الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

ثورة 23 يوليه سنة 1952 ونظرية الظروف الطارئة

ثورة 23 يوليه سنة 1952 ونظرية الظروف الطارئة 

(تكييف ما تم يوم 23 يوليه سنة 1952)

بحث لحضرة الأستاذ / ذكي سعيد البدرمانى المحامي
مجلة المحاماة – العدد الخامس - ثورة 23 يوليه سنة 1952 ونظرية الظروف الطارئة 
(تكييف ما تم يوم 23 يوليه سنة 1952)
بحث لحضرة الأستاذ / ذكي سعيد البدرمانى المحامي

مجلة المحاماة – العدد الخامس - السنة الثالثة والثلاثون - مصر سنة 1953

تعددت الأسماء لحركة 23 يوليه سنة 1952 فمن قائل إنها (انقلاب)، ومن قائل إنها (ثورة) إلى قائل آخر إنها انعدال وأطلق عليها البعض أنها نهضة أو حركة ولكن رجل القانون لا يعنيه تعدد الأسماء بل يهتم بالتكييف القانوني السليم لما حدث يوم 23/ 7/ 1952 حتى يرتب عليه آثاره القانونية العديدة الهامة.

وصواب الآراء أن حركة 23 يوليه سنة 1952 هي (ثورة) بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معانٍ، وكفى دليلاً ناطقًا بذلك إعلان قائدها سقوط دستور سنة 1923 وقيام دستور جديد هو دستور 23 يوليه سنة 1952.

وما القوانين التي أصدرتها وتصدرها حكومة الثورة وفي مقدمتها قانون الإصلاح الزراعي إلا مظاهر وإنتاج لتلك الثورة التي تعتبر قانونًا (حادث طارئ).

أنتج هذا القانون وسينتج انخفاضًا كبيرًا في ثمن الأطيان وإيجار الأطيان وهبوطًا محسوسًا في أثمان المحاصيل الزراعية وارتفاعًا في أجر العامل الزراعي وكل هذا وما شاكله له تأثيراته العظيمة بين الأفراد والجماعات.

وهناك التزامات مرتبة بين الأفراد في ضوء الأوضاع السابقة على ثورة 23 يوليه سنة 1952 وأصبح الوفاء بها كما هي محل إرهاق وسبب خراب للملتزمين فيها فهل في القانون المدني العام ما يخفف وطأة هذا الذي لم يكن للملتزم يد فيه؟؟

وفي مقدمة الأمثلة لذلك حالة من اشترى أطيانًا بالتقسيط على آجال بعيدة بأثمان مرتفعة وفوائد كبيرة فقد انخفض اليوم حاصل الربع حتى أصبح أقل من الفائدة في كثير من الحالات كما انخفض الثمن لأقل من الثلث ولا يمكن تجاهل هذا الانخفاض بل لا يمكن أن نقول إن المشرع لم يتناول هذه الحالة ببيان حكمها وأثرها فالمشرع يعمل للأجيال المقبلة وكل ما قد يحدث فيها من ثورات وأحداث.

نص القانون المدني

ومن حسن الحظ أن الدكتور السنهوري مشرع الجيل الحديث، هو مشرع الثورة المباركة وهو نفسه واضع القانون المدني رقم (131) سنة 1948.

رأى الدكتور السنهوري أن لمحكمة الاستئناف رأيًا في تقرير نظرية الظروف الطارئة خالفتها فيه محكمة النقض، فإذا بمشرعنا العظيم يجد رأي الاستئناف يتفق مع العدالة رغم مساسه بالعقد كما رأى رأي النقض يجافي العدالة ويقدس العقد ونصوصه مهما ظهرت ظالمة نتيجة ظروف طارئة لم يتوقعها المتعاقدان.

احترم السنهوري العدالة وكان محل نقد شديد من الدكتور حامد زكي والأستاذ العرابي ولكن انتصرت العدالة وسلم النص القانوني.

نصت الفقرة الثانية من المادة (147) من القانون المدني على أنه (إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقًا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعًا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك).

انتهز المشرع المصري فرصة وضعه القانون المدني الجديد فاستحدث هذا الحكم البالغ الأهمية باستثناء مبدأ الطوارئ غير المتوقعة من القاعدة التي تحرم على القضاء تعديل العقود.

ويقول المشرع في مذكرته الإيضاحية إنه في إقامته هذا الأساس التشريعي رأى أن (من الحوادث ما يكون شاذًا لا يمكن توقعه وهي وإن كانت لا تؤدي إلى استحالة تنفيذ الالتزام إلا أنها تجعل هذا التنفيذ مرهقًا فادحًا، وفي هذه الحالة يتدخل القاضي لينقص هذا الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، بعد تقدير مصالح المتعاقدين تقديرًا عادلاً).

وها نحن نتولى شرح هذه النظرية وأساسها في المبادئ القانونية العامة كالآتي:

( أ ) حسن النية والعدالة:

نصت المادة (148) مدني جديد على أنه (يجب تنفيذ العقد طبقًا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجهه حسن النية، ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه ولكن يتناول أيضًا ما هو من مستلزماته، وفقًا للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام).

ويجب أن ينفذ العقد وفق ما قصده المتعاقدان وطبقًا لما هدفا إليه من وقت إبرامه ويجب أن يكون ثمة تكافؤ في مركزي كل من المتعاقدين.

(ب) الشرط الضمني عن تغير الظروف:

وعلى ضوء هذا التكافؤ نفهم مقصد قول الشاعر في المادة (150) مدني (أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقًا للعرف الجاري في المعاملات).

ومعنى هذا أن نية المتعاقدين المشتركة تنصرف وقت التعاقد إلى أن العقد ينفذ حسبما اتفقا طالما أن الظروف التي جرى فيها التعاقد لم تتغير أما إذا وقع تغيير في تلك الظروف على نحو يجعل تنفيذ العقد جائزًا بالنسبة لأيهما فإنه يجب إزالة هذا الجور.

ونصت المادة (150) سالفة الذكر يبيح للقاضي تجاوز المعاني الحرفية للألفاظ للبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين وقت التعاقد.

(جـ) إرادة المتعاقدين:

وتقوم هذه النظرية على أساس أن المتعاقدين قد أدخلا وقت التعاقد في حسابهما قدرًا معينًا من الاحتمال العادي عن ارتفاع السعر أو هبوطه بقدر معلوم ولكنهما لم يدخلا الاحتمالات غير العادية كالحرب والزلازل والأزمة الاقتصادية الجارفة والانقلابات السياسية والتشريعات الاستثنائية فما يقع عنها من مساوئ وأضرار إنما يخرج عن نطاق التعاقد ولا يلتزم به المدين الذي لم يرتكب غشًا أو خطأ جسيمًا.

وفي نظرية رفع الغبن إذا استغل أحد المتعاقدين طيشًا بينًا أو هوىً جامحًا في المتعاقد الآخر فجاءت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة فإن المشرع نص في المادة (129) مدني على أن للقاضي أن يبطل العقد أو ينقص من الالتزامات بناءً على طلب المتعاقد المغبون، وعلى هذا فالغبن وهو فقدان التوازن بين الالتزامات المتبادلة غير جائز قانونًا وهذا يتمشى تمامًا مع نظرية الحوادث الطارئة ووجوب رفع الإرهاق وفقط فقدان التوازن يحدث هنا بعد انعقاد العقد وفي حالة الاستغلال يحدث وقت تكوين العقد.

(د) سبب الالتزامات:

ومن المسلم به أنه في العقود المتبادلة يجب أن يكون لكل متعاقد ما يحصل عليه مقابل التزامه ومساوٍ له، ومعنى هذا أن تكون الالتزامات متوازنة.

فلا يصح في عقد المعارضة أن يأخذ المتعاقد بغير أن يعطي.

إن فقدان التوازن الاقتصادي بين الالتزامات كافٍ لاعتبار العقد بغير سبب مما يستدعي بطلانه، ومعنى ذلك أن فقدان التوازن عند تنفيذ العقد نتيجة الحرب أو انخفاض أو ارتفاع الأسعار يجعل التزام أحد المتعاقدين بلا مقابل أي بلا سبب صحيح أي باطل كنص المادة (136) التي تنص على أنه إذا لم يكن للالتزام سبب كان العقد باطلاً.

(هـ) العقد:

ومن الملاحظ أن نظرية الحوادث الطارئة مجال تطبيق العقود المستمرة كعقود العمل والإيجار والشركة والبيع مع تقسيط الثمن على عدة أقساط أي أن يكون تنفيذ الالتزام فيهما مقسطًا.

(و) العدالة:

إن نظرية الطوارئ غير المتوقعة تستجيب لمقتضيات العدالة، إنه لمما تأباه النفوس أن ترى مدينًا يحتمل وحده الناحية المرهقة في الالتزام وأن يبلغ به الأمر إلى إفلاسه وخرابه بينما يكون في ذلك اغتناء دائنه وإن لمن الظلم الفادح أن يترك المدين يقوم بتنفيذ التزاماته على ما هي عليه من هذا الغبن.

(ز) سوء استعمال الحقوق:

إن نظرية الحوادث الطارئة ليست إلا تطبيقًا لمبادئ نظرية سوء استعمال الحقوق وقد نص القانون المدني الجديد في مادته الخامسة على الأحوال التي يكون فيها استعمال الحق غير مشروع فقال (إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها).

إن الدائن الذي يكتسب بالتعاقد حقًا إنما له أن يستعمله في الحيز المتفق عليه فيما يمكن توقعه شرعًا إبان التعاقد، أما إذا اختل التوازن بين التزامات الطرفين اختلالاً يفوق حد المعقول بسبب ما طرأ من حادث لم يكن في مقدور الطاقة البشرية أن تتوقعه أو كان هذا الاختلال قد خرج بالموازنة بين الالتزامات بما يستحيل معه أن تكون أن تكون مثل هذه النتائج هي المرمى الذي هدف إليه المتعاقدان فإنه لا يمكن أن يطاق إصرار الدائن على تنفيذ الالتزام فهذا هو العسف بعينه خاصة إذا كان في قيام المدين بالتزامه خرابه وإفلاسه أو ضياع قدر جسيم من رأس ماله.

من هذا يتضح أن نظرية الحوادث الطارئة مؤسسة على القواعد العامة في الالتزامات الأمر الذي حدا ببعض المحاكم أن تصدر أحكامها طبقًا لهذه النظرية قبل أن يقررها نص صريح في القانون المدني الجديد، ومما تجب ملاحظته أن تطبيق هذه النظرية من النظام العام ولهذا نص المشرع صراحة على أنه لا يجوز الاتفاق على التنازل مقدمًا عن الحماية التي فرضها المشرع في هذا النص ولا على ما يخالفه (147 مدني).

شروط تطبيق هذه النظرية

مجال تطبيق نظرية الحوادث الطارئة هو العقود المستمرة أو الفورية المؤجلة كعقود التوريد وعقود المقاولات وعقود البيع المقسط الثمن فيها على سنوات وإن كان قد نص على تطبيق هذه النظرية في عقد المقاولة بالمادة (658) مدني ونصها كالآتي:

(على أنه إذا انهار التوازن الاقتصادي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول بسبب حوادث استثنائية عامة لم تكن في الحسبان وقت التعاقد وتداعي بذلك الأساس الذي قام عليه التقدير المالي لعقد المقاولة جاز للقاضي أن يحكم بزيادة الأجر أو يفسخ العقد).

ومثل هذا ما نصت عليه المادة (668) و (673) مدني عند كلامهما على التزامات المرافق العامة.

ومن المفروض أن يتعاون المدين على تنفيذ العقد حتى يمكنه الانتفاع بنظرية الحوادث الطارئة.

وهاك شرح الحادث الطارئ وماهية عدم التوقع والالتزام المرهق وكيفية رده إلى الحد المعقول حتى توضح شروط تطبيق النظرية وأثره:

1 - الحادث الطارئ:

يجب أن لا يكون لإرادة المتعاقد دخل في الحادث أو في طرفيه كما أن خطأ المدين لا يمكن أن يكون محلاً للتمسك بما تخوله نظرية الحوادث الطارئة.

وقد حكم بأن مما يتجافى مع العدالة ويتناقض مع قصد المتعاقدين الواضح أن يلتزم البائع حسن النية باستقضاء سلع بأثمان باهظة جدًا بسبب ما حل من الاستيلاء على مثلها من سلطة ليس في الطوق إلا الإذعان لها.

2 - ماهية عدم التوقع:

عندما يشترط في الحادث من أن يكون غير متوقع هو أهم ما تمتاز به هذه النظرية التي استعارت اسمها منه فعدم التوقع هو أساسها.

وعدم التوقع يرتبط بندرة وقوع الحادث أو كثرة وقوعه فإن كان كثير الوقوع كان غير متوقع والعكس بالعكس.

وليس عدم التوقع يعني عدم الحدوث من قبل فالحرب والثورة والأزمة الاقتصادية والإضراب قد وقعت من قبل ولكن هذا ليس معناه أنه يجب توقعها فالبحث يجب أن يكون من الناحية الشخصية وأن معيار ضابط المعقولية أنه ما لا يستطيع توقعه المدين العادي.

إن المشرع المصري حدد الحادث غير المتوقع بوضع ضابط للتوجيه وهذا الضابط هو (إن اقتضت العدالة ذلك) كما قيد الحادثة بأن تكون استثنائية وعامة ولم يكن في الوسع توقفها ومعنى ذلك أنه يجب الالتجاء إلى المعيار الشخصي كما يقرر أن يكون الحادث شاذًا وغير عادي ويقصد بكلمة عامة أن يكون القياس فيها بالمعيار الموضوعي وذلك بمراعاة الظروف العامة والخارجية التي لا تختص بشخصية المدين ولا ظروفه الداخلية أو الخاصة به كالمرض أو نقصان الأهلية.

3 - الالتزام المرهق:

إن أهم ما يميز نظرية الحوادث الطارئة عن القوة القاهرة، هو أنه يشترط في القوة القاهرة أن يؤدي الأمر المفاجئ إلى استحالة الوفاء بالتعهد كلية، بينما يكتفي في الظروف الطارئة أن يخل بالتوازن الاقتصادي للعقد إلى حد يصير معه تنفيذ الالتزام مرهقًا إرهاقًا يهدد المدين بخسارة فادحة.

ومن المسلم به أن الأمر في ذلك متروك لتقدير القاضي بحسب ظروف كل نزاع مطروح عليه وحالة كل مدين الخاصة به وإذا كان تنفيذ الالتزام التعاقدي يهدده بخسارة فادحة من عدمه ولهذا فسلطة قاضي الموضوع في ذلك سلطة واسعة.

أثر تطبيق النظرية

نصت الفقرة الثانية من المادة (147) مدني صراحة على هذا الأثر فخولت القاضي (تبعًا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول).

معنى هذا أن القاضي عليه أن يقدر مصالح المتعاقدين تقديرًا عادلاً لينزل بالالتزام إلى الحد المعقول في سبيل رفع الحيف عن كاهل المدين.

تطبيق النظرية على عقود البيع المؤجلة

من المسلم به أن عقود البيع مؤجلة التنفيذ محل لتطبيق هذه النظرية حيث إنه إذا حصل اضطراب دولي أحدث شللاً في التبادل الزراعي أو حدثت ثورة كان من شأنها إيجاد ظروف تخفض أو ترفع الأسعار إلى درجة كبيرة ترهق الملتزم بالوفاء وجب الاستعانة بهذه النظرية.

وبما أن الأركان الثلاثة سابقة الذكر موفورة في حالتنا حيث إن الحادث الطارئ هو الثورة والانقلاب الحالي وحركة الجيش المباركة وليس للمشترين دخل في هذا الحادث ولم يكن هذا الحادث محتمل الوقوع بل هو الحادث الأول من نوعه منذ عهد الفراعنة إلى اليوم حيث إنه ثورة ضد الإقطاع أي ضد أصحاب الأراضي الكثيرة ومنهم طبقة الحكام سواء الملك أو الأمراء أو كبار الموظفين وكبار الملاك.

هذا هو الحادث الطارئ وقد نتجت عنه قوانين إصلاحية اجتماعية جرت إلى جعل الوفاء بالأقساط أي بالثمن المؤجل مرهقًا إن لم يكن مستحيلاً والاستحالة الآتية عن طريق أن صافي إيجار الفدان في السنة أصبح أقل من فائدة المؤجل من الثمن في السنة وعلى ذلك فلا وفاءً بل بالتأخير تزيد الفائدة وتستحق الأقساط المؤجلة.

هذا عن الحادث الطارئ وعن عدم التوقع وعن الالتزام المرهق وهي الأركان الجوهرية لتطبيق النظرية، ولا يمكن أن يجادل إنسان في أن الثورة والحركة المباركة والانقلاب تكون حوادث طارئة استثنائية وعامة أي لم تكن متوقعة أو في الحسبان وأنها استثنائية وأنها ذات تأثير عام شمل القطر بأجمعه، وليس أقطع في انطباق هذه النظرية على حالتنا مما هو واضح في محضر الجلسة (67) من مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني.

بدأت اللجنة بسماع ملاحظات الدكتور حامد زكي فاعترض على المادة (147) وهي الخاصة بتطبيق نظرية الطوارئ على العقود قائلاً: (حيث لا يكون هناك توافق إرادتين يجب ألا يكملها القاضي إلا عن طريق تفسير نية المتعاقدين، وإلا اعتبر أنه خرج عن حدود وظيفته (وقد أيده الرئيس قائلاً إن هذا النص سيثير مشاكل ومنازعات مما يهدد المعاملات لأن أقل حادث سياسي قد يترتب عليه تارة رفع الأسعار وأخرى انهيارها، لذلك يحسن عدم الأخذ بهذا النص وأن يترك تقدير ذلك للقاضي.

وقد وجه الأستاذ العشماوي النظر إلى أن القاضي يحكم طبقًا لقواعد العدالة عندما لا يجد نصًا في العقد وهو في هذا يعمل في حدود وظيفته فكيف يقال إنه إذا أكمل العقد عن طريق تلك القواعد - يخرج عن حدود وظيفته.

ثم جاء قرار اللجنة النهائي وقرار المجلس الموافقة على المادة كما عدلتها اللجنة.

ولهذا واضح أن المشرع صرح بأن كل حادث سياسي يجر إلى انهيار أو ارتفاع الأسعار يعطي للفقرة الثانية من المادة (147) مدني محلاً للتطبيق.

وإزاء توفر هذه الأركان وجب إزالة الظلم ورد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، وذلك بتطبيق نظرية الظروف الطارئة وإعطائها آثارها وديًا أو قضائيًا بموجب النصوص الصريحة سالفة الذكر في جميع الحالات التي أصبح فيها الوفاء بالالتزام مرهقًا وإن لم يكن مستحيلاً!

وفي هذا تغليب للعدالة على نص العقد الحرفي الجامد!!

وجدير بالمتعاقدين أن يسووا مشاكلهم وديًا على نور هذا النص أفضل من النزاع والتقاضي وأضرارهما ونفقاتهما.

والله ولي التوفيق،

بحث لحضرة الأستاذ / ذكي سعيد البدرمانى المحامي
مجلة المحاماة – العدد الخامس - السنة الثالثة والثلاثون - مصر سنة 1953
 امس - السنة الثالثة والثلاثون - مصر سنة 1953

تعددت الأسماء لحركة 23 يوليه سنة 1952 فمن قائل إنها (انقلاب)، ومن قائل إنها (ثورة) إلى قائل آخر إنها انعدال وأطلق عليها البعض أنها نهضة أو حركة ولكن رجل القانون لا يعنيه تعدد الأسماء بل يهتم بالتكييف القانوني السليم لما حدث يوم 23/ 7/ 1952 حتى يرتب عليه آثاره القانونية العديدة الهامة.

وصواب الآراء أن حركة 23 يوليه سنة 1952 هي (ثورة) بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معانٍ، وكفى دليلاً ناطقًا بذلك إعلان قائدها سقوط دستور سنة 1923 وقيام دستور جديد هو دستور 23 يوليه سنة 1952.
وما القوانين التي أصدرتها وتصدرها حكومة الثورة وفي مقدمتها قانون الإصلاح الزراعي إلا مظاهر وإنتاج لتلك الثورة التي تعتبر قانونًا (حادث طارئ).
أنتج هذا القانون وسينتج انخفاضًا كبيرًا في ثمن الأطيان وإيجار الأطيان وهبوطًا محسوسًا في أثمان المحاصيل الزراعية وارتفاعًا في أجر العامل الزراعي وكل هذا وما شاكله له تأثيراته العظيمة بين الأفراد والجماعات.
وهناك التزامات مرتبة بين الأفراد في ضوء الأوضاع السابقة على ثورة 23 يوليه سنة 1952 وأصبح الوفاء بها كما هي محل إرهاق وسبب خراب للملتزمين فيها فهل في القانون المدني العام ما يخفف وطأة هذا الذي لم يكن للملتزم يد فيه؟؟
وفي مقدمة الأمثلة لذلك حالة من اشترى أطيانًا بالتقسيط على آجال بعيدة بأثمان مرتفعة وفوائد كبيرة فقد انخفض اليوم حاصل الربع حتى أصبح أقل من الفائدة في كثير من الحالات كما انخفض الثمن لأقل من الثلث ولا يمكن تجاهل هذا الانخفاض بل لا يمكن أن نقول إن المشرع لم يتناول هذه الحالة ببيان حكمها وأثرها فالمشرع يعمل للأجيال المقبلة وكل ما قد يحدث فيها من ثورات وأحداث.
نص القانون المدني
ومن حسن الحظ أن الدكتور السنهوري مشرع الجيل الحديث، هو مشرع الثورة المباركة وهو نفسه واضع القانون المدني رقم (131) سنة 1948.
رأى الدكتور السنهوري أن لمحكمة الاستئناف رأيًا في تقرير نظرية الظروف الطارئة خالفتها فيه محكمة النقض، فإذا بمشرعنا العظيم يجد رأي الاستئناف يتفق مع العدالة رغم مساسه بالعقد كما رأى رأي النقض يجافي العدالة ويقدس العقد ونصوصه مهما ظهرت ظالمة نتيجة ظروف طارئة لم يتوقعها المتعاقدان.
احترم السنهوري العدالة وكان محل نقد شديد من الدكتور حامد زكي والأستاذ العرابي ولكن انتصرت العدالة وسلم النص القانوني.
نصت الفقرة الثانية من المادة (147) من القانون المدني على أنه (إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقًا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعًا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك).
انتهز المشرع المصري فرصة وضعه القانون المدني الجديد فاستحدث هذا الحكم البالغ الأهمية باستثناء مبدأ الطوارئ غير المتوقعة من القاعدة التي تحرم على القضاء تعديل العقود.
ويقول المشرع في مذكرته الإيضاحية إنه في إقامته هذا الأساس التشريعي رأى أن (من الحوادث ما يكون شاذًا لا يمكن توقعه وهي وإن كانت لا تؤدي إلى استحالة تنفيذ الالتزام إلا أنها تجعل هذا التنفيذ مرهقًا فادحًا، وفي هذه الحالة يتدخل القاضي لينقص هذا الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، بعد تقدير مصالح المتعاقدين تقديرًا عادلاً).
وها نحن نتولى شرح هذه النظرية وأساسها في المبادئ القانونية العامة كالآتي:
( أ ) حسن النية والعدالة:
نصت المادة (148) مدني جديد على أنه (يجب تنفيذ العقد طبقًا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجهه حسن النية، ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه ولكن يتناول أيضًا ما هو من مستلزماته، وفقًا للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام).
ويجب أن ينفذ العقد وفق ما قصده المتعاقدان وطبقًا لما هدفا إليه من وقت إبرامه ويجب أن يكون ثمة تكافؤ في مركزي كل من المتعاقدين.
(ب) الشرط الضمني عن تغير الظروف:
وعلى ضوء هذا التكافؤ نفهم مقصد قول الشاعر في المادة (150) مدني (أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقًا للعرف الجاري في المعاملات).
ومعنى هذا أن نية المتعاقدين المشتركة تنصرف وقت التعاقد إلى أن العقد ينفذ حسبما اتفقا طالما أن الظروف التي جرى فيها التعاقد لم تتغير أما إذا وقع تغيير في تلك الظروف على نحو يجعل تنفيذ العقد جائزًا بالنسبة لأيهما فإنه يجب إزالة هذا الجور.
ونصت المادة (150) سالفة الذكر يبيح للقاضي تجاوز المعاني الحرفية للألفاظ للبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين وقت التعاقد.
(جـ) إرادة المتعاقدين:
وتقوم هذه النظرية على أساس أن المتعاقدين قد أدخلا وقت التعاقد في حسابهما قدرًا معينًا من الاحتمال العادي عن ارتفاع السعر أو هبوطه بقدر معلوم ولكنهما لم يدخلا الاحتمالات غير العادية كالحرب والزلازل والأزمة الاقتصادية الجارفة والانقلابات السياسية والتشريعات الاستثنائية فما يقع عنها من مساوئ وأضرار إنما يخرج عن نطاق التعاقد ولا يلتزم به المدين الذي لم يرتكب غشًا أو خطأ جسيمًا.
وفي نظرية رفع الغبن إذا استغل أحد المتعاقدين طيشًا بينًا أو هوىً جامحًا في المتعاقد الآخر فجاءت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة فإن المشرع نص في المادة (129) مدني على أن للقاضي أن يبطل العقد أو ينقص من الالتزامات بناءً على طلب المتعاقد المغبون، وعلى هذا فالغبن وهو فقدان التوازن بين الالتزامات المتبادلة غير جائز قانونًا وهذا يتمشى تمامًا مع نظرية الحوادث الطارئة ووجوب رفع الإرهاق وفقط فقدان التوازن يحدث هنا بعد انعقاد العقد وفي حالة الاستغلال يحدث وقت تكوين العقد.
(د) سبب الالتزامات:
ومن المسلم به أنه في العقود المتبادلة يجب أن يكون لكل متعاقد ما يحصل عليه مقابل التزامه ومساوٍ له، ومعنى هذا أن تكون الالتزامات متوازنة.
فلا يصح في عقد المعارضة أن يأخذ المتعاقد بغير أن يعطي.
إن فقدان التوازن الاقتصادي بين الالتزامات كافٍ لاعتبار العقد بغير سبب مما يستدعي بطلانه، ومعنى ذلك أن فقدان التوازن عند تنفيذ العقد نتيجة الحرب أو انخفاض أو ارتفاع الأسعار يجعل التزام أحد المتعاقدين بلا مقابل أي بلا سبب صحيح أي باطل كنص المادة (136) التي تنص على أنه إذا لم يكن للالتزام سبب كان العقد باطلاً.
(هـ) العقد:
ومن الملاحظ أن نظرية الحوادث الطارئة مجال تطبيق العقود المستمرة كعقود العمل والإيجار والشركة والبيع مع تقسيط الثمن على عدة أقساط أي أن يكون تنفيذ الالتزام فيهما مقسطًا.
(و) العدالة:
إن نظرية الطوارئ غير المتوقعة تستجيب لمقتضيات العدالة، إنه لمما تأباه النفوس أن ترى مدينًا يحتمل وحده الناحية المرهقة في الالتزام وأن يبلغ به الأمر إلى إفلاسه وخرابه بينما يكون في ذلك اغتناء دائنه وإن لمن الظلم الفادح أن يترك المدين يقوم بتنفيذ التزاماته على ما هي عليه من هذا الغبن.
(ز) سوء استعمال الحقوق:
إن نظرية الحوادث الطارئة ليست إلا تطبيقًا لمبادئ نظرية سوء استعمال الحقوق وقد نص القانون المدني الجديد في مادته الخامسة على الأحوال التي يكون فيها استعمال الحق غير مشروع فقال (إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها).
إن الدائن الذي يكتسب بالتعاقد حقًا إنما له أن يستعمله في الحيز المتفق عليه فيما يمكن توقعه شرعًا إبان التعاقد، أما إذا اختل التوازن بين التزامات الطرفين اختلالاً يفوق حد المعقول بسبب ما طرأ من حادث لم يكن في مقدور الطاقة البشرية أن تتوقعه أو كان هذا الاختلال قد خرج بالموازنة بين الالتزامات بما يستحيل معه أن تكون أن تكون مثل هذه النتائج هي المرمى الذي هدف إليه المتعاقدان فإنه لا يمكن أن يطاق إصرار الدائن على تنفيذ الالتزام فهذا هو العسف بعينه خاصة إذا كان في قيام المدين بالتزامه خرابه وإفلاسه أو ضياع قدر جسيم من رأس ماله.
من هذا يتضح أن نظرية الحوادث الطارئة مؤسسة على القواعد العامة في الالتزامات الأمر الذي حدا ببعض المحاكم أن تصدر أحكامها طبقًا لهذه النظرية قبل أن يقررها نص صريح في القانون المدني الجديد، ومما تجب ملاحظته أن تطبيق هذه النظرية من النظام العام ولهذا نص المشرع صراحة على أنه لا يجوز الاتفاق على التنازل مقدمًا عن الحماية التي فرضها المشرع في هذا النص ولا على ما يخالفه (147 مدني).
شروط تطبيق هذه النظرية
مجال تطبيق نظرية الحوادث الطارئة هو العقود المستمرة أو الفورية المؤجلة كعقود التوريد وعقود المقاولات وعقود البيع المقسط الثمن فيها على سنوات وإن كان قد نص على تطبيق هذه النظرية في عقد المقاولة بالمادة (658) مدني ونصها كالآتي:
(على أنه إذا انهار التوازن الاقتصادي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول بسبب حوادث استثنائية عامة لم تكن في الحسبان وقت التعاقد وتداعي بذلك الأساس الذي قام عليه التقدير المالي لعقد المقاولة جاز للقاضي أن يحكم بزيادة الأجر أو يفسخ العقد).
ومثل هذا ما نصت عليه المادة (668) و (673) مدني عند كلامهما على التزامات المرافق العامة.
ومن المفروض أن يتعاون المدين على تنفيذ العقد حتى يمكنه الانتفاع بنظرية الحوادث الطارئة.
وهاك شرح الحادث الطارئ وماهية عدم التوقع والالتزام المرهق وكيفية رده إلى الحد المعقول حتى توضح شروط تطبيق النظرية وأثره:
1 - الحادث الطارئ:
يجب أن لا يكون لإرادة المتعاقد دخل في الحادث أو في طرفيه كما أن خطأ المدين لا يمكن أن يكون محلاً للتمسك بما تخوله نظرية الحوادث الطارئة.
وقد حكم بأن مما يتجافى مع العدالة ويتناقض مع قصد المتعاقدين الواضح أن يلتزم البائع حسن النية باستقضاء سلع بأثمان باهظة جدًا بسبب ما حل من الاستيلاء على مثلها من سلطة ليس في الطوق إلا الإذعان لها.
2 - ماهية عدم التوقع:
عندما يشترط في الحادث من أن يكون غير متوقع هو أهم ما تمتاز به هذه النظرية التي استعارت اسمها منه فعدم التوقع هو أساسها.
وعدم التوقع يرتبط بندرة وقوع الحادث أو كثرة وقوعه فإن كان كثير الوقوع كان غير متوقع والعكس بالعكس.
وليس عدم التوقع يعني عدم الحدوث من قبل فالحرب والثورة والأزمة الاقتصادية والإضراب قد وقعت من قبل ولكن هذا ليس معناه أنه يجب توقعها فالبحث يجب أن يكون من الناحية الشخصية وأن معيار ضابط المعقولية أنه ما لا يستطيع توقعه المدين العادي.
إن المشرع المصري حدد الحادث غير المتوقع بوضع ضابط للتوجيه وهذا الضابط هو (إن اقتضت العدالة ذلك) كما قيد الحادثة بأن تكون استثنائية وعامة ولم يكن في الوسع توقفها ومعنى ذلك أنه يجب الالتجاء إلى المعيار الشخصي كما يقرر أن يكون الحادث شاذًا وغير عادي ويقصد بكلمة عامة أن يكون القياس فيها بالمعيار الموضوعي وذلك بمراعاة الظروف العامة والخارجية التي لا تختص بشخصية المدين ولا ظروفه الداخلية أو الخاصة به كالمرض أو نقصان الأهلية.
3 - الالتزام المرهق:
إن أهم ما يميز نظرية الحوادث الطارئة عن القوة القاهرة، هو أنه يشترط في القوة القاهرة أن يؤدي الأمر المفاجئ إلى استحالة الوفاء بالتعهد كلية، بينما يكتفي في الظروف الطارئة أن يخل بالتوازن الاقتصادي للعقد إلى حد يصير معه تنفيذ الالتزام مرهقًا إرهاقًا يهدد المدين بخسارة فادحة.
ومن المسلم به أن الأمر في ذلك متروك لتقدير القاضي بحسب ظروف كل نزاع مطروح عليه وحالة كل مدين الخاصة به وإذا كان تنفيذ الالتزام التعاقدي يهدده بخسارة فادحة من عدمه ولهذا فسلطة قاضي الموضوع في ذلك سلطة واسعة.
أثر تطبيق النظرية
نصت الفقرة الثانية من المادة (147) مدني صراحة على هذا الأثر فخولت القاضي (تبعًا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول).
معنى هذا أن القاضي عليه أن يقدر مصالح المتعاقدين تقديرًا عادلاً لينزل بالالتزام إلى الحد المعقول في سبيل رفع الحيف عن كاهل المدين.
تطبيق النظرية على عقود البيع المؤجلة
من المسلم به أن عقود البيع مؤجلة التنفيذ محل لتطبيق هذه النظرية حيث إنه إذا حصل اضطراب دولي أحدث شللاً في التبادل الزراعي أو حدثت ثورة كان من شأنها إيجاد ظروف تخفض أو ترفع الأسعار إلى درجة كبيرة ترهق الملتزم بالوفاء وجب الاستعانة بهذه النظرية.
وبما أن الأركان الثلاثة سابقة الذكر موفورة في حالتنا حيث إن الحادث الطارئ هو الثورة والانقلاب الحالي وحركة الجيش المباركة وليس للمشترين دخل في هذا الحادث ولم يكن هذا الحادث محتمل الوقوع بل هو الحادث الأول من نوعه منذ عهد الفراعنة إلى اليوم حيث إنه ثورة ضد الإقطاع أي ضد أصحاب الأراضي الكثيرة ومنهم طبقة الحكام سواء الملك أو الأمراء أو كبار الموظفين وكبار الملاك.
هذا هو الحادث الطارئ وقد نتجت عنه قوانين إصلاحية اجتماعية جرت إلى جعل الوفاء بالأقساط أي بالثمن المؤجل مرهقًا إن لم يكن مستحيلاً والاستحالة الآتية عن طريق أن صافي إيجار الفدان في السنة أصبح أقل من فائدة المؤجل من الثمن في السنة وعلى ذلك فلا وفاءً بل بالتأخير تزيد الفائدة وتستحق الأقساط المؤجلة.
هذا عن الحادث الطارئ وعن عدم التوقع وعن الالتزام المرهق وهي الأركان الجوهرية لتطبيق النظرية، ولا يمكن أن يجادل إنسان في أن الثورة والحركة المباركة والانقلاب تكون حوادث طارئة استثنائية وعامة أي لم تكن متوقعة أو في الحسبان وأنها استثنائية وأنها ذات تأثير عام شمل القطر بأجمعه، وليس أقطع في انطباق هذه النظرية على حالتنا مما هو واضح في محضر الجلسة (67) من مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني.
بدأت اللجنة بسماع ملاحظات الدكتور حامد زكي فاعترض على المادة (147) وهي الخاصة بتطبيق نظرية الطوارئ على العقود قائلاً: (حيث لا يكون هناك توافق إرادتين يجب ألا يكملها القاضي إلا عن طريق تفسير نية المتعاقدين، وإلا اعتبر أنه خرج عن حدود وظيفته (وقد أيده الرئيس قائلاً إن هذا النص سيثير مشاكل ومنازعات مما يهدد المعاملات لأن أقل حادث سياسي قد يترتب عليه تارة رفع الأسعار وأخرى انهيارها، لذلك يحسن عدم الأخذ بهذا النص وأن يترك تقدير ذلك للقاضي.
وقد وجه الأستاذ العشماوي النظر إلى أن القاضي يحكم طبقًا لقواعد العدالة عندما لا يجد نصًا في العقد وهو في هذا يعمل في حدود وظيفته فكيف يقال إنه إذا أكمل العقد عن طريق تلك القواعد - يخرج عن حدود وظيفته.
ثم جاء قرار اللجنة النهائي وقرار المجلس الموافقة على المادة كما عدلتها اللجنة.
ولهذا واضح أن المشرع صرح بأن كل حادث سياسي يجر إلى انهيار أو ارتفاع الأسعار يعطي للفقرة الثانية من المادة (147) مدني محلاً للتطبيق.
وإزاء توفر هذه الأركان وجب إزالة الظلم ورد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، وذلك بتطبيق نظرية الظروف الطارئة وإعطائها آثارها وديًا أو قضائيًا بموجب النصوص الصريحة سالفة الذكر في جميع الحالات التي أصبح فيها الوفاء بالالتزام مرهقًا وإن لم يكن مستحيلاً!
وفي هذا تغليب للعدالة على نص العقد الحرفي الجامد!!
وجدير بالمتعاقدين أن يسووا مشاكلهم وديًا على نور هذا النص أفضل من النزاع والتقاضي وأضرارهما ونفقاتهما.
والله ولي التوفيق،

بحث لحضرة الأستاذ / ذكي سعيد البدرمانى المحامي

مجلة المحاماة – العدد الخامس - السنة الثالثة والثلاثون - مصر سنة 1953

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق