الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

التفرد بالجنسية المصرية مدى الحياة كشرط للترشيح لرئاسة الجمهورية

التفرد بالجنسية المصرية مدى الحياة
كشرط للترشيح لرئاسة الجمهورية
وفقاً لنص المادة 75 من الدستور : بين الواقع والمأمول
بقلم الأستاذ الدكتور / عبد المنعم زمزم
أستاذ مساعد وقائم بأعمال رئيس قسم القانون الدولى الخاص
كلية الحقوق ـ جامعة القاهرة
منشور بمجلة الدستورية – العدد التاسع عشر – السنة التاسعة – أبريل 2011

استقرت الدساتير على اشتراط الصفة الوطنية فيمن يتولى إدارة شئون الحكم في الدولة. وهذا الاشتراط أساسى فمن غير المعقول أن يتولى رئاسة الدولة شخص لا ينتمى إليها بجنسية. ويشهد الواقع الدستورى في معظم دول العالم الاكتفاء بانتماء المرشح بجنسيته إلى الدولة دون نظر لجنسية أصوله. وتسلك دساتير أخرى مذاهب أكثر تشددًا، فتقضى بضرورة أن يكون المرشح من أصول وطنية.
وقد تذبذبت مختلف الدساتير المصرية في شأن الشروط المتطلبة لرئاسة الجمهورية. وقد دار هذا التذبذب بين أن يكون المرشح مصرياً من أبوين مصريين وبين أن يكون مصرياً من أبوين وجدين مصريين، حتى فوجئنا بنص المادة 75 من دستور 1971 والمعدلة مؤخرًا بالاستفتاء الذى جرى بتاريخ 19 مارس 2011، وذلك في أعقاب الثورة المباركة لشباب مصر في 25 يناير 2011، حيث ظهرت هذه المادة بحزمة من الشروط التى تتعلق بجنسية المرشح وأصوله لم تشهد لها الحياة الدستورية في مصر مثيلاً من قبل. فقد نصت هذه المادة على أنه "يشترط فيمن ينتخب رئيساً للجمهورية أن يكون مصرياً من أبوين مصريين، وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وألا يكون قد حمل أو أي من والدية جنسية دولة أخرى، وألا يكون متزوجاً من غير مصرية، وألا يقل سنة عن أربعين سنة ميلادية".
وقبل الخوض في الدساتير المصرية المتعاقبة بما فيها التعديل الأخير لنص المادة 75 من دستور 1971 يتعين علينا التعرض للوضع في الدساتير المقارنة بشأن الشروط المتطلبة في جنسية المرشح للرئاسة. وللدراسة المقارنة على هذا النحو هدف أساسي، وهو بيان مدي مصداقية حرص المشرع الدستوري في مصر بخصوص حزمة الشروط المتعلقة بجنسية المرشح، خاصة مع الانفتاح الهائل الذي أصاب دول العالم والذي كان من نتائجه تحول المجتمع المصري في الآونة الأخيرة إلي مجتمع مهاجر، مما أدي إلي اكتساب عدد كبير من المصريين – كغيرهم من رعايا الدول الأخرى – لجنسية دولة المهجر دون أن يعني ذلك الانتقاص من ولائهم تجاه الدولة.
مذهب الدساتير المقارنة :
الاكتفاء – في معظم الأحوال – بالصفة الوطنية ولو كان المرشح متجنسًا وليس وطنيًا أصيلاً
يعتبر الدستور الأمريكي أقدم دستور مكتوب في العالم، حيث وضع عام 1786 في أعقاب استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن المملكة المتحدة. وتنص المادة 2/1 من هذا الدستور على أنه "لا يحق لأي شخص، إلا إذا كان مواطناً بحكم المولد... أن يشغل منصب الرئيس، ولا يحق لأي شخص أن يشغل ذلك المنصب إلا إذا كان قد بلغ سن الخامسة والثلاثين، وكان مقيماً لمدة أربعة عشر عاماً داخل الولايات المتحدة".
وما يعنينا في هذا المقام من بين الشروط التي تطلبتها هذه المادة، هو الشرط المتعلق بجنسية المرشح، حيث لم يتطلب النص إلا أن يكون مواطنا بحكم المولد بمعنى أن يكون الشخص أمريكياً بالميلاد؛ اكتسب الجنسية الأمريكية الأصلية فور ولادته. والهدف من هذا الحكم هو استبعاد من تجنس بالجنسية الأمريكية في تاريخ لاحق للميلاد من الترشيح لرئاسة الدولة. والمعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية تبنى جنسيتها الأصلية على حق الإقليم، حيث يكتسب جنسيتها كل من يولد على الإقليم الأمريكي بغض النظر عن جنسية أبوية، هل يتمتعون بالجنسية الأمريكية أم بجنسية أجنبية، فالابن في الحالتين مواطناً بحكم المولد. ولم يرد في النص أي ذكر عن جنسية أبوي المرشح أو جنسية جدية أو زوجه. وتأسيساً على ذلك، فإن أي شخص اكتسب الجنسية الأمريكية الأصيلة بالميلاد يحق له الترشيح لرئاسة الدولة إذا توافر فيه الشرط الوحيد المتعلق بالجنسية هو التمتع بالجنسية الأمريكية بالميلاد دون نظر لجنسية جميع أصوله. وقد تحفظ النص – بالمقابل – على الأمريكيين المقيمين خارج الولايات المتحدة الأمريكية فقرر حرمانهم من الترشيح إلا إذا أقاموا بها أربعة عشر سنة. والمنطقى أن تكون هذه المدة سابقة على تقديم طلب الترشيح، والهدف من ذلك الحكم ربما افتراض المشرع الدستوري أن من أقام أربعة عشر سنة متتالية خارج البلاد – دون انقطاع – لن يكون على علم بهمومها وآمالها.
وقد خففت دساتير أخرى من حدة الشروط التي تطلبها الدستور الأمريكي، فلم تقم تفرقة بين الوطني الأصيل الذي يكتسب جنسية الدولة بمجرد الميلاد وبين الوطني الطارئ الذي اكتسب جنسيتها في تاريخ لاحق للميلاد، وإنما أجازت لمن يتمتع بجنسية الدولة على الإطلاق الترشيح للرئاسة. ومن تطبيقات هذه الدساتير الدستور الروسي الصادر في 12 ديسمبر 1993، حيث تنص مادته 81/2 على أنه "يجوز لمواطن الإتحاد الروسي الذي لا يقل عمرة عن 35 عاماً ويقيم في الاتحاد الروسي منذ لا يقل على عشر سنوات أن ينتخب رئيساً للاتحاد الروسي". ويتجسد تخفيف النص الروسي من حدة شروط الترشيح المتعلقة بالجنسية عن النص الأمريكي، في أن الدستور الأمريكي تطلب في المرشح – على نحو ما سبق البيان – أن يكون أمريكياً بالميلاد، أي متمتعاً بالجنسية الأمريكية الأصيلة، أما الدستور الروسي فقد كفل حق الترشيح لرئاسة الدولة لأي مواطن يتمتع بجنسية الإتحاد الروسي سواء كانت هذه الجنسية أصيلة اكتسبها المرشح بمجرد الميلاد أم طارئة اكتسبها في تاريخ لاحق عليه. فالدستور الروسي ساوى تماماً – اكتفاء بصفة الوطنية – بين الروسي الأصيل والروسي المتجنس عندما أجاز لكل منهما الترشيح لرئاسة الدولة، وإن كان قد تحفظ – كالدستور الأمريكي – بالنسبة للمواطنين الذين يقيمون في الخارج حيث حرمهم من الترشيح إلا إذا أقاموا في الاتحاد عشر سنوات سابقة على الترشيح.
ولم تعتد دساتير أخرى بهذه التفرقة بين المواطنين الذين يقيمون في البلاد وأولئك الذين يقيمون خارجها فأجازت للجميع الترشيح لرئاسة الدولة. ومن تطبيقات هذه الدساتير الدستور الصيني الصادر في 4 ديسمبر 1982، الذى ينص في المادة 79 على أنه "ويحق لمواطني جمهورية الصين الشعبية الذين يحق لهم التصويت وترشيح أنفسهم في الانتخابات ممن بلغوا من العمر 45 سنة أن يرشحوا أنفسهم لشغل منصب رئيس أو نائب رئيس جمهورية الصين الشعبية".
والنص يتطلب في المرشح – فيما يتعلق بالجنسية – أن يكون وطنيًا لجمهورية الصين الشعبية دون تفرقة بين أن يكون وطنيًا بالميلاد أو وطنيًا طارئا،ً اكتسب الجنسية الصينية في تاريخ لاحق للميلاد، ودون تفرقه أيضًا بين الصيني المقيم بالبلاد والصيني المقيم خارجها. فالمعول عليه هو كون المرشح يتمتع بالجنسية الصينية دون نظر لنوعها، بل ولو كان متجنساً بها، ودون نظر أيضا لجنسية أي من أصوله أو زوجه، بل ولو كان جميع هؤلاء من الأجانب، ودون نظر حتى للمدة التي عاشها الشخص على الإقليم. بيد أن النص ربط حق الترشيح لرئاسة الدولة بالمواطنين الذين يحق لهم التصويت، وهو ما يثير التساؤل عن المواطنين الصينيين الذين لهم حق التصويت والترشيح. تجيب المادة 34 من الدستور الصينى على هذا التساؤل مقررة أنه "يحق لجميع مواطنى جمهورية الصين الشعبية الذين بلغوا من العمر 18 عاماً أن يصوتوا وأن يرشحوا أنفسهم فى الانتخابات، بصرف النظر عن القومية أو العنصر أو الجنس أو المهنة أو الخلفية الأسرية أو العقيدة الدينية أو التعليم او الوضع من حيث الملكية أو مدة الإقامة".
وهكذا فالنصوص مطلقة فى كفالة حق التصويت والترشيح للانتخابات – بما فيها انتخابات الرئاسة – لأى شخص يتمتع بالجنسية الصينية كشرط وحيد فريد، دون أى اعتبار لجنسية الأصول أو الفروع أو الزوج أو الزوجة أو لمكان الإقامة ومدتها.
ويتطابق مع هذا الاتجاه أيضا الدستور الألمانى المعدل فى 26 يوليو 2002 حين نص فى المادة 54/1 على أنه "ينتخب الرئيس الإتحادى بواسطة المؤتمر الإتحادى دون اجراء مناقشة. ويحق لأى ألمانى له حق التصويت... ويكون قد بلغ سن الأربعين أن يُنتخب".
والشرط الوحيد المعمول عليه – فى شأن الجنسية – هو كون المرشح يتمتع بالجنسية الألمانية دون أي اعتبار آخر ولو كان مزدوج أو متعدد الجنسية، حيث لا يؤثر في ذلك :
1- نوع جنسية المرشح؛ ألمانية أصيلة أم مكتسبة؛ متفرد بالجنسية الألمانية أو يحمل إلى جانبها جنسيات أخرى.
2- جنسية جميع الأصول؛ الأبوين والجدين؛ ألمانية أم أجنبية.
3- جنسية الزوج أو الزوجة.
4- مكان إقامة المرشح أو أسرته.
ويتطابق مع هذا النص أيضًا نص المادة 84 من الدستور الإيطالى الصادر في 27 ديسمبر 1947 الذى يقضى بأنه "يمكن أن يُنتخب رئيسًا للجمهورية أى مواطن يكون قد بلغ من العمر خمسين عامًا ويتمتع بالحقوق المدنية والسياسية".
والدساتير السابقة وهي دساتير لدول عظمي لم تتشكك في صدق وولاء مزدوج الجنسية، فلم تشترط التفرد بجنسية الدولة أو تنازل المرشح عن جنسيات أخرى قد يحملها، كما غضت الطرف تماماً عن جنسية الأصول، فلم تتطلب فى المرشح أن يكون من أبوين وطنيين، كما لم تشرط شروطاً خاصة بشأن زوج المرشح.
الدساتير المصرية
أولاً: الدساتير الملكية : انحصار العرش في أسرة محمد على
انفصلت مصر عن تركيا في 5 نوفمبر سنة 1914، ويعتبر هذا التاريخ هو الميلاد الحقيقى للدولة المصرية الحديثة واكتسابها الشخصية القانونية الدولية. وقد كان من المنطقى أن يصدر في ذلك الوقت أول دستور ينظم أمور الحكم في البلاد، بيد أن إصدار هذا الدستور قد تراخى إلى عام 1923. وقد نصت المادة 32 من هذا الدستور على أن "عرش المملكة المصرية وراثي في أسرة محمد على. وتكون وراثة العرش وفق النظام المقرر بالأمر الكريم الصادر في 15 شعبان سنة 1340 (13 أبريل سنة 1922)"( 1). وقد بقيت هذه المادة بنفس صياغتها والرقم الذي تحمله في دستور عام 1930(2). وهكذا فإن الدساتير المصرية السابقة على ثورة 23 يوليو 1952 كانت تقضي ببقاء الحكم في الأسرة المالكة، ومن ثم لم يكن من المتصور الحديث عن جنسية الملك في ظل هذه الدساتير على اعتبار أن مُلك مصر كان حكراً على أسرة محمد على.
ثانيًا: دساتير ثورة يوليو
         عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 أعلن القائد العام للقوات المسلحة بصفته رئيس حركة الجيش إعلان دستوري على الأمة بأن الحكومة وكما ورد هذا الإعلان "آخذه فى تأليف لجنة تضع مشروع دستور جديد، يقره الشعب، ويكون منزهاً عن عيوب الدستور الزائل محققاً لآمال الأمة في حكم نيابي نظيف سليم وإلي أن يتم إعداد هذا الدستور، تتولي السلطات في فترة الانتقال التي لابد منها حكومة عاهدت الله والوطن على أن ترعي صالح المواطنين جميعاً دون تفريق أو تمييز، مراعية في ذلك المبادئ الدستورية الهامة"(3). وقد أعقب ذلك إعلان اللواء محمد نجيب عن الإعلان الدستوري المؤقت لحين الانتهاء من وضع مشروع الدستور الجديد. وقد تم الانتهاء من هذا المشروع سنة 1954، وقد نصت المادة 90 من مشروع دستور 1954 على أنه "يشترط فيمن ينتخب رئيساً للجمهورية أن يكون مصرياً من أب وجد مصريين، متمتعاً بكل حقوقه المدنية والسياسية وألا يقل سنة يوم الانتخاب عن خمس وأربعين سنة. ولا يجوز أن ينتخب لرئاسة الجمهورية أحد من أعضاء الأسرة التي كانت تتولي الملك في مصر "(4).
 وما يتعلق بالجنسية من شروط الترشيح تتجسد فيما يلي:
1- أن يكون المرشح مصرياً، ولم يتطلب النص أن يكون متفرداً بالجنسية المصرية، ومن ثم يصح ترشيح مزدوج أو متعدد الجنسية.
2- أن يكون المرشح مولوداً لأب مصري، واشتراط ميلاد المرشح لأب مصري يقضي باستبعاد المتجنس من الترشيح لرئاسة الدولة لأنه ليس مولوداً لأب مصري، إذ لو كان كذلك، لكان مصريًا بالميلاد. ولا يهم – بالمقابل- أن يكون الأب متفرداً بالجنسية المصرية، فمن الممكن أن يكون مزدوج أو متعدد الجنسية، وذلك دون اعتبار لجنسية الأم، حيث لم يتطلب الدستور أن تكون مصرية.
3- أن يكون جد المرشح مصرياً، دون لزوم أن يكون – كالمرشح وأبيه – متفرداً بالجنسية المصرية، ودون اعتبار أيضاً لجنسية الجدة التي قد تكون أجنبية.
وخلاصة القول أن المرشح في مشروع دستور 1954 كان يجب أن يكون مصرياً أصيلاً من أب وجد مصريين دون نظر لأي اعتبار آخر.
         بيد أن هذا المشروع لم يرى النور، وكان أول دستور يصدر بعد الثورة هو دستور 1956 وقد نصت مادته رقم 120 على أنه "يشترط فيمن ينتخب رئيساً للجمهورية أن يكون مصرياً من أبوين وجدين مصريين وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية وألا يقل سنة عن خمس وثلاثين سنة ميلادية وألا يكون منتمياً إلي الأسرة التي كانت تتولي الملك في مصر"(5).
وقد حمل هذا الدستور تشدداً في الشروط المتعلقة بجنسية المرشح عن تلك الشروط التى وردت في مشروع دستور 1954، ويكمن وجه التشدد في أن المشروع الأخير تطلب في المرشح أن يكون مصرياً من أب وجد مصريين مع إمكان أن تكون الأم والجدة من الأجانب. أما دستور 1956 فقد تطلب في المرشح أن يكون مصرياً ليس فقط من أب وجد مصريين وإنما من أبوين وجدين مصريين، بما يعني لزوم أن تكون الأم والجدة من المصريين أيضًا. وبذلك تكون شروط الترشيح المتعلقة بالجنسية طبقاً لدستور 1956 هي كالتالي:
1- أن يكون المرشح مصرياً أصيلاً وليس متجنساً مع إمكان أن يكون حاملاً لجنسية أجنبية.
2- أن يكون مولوداً لأبوين وجدين مصريين ولو كانوا حاملين لجنسيات أخرى.
وهكذا ننتهي إلي أن المرشح في دستور 1956 كان يجب أن يكون مصرياً أصيلاً من أبوين وجدين مصريين ولا يشترط أن يكونوا جميعاً متفردين بالجنسية المصرية، وإنما يصح في مفهوم النص أن يكونوا حاملين – كلهم أو بعضهم- لجنسيات أخرى.
ثالثًا: دستور 1964 : أن يكون المرشح مصريًا من أبوين مصريين
بدأ العمل بدستور 1964 وحسبما ورد في تصدير هذا الدستور ابتداءً من يوم الأربعاء 25مارس 1964 وذلك "حتى يُتم مجلس الأمة الذي يبدأ عمله في صبيحة يوم الخميس السادس والعشرين من شهر مارس سنة 1964، مهتمة بوضع الدستور الدائم للجمهورية العربية المتحدة، وطرح مشروع هذا الدستور على الشعب، للاستفتاء، لكي يمنحه من إرادته الحرة، القوة التي تجعله مصدراً لكل السلطات". وقد نصت المادة 101 من دستور 1964 على أنه "يشترط فيمن ينتخب رئيساً للجمهورية، أن يكون مصرياً من أبوين مصريين، وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وألا يقل سنة عن خمس وثلاثين سنة ميلادية"(6). وقد خفف هذا الدستور عن سابقة – دستور 1956- من حيث الشروط المتطلبة بشأن جنسية المرشح، حيث لم يتطلب في المرشح إلا أن يكون مصرياً من أبوين مصريين، دون نظر لجنسية الجدين. وذلك يتجسد الشروط المتعلقة بالجنسية فيما يلي:
1- أن يكون المرشح مصري الجنسية ولو كان حاملاً لجنسية أو جنسيات أخرى، لأن مزدوج أو متعدد الجنسية يعد وطنياً كالوطني المتفرد بالجنسية المصرية سواء بسواء، غاية ما هنالك أنه يكتسب صفه الوطني في كل الدول التي يحمل جنسيتها.
2- أن يكون مولوداً لأبوين مصريين، وهو ما يعني استبعاد المتجنس من الترشيح لرئاسة الدولة، ولا يشترط عدم حمل الأبوين أو أيهما لجنسية أجنبية.
والخلاصة أن دستور 1964 اكتفي بكون المرشح مصرياً مولوداً لأبوين مصريين.
رابعًا : دستور 1971 قبل تعديله : أن يكون المرشح مصريًا من أبوين مصريين
حمل الباب الخامس من دستور 1971 عنوان نظام الحكم، وقد جاءت مادته رقم 75 مطابقة تماماً – وبصورة حرفية- لنص المادة 101 من دستور 1964 السابق بيانها، حيث نصت على أنه "يشترط فيمن ينتخب رئيساً للجمهورية أن يكون مصرياً من أبوين مصريين، وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وألا يقل سنة عن أرعين سنة ميلادية "(7). فهذا النص كسابقه يشترط في جنسية المرشح :
1- أن يكون مصري الجنسية ولا يشترط أن يكون متفرداً بالجنسية المصرية.
2-   أن يكون مولوداً لأبوين مصريين دون اشتراط أن يكونوا متفردين بالجنسية المصرية.
خامسًا: المادة 75 بعد تعديلها: تفرد المرشح وأبوية بالجنسية المصرية مدي الحياة
كان من نتائج الثورة المباركة للخامس والعشرين من يناير عام 2011، أن تم تشكيل لجنة دستورية للنظر في المواد المتعلقة بالترشيح لرئاسة الدولة. وقد طالت هذه التعديلات المادة 75 والتي صار مضمونها على النحو التالي: "يشترط فيمن ينتخب رئيساً للجمهورية أن يكون مصرياً من أبوين مصريين، وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وألا يكون قد حمل أو أي من والدية جنسية دولة أخرى، وألا يكون متزوجاً من غير مصرية، وألا يقل سنة عن أربعين سنة ميلادية".
والتأمل في هذا النص يوحي بأن التعديل قد حمل تعقيداً ليس له مثيل في التاريخ الدستوري المصري ولا في الدساتير السابق التعرض لها من حيث الشروط المتعلقة بجنسية المرشح. وقد امتد هذا التعديل لينال ليس من جنسية المرشح فحسب، وإنما من جنسية أبوية وزوجته وذلك على النحو التالي:
1- أن يكون المرشح مصرياً وهذا أمر طبيعي كسائر النصوص السابقة.
2- أن يكون مولوداً لأبوين مصريين، وهو ما يعني أن يكون مصرياً أصيلاً وليس متجنساً، فالأخير لا يحق له الترشيح لرئاسة الدولة، لأنه غير مولود لأبوين مصريين، فلو كان المرشح مولوداً - ولو لأب مصري على الأقل- لصار مصرياً بالميلاد، وما كانت هناك حاجة إلي تجنسه بالجنسية المصرية.
3- تفرد الأسرة بالجنسية المصرية مدي الحياة، بألا يكون المرشح قد حمل أو أي من والدية جنسية دولة أخرى في أي لحظة من لحظات الحياة. وهنا يمكن وجه التشدد والخطورة.
أما التشدد، فلأن النص يتطلب ضرورة تقصي حياة المرشح وأبوية لمعرفة هل اكتسب أي منهم في أي وقت من أوقات الحياة جنسية أية دولة أجنبية أم لا؟! فإذا ثبت هذا الأمر ولو في واحد منهم فقط قضي بحرمان المرشح من الترشيح لرئاسة الدولة. فالنص لا يقرر فقط حرمان مزدوج الجنسية من الترشح، وإنما:
أ- من حمل في أي وقت أثناء حياته جنسية أجنبية إلي جانب الجنسية المصرية ولو تخلي عن هذه الجنسية الأجنبية وقت الترشيح. فلا يظن ظان أن المصري مزدوج الجنسية يمكنه الترشيح لرئاسة الدولة إذا تخلي عن الجنسية الأخرى التي يحملها، فهذا الظن غير صحيح، لأنه حتى مع تنازله عن الجنسية الأجنبية، فإنه يكون قد افتقر إلي أحد الشروط الصريحة التى يتطلبها النص وهو ألا يكون قد حمل جنسية دولة أخرى، والتخلي عن الجنسية لا ينفي عن الشخص أنه قد حملها في فترات اكتسابه لها.
ب- من حمل أي من والديه جنسية دولة أخرى إلي جانب الجنسية المصرية، فالتعديل يتطلب أيضاً أن يبقي والد ووالدة المرشح على الجنسية المصرية مدي الحياة، فلو اكتسب أي منهما أية جنسية أجنبية في أية لحظة من لحظات الحياة، لما صح الترشيح ولو تنازل عنها الأب أو الأم في أي وقت لاحق، لأنه في ذلك الوقت سيكون قد حمل جنسية أجنبية.
ج- ألا يكون المرشح متزوجاً من غير مصرية. ولأول مرة في تاريخ الحياة الدستورية في مصر يشترط الدستور شروطاً معينة في جنسية زوجة المرشح لرئاسة الدولة. وقد تطلب النص ألا تكون الزوجة غير مصرية، بما يعني ضرورة أن تكون حاملة للجنسية المصرية بحيث تصير وطنية كزوجها وأبوية. بيد أن النص لم يشترط تفرد الزوجة بالجنسية المصرية ومن ثم يصح أن تكون مزدوجة أو متعددة الجنسية، لأنها حينئذ ستكون في مواجهة الدولة مواطنة مصرية طالما أن الجنسية المصرية من بين الجنسيات التي تحملها.
وأما عن الخطورة فإن النص يترتب عليه حرمان الدولة لذاتها من الكفاءات المهاجرة، كما يترتب عليه أيضاً سد الباب أمام هذه الكفاءات- وهذا أمر عسير على نفوسهم- من العودة إلي إقليم الدولة ولمحاولة النهوض بها سياسياً واقتصادياً وعلمياً. إن تعديل المادة 75 يتجاهل ظروف مصر كدولة طاردة للسكان، المفترض ألا تقطع أواصر الصلة معهم فتقرر معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية. كما أن التعديل يتجاهل أيضاً طبيعة التحول الجذري الذي أصاب المجتمع المصري في الآونة الأخيرة، والذي صاحبه اضطرار المصريين – بكافة طوائفهم – للهجرة للخارج تحت ضغط الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعاني منها البلاد رغبة في البحث عن فرص أفضل، وأن هذه الاعتبارات قد حتمت على بعضهم ضرورة التجنس بالجنسية الأجنبية دون أن يعبر ذلك عن زهدهم في الجنسية المصرية، فالوطنيين الذين اضطروا للهجرة إلي الخارج "وجدوا أنفسهم في مأزق، فهم من ناحية لا يستطيعون التوطن بالخارج والحصول على العمل الذي يصبون إليه إلا إذا تم لهم اكتساب جنسية الدولة التي هاجروا إليها، ومن ناحية أخرى فإنهم يخشون اكتساب جنسية الدولة الأجنبية، إذا كان من شأن ذلك فقدهم للجنسية المصرية وانفصالهم عن الجماعة الوطنية، وهو أمر عسير على نفوسهم، إذ إن هجرتهم للخارج إنما دعاهم إليها غريزة حب البقاء، ولم تكن بحال من الأحوال وليدة ضعف ولائهم للوطن"(8). وتحقيقاً لهذا الغرض، وتوفيقاً بين هذه الاعتبارات المتعارضة، كان قانون الجنسية المصري حريصاً على الإبقاء على أواصر الصلة مع هؤلاء الوطنين، وذلك عندما كفل لهم الاحتفاظ بالجنسية المصرية إلي جانب التجنس بالجنسية الأجنبية، وذلك في نص المادة 10 من قانون الجنسية التي تنص على أن "ويترتب على تجنس المصري بجنسية أجنبية، متى أذن له في ذلك، زوال الجنسية المصرية عنه، ومع ذلك يجوز أن يتضمن الإذن بالتجنس إجازة احتفاظ المأذون له وزوجته وأولاده القصر الجنسية المصرية، فإذا أعلن رغبته في الإفادة من ذلك خلال مدة لا تزيد على سنة من تاريخ اكتسابه الجنسية الأجنبية، ظلوا محتفظين بجنسيتهم المصرية رغم اكتسابهم الجنسية الأجنبية"(9).
وبهذه المثابة فقد رخص المشرع للمصريين التجنس بجنسية أجنبية مع احتفاظهم بالجنسية المصرية دون لوم أو موآخذه، وقد كان دافع المشرع إلي ذلك الإيمان بقدرة المصريين الذين يبحثون خاصة شباب العلماء منهم – عن مناخ مناسب للبحث العلمي في الدول الأجنبية التي تقوم بفتح ذراعيها لهم، وتوفر لهم المنح الدراسية ثقة منها في قدرتهم بغرض اجتذابهم إليها ومنحهم جنسيتها. وقد استفحلت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة الأمر الذي يمكن معه الحديث عن ظاهرة خطيرة تتفاقم يوماً بعد يوم وهي ظاهرة استنزاف عقول العالم الثالث(10). إن طائفة المصريين في المهجر تحتل عادة مكانة علمية وعالمية متميزة على النحو الذي يحتم على الدولة المحافظة على أواصر الصلة بهم باعتبارهم الذراع الطويلة لها على أراضي الدول الأجنبية، فنفوذ الدولة لا يقاس بسطوتها الداخلية – فكل دولة لها السطوة في المجال الداخلي- وإنما يقاس بمدي سطوتها على المستوى الدولي، ويقاس نفوذ الدولة على المستوى الدولي بمقدار ما لها من ذراع بشرية مؤثرة في المجتمع الدولي. ولهذا السبب فقد تدخل المشرع بهدف تحقيق الطمأنينة للمصريين في المهجر فأصدر – بالإضافة إلي نص المادة 10 من قانون الجنسية – القانون رقم 111 لسنة 1983 بإصدار قانون الهجرة ورعاية المصريين في الخارج، ليس فقط لتنظيم أوضاع المصريين المهاجرين وإنما للتشجيع على الهجرة وجعلها حقاً مقرراً لكل مصري دون الانتقاص من أي حق من حقوقه الدستورية أو القانونية. فقد نصت المادة الأولي من قانون الهجرة على أنه "للمصريين فرادي أو جماعات حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلي الخارج وفقاً لأحكام هذا القانون وغيره من القوانين المعمول بها ويظلون محتفظين بجنسيتهم المصرية طبقاً لأحكام القانون الخاص بالجنسية المصرية ولا يترتب على هجرتهم الدائمة أو الموقوتة الإخلال بحقوقهم الدستورية أو القانونية التي يتمتعون بها بوصفهم مصريين طالما ظلوا محتفظين بجنسيتهم المصرية".
كما تنص المادة الثانية من هذا القانون على أنه "ترعي الدولة المصريين في الخارج وتعمل بكافة الوسائل على تدعيم صلاتهم بمصر وعلى الوزير المختص بشئون الهجرة اتخاذ ما يلزم لذلك من إجراءات ويصدر القرارات اللازمة لتحقيق هذه الرعاية ويحدد الوسائل التي تكفلها"(11).
فالدستور والقانون قد كفل للمصريين – فرادي وجماعات- حق اكتساب جنسية أجنبية إلي جانب الجنسية المصرية مع احتفاظهم بكافة حقوقهم الدستورية والقانونية. فالمادة 6 من دستور 1971 تنص على أن "الجنسية المصرية ينظمها القانون"، وقد نظم قانون الجنسية المصرية رقم 26 لسنة 1975 حق المصريين في التجنس بجنسية أجنبية وشجع على ازدواج وتعدد جنسية المصريين دون إخلال بأى حق من حقوقهم الدستورية، فكيف يقرر التعديل المقترح بعد ذلك:
1- معاقبة هؤلاء الأشخاص بحظر ترشيحهم لرئاسة الجمهورية.
2- معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية.
3- حرمان الدولة المصرية من تطوير أوضاعها الداخلية بخبراتهم خاصة وأن معظم من ذوى الكفاءات المشهود لها عالمياً.
إن اكتساب المصرى لجنسية أجنبية قد تقرر بالأسلوب التنظيمى الذى قرره الدستور والقانون، ومن ثم لا يصح أن ينقلب الدستور وبالاً على مزدوجى الجنسية فيقرر حرمانهم من تمثيل بلدهم. يضاف إلى ذلك أن التعديل المقترح يخلو من المصداقية ويقيم تفرقة مخافة لمبدأ المساواة الذى ينص عليه الدستور ذاته بين المصرى المتفرد بالجنسية المصرية والمصرى غير المتفرد بها. فالمادة 40 من دستور 1971 تنص على أن "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة"
إن دساتير مصر المتعاقبة لم تتشدد في أوقات التحرر من الاستعمار في سنوات الخمسينيات، وفى وقت ربما كان التشدد فيه مبررًا بشأن جنسية المرشح، فأنى يتأتى التشدد في القرن الحادى والعشرين الذى يشهد طفرة تكنولوجية هائلة لم يعد فيها البقاء لمن يحمل السلاح وإنما لمن يعرف ومن لا يعرف. والتعديل المقترح يخالف المعمول به في كل دول العالم الأول، ولا يقال في هذا الصدد بأن مصر لها ظروفها الخاصة، فكل دولة لها ظروفها الخاصة، وظروف مصر الخاصة تتطلب – وفى هذا التوقيت بالذات – ضرورة الاستعانة بأبنائها المهاجرين لكى ينهضوا بها علميًا واقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا وفكريًا بعد أن هوت إلى قاع عميق. وغير خاف أن المادة 75 بصورتها الحالية تشكل صورة من صور الانحراف التشريعى لأن القصد منها هو إقصاء أشخاص معينين عن سدة الحكم، وليس الهدف من ورائها البحث عن صالح الجماعة المصرية.
ولهذه الأسباب فإن إعادة النظر في نص المادة 75 من دستور 1971 ضرورة لا غنى عنها، واقترح صياغتها في الدستور الجديد – المنتظر صدوره لاحقًا – على النحو التالى: "يشترط فيمن ينتخب رئيساً للجمهورية أن يكون مصرياً من أبوين مصريين، وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وألا يقل سنة يوم الترشيح عن أربعين سنة وألا يزيد علي خمسة وستين سنة ميلادية".
مزايا الصياغة المقترحة:
1-   تفادى العيوب المصاحبة لصياغة نص المادة 75 من دستور 1971 والتى ثبت لنا عدم مصداقيتها وتعارضها مع الصالح العام للجماعة المصرية لحاجتها الماسة لجهود جميع أبنائها ولو كانوا من مزدوجى الجنسية.
2-   تحد حدًا أقصى للسن الواجب توافرها في المرشح، وهو أمر هام غاب عن جميع الدساتير المصرية السابقة، وأصبح النص عليه أمرًا حتميًا بعد أن ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن حكم مصر يثير شهوة من يحكمها للبقاء على العرش حتى نسج الكفن الخاص به.
_______________
المراجع
(1) الوقائع المصرية، العدد 42- غير اعتيادي في 20أبريل 1923.
(2) الوقائع المصرية، العدد 98- غير اعتيادي في 23 أكتوبر 1930.
(3) الوقائع المصرية، العدد 58أ مكرر في 10 ديسمبر 1952.
(4) الوقائع المصرية، العدد 12 مكرر ب في 10 فبراير 1953.
(5) الوقائع المصرية، العدد 5 مكرر غير اعتيادى في 16 يناير 1956.
(6) الجريدة الرسمية – العدد 69 تابع "أ" في 24 مارس 1964.
(7) الجريدة الرسمية – العدد 36 مكرر "أ" في 12 سبتمبر 1971.
(8) د. فؤاد رياض، أصول الجنسية في القانون الدولي والقانون المصري المقارن، دار النهضة العربية 1995 ص305 وما يليها.
(9) راجع مؤلفات أحكام الجنسية في القانون الدولي والقانون المصري المقارن، دار النهضة العربية 1432هـ-2011م، رقم 467 وما يليها ص258 وما يليها.
(10) راجع مؤلفات مركز الأجانب في القانون الدولي والقانون المقارن، دار النهضة العربية رقم 42 وما يليها.
(11) لمزيد من التفاصيل راجع مؤلفنا أحكام الجنسية في القانون الدولي والقانون المصري المقارن، المرجع السابق، رقم 482 وما يليها،ص266 وما يليها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق