال الإنسان أو الأعمال المشتركة بين الإنسان والطبيعة، وكذلك المناطق بما فيها المواقع الأثرية، التى لها قيمة عالمية استثنائية من وجة النظر التاريخية أوالجمالية أو الانتولوجية أو الانتروبولوجية.
كما أوردت الاتفاقية بأن التراث الطبيعى يعنى:- المعالم الطبيعية المتألفة من التشكيلات الفيزيائية أو البيولوجية أو من مجموعات هذه التشكيلات التى لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة النظر الجمالية أو العامة – التشكيلات الجيولوجية أو الفيزيوغرافية والمناطق المحددة بدقة مؤلفة موطن الأجناس الحيوانية او النباتية المهددة التى لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر العلم أو المحافظة على الثروات – المواقع الطبيعية أو المناطق الطبيعية المحددة بدقة – التى لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر العلم أو المحافظة على الثروات أو المجال الطبيعى.
ومن أهم الأحكام التى تتضمنها الاتفاقية ما ورد بالمادة (6) من أنه مع احترام سيادة الدولة التى يقع على إقليمها التراث الثقافى والطبيعى، على نحو ما حددته الاتفاقية، فإن هذا التراث باعتباره يؤلف تراثاً عالمياً تستوجب حمايته التعاون بين أعضاء المجتمع الدولى كافة. كما تنظم الاتفاقية "قائمة التراث العالمى" التى يُدرج بها ما يعتبر تراثاً عالمياً سواء كان ثقافياً أو طبيعياً، وقائمة أخرى تضم "التراث العالمى المعرض للخطر"، كما ورد بالمادة (12) من الاتفاقية أن عدم الإدراج ضمن التراث الثقافى والطبيعى فى أى من القائمتين لا يعنى أن ما لم يدرج ليست له قيمة عالمية استثنائية.
8-  ولمحكمة القضاء الإدارى قضاءً فى شأن تطبيق أحكام اتفاقية حماية التراث العالمى الثقافى والطبيعى، فقد اعتبرت المحكمة أن نشر الاتفاقية بالجريدة الرسمية يدخلها فى نسيج التشريعات الوطنية بحيث تضحى مرجعية قانونية يكون الرجوع إليها فى وزن مشروعية ما قد يصدر من الإدارة من أعمال أو قرارات تتعلق بشىء مما يعتبر داخلاً فى إطار التراث العالمى على نحو ما تنظمه الاتفاقية. فكان أن انتهت المحكمة فى الحكم الصادر بجلسة 28 من ديسمبر سنة 1999 فى الدعوى رقم 2453 لسنة 54 القضائية، بأن أهرامات الجيزة بحسبانها قد أُدرجت بقائمة التراث العالمى فى 26 من فبراير سنة 1979 ضمن ما تم إدراجه من أراضى الهضبة المقامة عليها أهرامات الجيزة وحتى دهشور، "فإن الأهرامات والمنطقة المحيطة بها لها مكانة لا تقتصر فقط على النطاق المحلى والوطنى وإنما تتعداها إلى أن تكون تراثاً إنسانياً يخاطب الإنسانية جمعاء، الأمر الذى مفاده ضرورة مراعاة ألا تكون هذه الأثار عرضة للعبث بها أو تشويه قدرها وهيبتها" (11)
كما ذهبت المحكمة الإدارية العليا فى الحكم الصادر بجلسة 23 من يوليو سنة 2001 فى الطعن رقم 4753 لسنة 42 القضائية إلى أن "آثار مصر القديمة الضاربة فى جذور التاريخ تشهد على عراقة هذا الوطن وعبقرية الإنسان وعظمة المكان، وهى بهذه المثابة لا تعد فحسب تراثاً إنسانياً وحضارياً وفنياً عريقاً لشعب مصر على مر العصور، وإنما تراثاً عالمياً للإنسانية جمعاء تستوجب حمايته".
ولا يفوت الباحث التوقف عند عبارة وردت بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى وهى تلك التى تشير إلى ما ورد بوثيقة إعلان دستور سنة 1971 من أن شعب مصر العامل على أرضها منذ فجر التاريخ والحضارة يحمل إلى جانب أمانة التاريخ مسئولية تحقيق أهداف الحاضر والمستقبل. وهذا التواصل الإنسانى المرتبط بعبقرية المكان هو فى حد ذاته تراثاً تزهو به مصر على العالمين. وإنه ولئن كان من شأن ذلك أن يلقى عليها شعباً ووطناً التزاماً بالحفاظ على هذا التراث، الذى وإن استمر فى ملكها تقوم على صونه، إلا أنه يتعلق به حق للحضارة الإنسانية باعتبار أن التراث الثقافى المصرى مكوِّن أساسى لهذه الحضارة وعنصر أصيل فى تطور البشرية.
9-  وأما ما تعلق بالتراث الثقافى غير المادى، فتحكمه الاتفاقية التى اعتمدتها منظمة اليونسكو فى 17 من أكتوبر سنة 2003، التى وافقت عليها مصر بتاريخ 27 من يوليو سنة 2005 وتم التصديق عليها بتاريخ 2005 وتم نشرها بالجريدة الرسمية فى 27 من إبريل سنة 2006 على أن يعمل بها اعتباراً من 20 إبريل 2006. وقد أوضحت الاتفاقية الترابط الحميم بين التراث الثقافى غير المادى والتراث المادى الثقافى والطبيعى كما أكدت على أهمية التراث الثقافى غير المادى "بوصفه بوتقة للتنوع الثقافى وعاملاً يضمن التنمية المستدامة". ولم يفت الاتفاقية بيان أن "عمليتى العولمة والتحول الاجتماعى، إلى جانب ما توفرانه من ظروف مساعدة على إقامة حوار متجدد فيما بين الجماعات فإنهما، شأنهما شأن ظواهر التعصب، تعرضان التراث الثقافى غير المادى لأخطار التدهور والزوال والتدمير، ولا سيما بسبب الافتقار إلى الموارد اللازمة لصون هذا التراث". وقد عرفت الاتفاقية المقصود بالتراث الثقافى غير المادى بأنه الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات، التى تعتبرها الجماعات أو المجموعات وأحياناً الأفراد جزءاً من تراثهم الثقافى. ويعزز احترام هذه الممارسات والتعبيرات احترام التنوع الثقافى والقدرة الإبداعية البشرية. وقد حرصت الاتفاقية على بيان أنه لا يؤخذ فى الحسبان لأغراض فى الاتفاقية سوى التراث الثقافى غير المادى الذى يتفق مع الصكوك الدولية القائمة المتعلقة بحقوق الإنسان، ومع مقتضيات الاحترام المتبادل بين الجماعات والمجموعات والأفراد والتنمية المستدامة. وبالتالى ينجلى التراث الثقافى غير المادى، فى ضوء التعريف الذى تأخذ به الاتفاقية، بصفة خاصة فى المجالات الآتية:
-   التقاليد وأشكال التعبير الشفهى بما فى ذلك اللغة – فنون وتقاليد أداء العروض – الممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات – المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون – المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية.
وإذ ألزمت الاتفاقية، الدول الأطراف، بصون التراث الثقافى غير المادى على الصعيد الوطنى، كما ألقت على عاتق الدول واجب التعاون مع اللجنة المشكلة فى إطار منظمة اليونسكو لوضع قوائم تمثيلية للتراث الثقافى غير المادى على الصعيد الدولى، بغرض المحافظة عليه وحمايته، فكل ذلك مما يلزم أن تراعيه دول الجماعة الدولية، حفاظاً على التنوع الثقافى البشرى الذى هو مصدر قوة ومنعة وسبيل تقدم، متى أحسن احتوائه ودمجه فى منظومة الانتماء الوطنى. وكل ذلك أمور يحسن أن تواجهها أحكام الدستور الذى يتعين أن يكون إنعكاساً للمفهوم الثقافى لشعب مصر المؤتمن على الحفاظ على تراث مادى وغير مادى ساهم فى تطور الحضارة الإنسانية، ومن ثم أضحى لهذه الحضارة مصلحة قائمة فى الحفاظ عليه بعد أن تحرر التراث من إسار الإرث الوطنى إلى حيز التراث العالمى الذى للحضارة الإنسانية جمعاء مصلحة فى صونه وحمايته.
10- وأما عن الأمر الثانى الذى يستدعى التأمل فهو ما كان من مقترحات أسفر عنها الاجتماع الذى عقد بمنظمة اليونسكو فى يونيه سنة 2011 تحت عنوان " الديموقراطية فى العالم العربى : خارطة طريق" حيث تضمن التقرير المعد عن نتائج الاجتماع بيان الشروط الأساسية لتحقيق المثل العليا للديموقراطية. وقد يكون فى استعراض هذه الشروط ما قد يعين فى صياغة أحكام الدستور الذى تنتظر منه الأمة الكثير. وتتحصل الشروط الأساسية فى خمسة محاور : البعد الأخلاقى والمقومات البنيوية الأساسية، الحكم الرشيد والتحولات الاجتماعية، التعليم والثقافة وحقوق الإنسان، التنمية والعدالة وأخيراً المشاركة الديموقراطية.
وإذ كان الاستعراض الكامل لهذه الشروط مما يخرج عن نطاق البحث، إلا أننا نقتطف منها ما يتصل بما نحن بصدده، من بيان أحكام يرى أن يتضمنها الدستور. ومن أولى هذه الأحكام: تأكيد سيادة القانون مع وجود نظام قضائى تديره آليات مستقلة ومحايدة مع تقرير التزام السلطات كافة تنفيذ أحكام القضاء واجبة التنفيذ. وأيضاً التأكيد على القيم والمبادىء التى تقوم عليها الديموقراطية بوصفها البيئة الطبيعية لحقوق الإنسان التى تتصدرها الحرية واحترام حقوق الإنسان وإجراء انتخابات دورية حرة وشفافة، مع ملاءمة التأكيد على الحقوق التى تعتبر لازماً مفترضاً فى أى نظام سياسى يقوم على مفهوم الحكم الرشيد.
وأخيراً التأكيد على أن الدولة الديموقراطية، سواء كانت محايدة أو علمانية أومرتبطة بدين، تقوم على مبدأ حماية حرية الضمير وممارسة شعائر العقيدة مع إيجاد مواقع متوازنة داخل المجتمع لمعتنقى الديانات السماوية . يضاف إلى ذلك التأكيد على أهمية الدين فى ضبط آليات حياة المجتمع ترسيخاً لمحاسن الأخلاق، بالصدق والفضيلة.


الخـلاصة:-

مفاد ما تقدم جميعه يخلص فى اقتراح أن يتضمن الدستور المرتقب أمرين : أولهما التأكيد على أن من الحقوق والحريات العامة ما أصبح داخلاً فى منظومة حقوق الإنسان، وبالتالى يتعين أن يقف أى تنظيم بشأن يتصل بها دون الغول أو التعدى على الحق مع ضرورة تقدير دستورية ما يصدر من تنظيم فى هذا الشأن بوزنه بميزان دقيق يراعى فيه عدم المساس بالحق. ويمكن القول بأن الحق فى الحكم الرشيد وفى الحقوق المقررة بالعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 بالمادة (6: الحق فى الحياة) وفى المادة (7: حظر إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة) وبالمادة (8: عدم جواز الاسترقاق) وبالمادة (11: حظر سجن الإنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدى) وبالمادة (15: احترام مبدأ الشرعية فى المسائل الجنائية) والمادة (16: حق التمتع بالشخصية القانونية) والمادة (18: الحق فى حرية الفكر والوجدان والاعتقاد)، كل ذلك مما يعتبر مفترضاً لازماً لنظام الحكم ومما يتعين بالتالى أن يكون الالتزام به مقرراً فى مواد صريحة بالدستور، تقطع دابر كل مجادلة فى أصل أو فى طبيعة أى حق من تلك الحقوق. وبالنظر إلى الطبيعة المتدينة للشعب المصرى شأنه شأن سائر الشعوب العربية عموماً، فقد يكون من الملائم تضمين الدستور أحكاماً تؤصل وتنظم وجود وممارسة المنظمتين الدينيتين؛ الأزهر الشريف ويشمل دار الإفتاء، والكنيسة القبطية المرقسية مع توضيح علاقات الاتصال بينهما بما يحقق ويدعم أواصر الوحدة الوطنية المصرية التى قامت وستستمر، يداً بيد لبناء مستقبل زاهر لأمة أوصانا سيدنا رسول الله بأهلها خيراً، وحيث كانت أرضها الطاهرة مهداً أو ملاذاً أو منارةً للأديان السماوية الثلاثة.
أما الأمر الثانى، فقد يكون من الملائم أن تعكس أحكام الدستور المرتقب تنظيماً خاصاً يستهدف صون وحماية ما يعتبر إرثاً حضارياً وطنياً وعالمياً على أرض مصر، سواء كان إرثاً ثقافياً مادياً أو كان غير مادى. ولا يكفى القول بأن الآثار المادية هى مما يدخل فى الملكية العامة وبالتالى تكون حمايتها تابعة لحماية الملك العام. ذلك أن هذا الميراث الثقافى يقتضى حماية خاصة نابعة من تفرد الإرث ودخوله فى مفردات التراث العالمى الذى هو حق للإنسانيىة جمعاء، ولا شك أن التطاول على هذه الآثار، عمداً أو جهلاً أو جشعاً، يتعين أن يكون حسابه عسيراً. ويكون ذلك إبتداءً فى تقرير الدستور لرفعة مكانة هذه الآثار، إذ هى لا تتماثل مع غيرها من مفردات الأموال العامة.
وإنى إذ أقول قولى هذا، أرجو أن أكون قد وفقت فى إيضاح وإيصال ما أريد، كما آمل أن يكون فى اجتهادى الضعيف بعض نفع لمن بيدهم تقرير مستقبل هذا البلد الأمين.

=====================================================================

المراجع

(1) علماً بأن مفهوم الأغلبية يختلف فى مجال التطبيق القانونى المجرد عن المفهوم فى مجال علم السياسة والاجتماع. إذ فى هذا المجال الأخير ترد نسبة الأغلبية إلى مجموع من لهم حق التصويت وليس إلى من أدلوا باصواتهم فعلاً.

(2) مع التأكيد على أن إعداد الدستور وإن كان مرحلة أساسية هامة، إلا أنه يعقبها ويكملها مرحلة لا تقل عنها أهمية وهى مرحلة صياغة الأحكام فى مواد. ومهمة الصياغة هذه أرشح أن يعهد بها إلى أهل الصنعة التشريعية من ذوى الأمانة والتجرد، ولعل أن يكون الاستعانة فى هذه المهمة الدقيقة بقسم التشريع بمجلس الدولة منضماً إليه من يرى انضمامه من أعضاء اللجنة التأسيسية، بحيث تكون الصياغة تعبيراً دقيقاً عن مراد من عهد إليهم بإعداد الدستور على أن يعقب ذلك فى جميع الأحوال عرض مشروع الدستور على الاستفتاء الشعبى الذى يتعين أن تتوافر فيه شروط وأوضاع، قد لا يكون هنا مجال بيانها، تضمن الادراك الواعى للمواطن عما هو معروض عليه للاستفتاء.

(3) الحكم الصادر بجلسة 4 من يناير سنة 1997 فى القضية رقم 2 لسنة 15 القضائية.

(4) الحكم الصادر بجلسة 13 من مارس سنة 2005 فى القضية رقم 286 لسنة 25 القضائية .

(5) الحكم الصادر بجلسة 6 من يناير سنة 1996 فى القضية رقم 5 لسنة 8 القضائية.

(6) وكل ذلك من الجرائم الدولية التى لا تسرى عليها أحكام التقادم إعمالاً لأحكام الاتفاقية المعقودة سنة 1968 فى هذا الشأن وتُعرف باتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية".

(7) ومن ذلك الحق فى اختيار الزوج وتكوين الأسرة أو أن يتخذ الشخص له ولداً. ولا يحتد هذا الحق لما يتجاوز ذلك مما لا يعتبر مرتبطاً بذاتية الإنسان فى دائرة تبرز فيها ملامح حياته وقراراته الشخصية فى أدق توجهاتها. يراجع فى ضبط هذا المفهوم الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 18 من مايو سنة 1996 فى القضية رقم 8 لسنة 17 القضائية.

(8) حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 4 من يناير سنة 1997 فى القضية رقم 2 لسنة 15 القضائية.

(9) وكان أن قضت المحكمة الدستورية العليا بأن مضمون القاعدة القانونية، التى تسمو فى الدول القانونية عليها وتتقيد بها، يتحدد فى ضوء المستويات التى التزمتها الدول الديموقراطية بإطراد فى مجتمعاتها، فلا يجوز للدولة القانونية أن تنزل بالحماية التى توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا المقبولة بوجه عام فى الدول الديموقراطية. الحكم الصادر بجلسة 4 من يناير سنة 1992 فى القضية رقم 22 لسنة 8 القضائية والحكم الصادر بجلسة 2 من يناير سنة 1993 فى القضية رقم 3 لسنة 10 القضائية.

(10) تراخى النشر الذى يترتب عليه إسباغ قوة القانون على أحكام الاتفاقية إعمالاً لحكم المادة 151 من دستور سنة 1971، مرده إلى قرار يصدر من وزير الخارجية بذلك، مما يعتبر إخلالاً بآلية إدماج أحكام الاتفاقيات فى نسيج القانون الداخلى.

(11) وقد صدر هذا الحكم بمناسبة ما كان ينتوى من وضع هريم من ذهب فوق الأهرامات، بمقولة أن ذلك هو ما كان عليه الأثر عند إقامته، إلا أن المحكمة إرتأت فيما كان يزمع فعله تطاولاً على الأثر وتعدياً عليه وأورد الحكم أنه " وفى الفرض الجدلى المحض بوجود مثل ذلك (أى وجود هريم من ذهب على قمة الأهرامات) فى زمن مضى، فإن ما كان من المزمع إقامته وتركيبه على الأهرامات ليس هو بيقين الجزء الأصلى المدعى بأنه كان قائماً يوماً من أيام وجود الأهرامات الشامخة، وعلى ذلك فإن تركيب أجزاء، من أية مادة كانت، تتضمن تغييراً ولو مؤقتاً للأثر التاريخى هو مخالفة بواح لالتزامات مصر الدولية الناشئة عن اتفاقية حماية التراث الانسانى العالمى".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق