الجمعة، 4 ديسمبر 2015

كيف تحمى الديمقراطية نفسها من نفسها ؟

كيف تحمى الديمقراطية نفسها من نفسها ؟
دراسة في نظرية الديمقراطية المُحصّنة
The Doctrine of Fortified Democracy
بقلم  المستشار / محمود فوزي عبد الباري عصر
المستشار بمجلس الدولة
منشور بمجلة الدستورية - العدد الرابع والعشرون – السنة الحادية عشر – أكتوبر2013

تمهيـــد

-       انتشرت فى الآونة الأخيرة العديد من المحاولات لصك وترويج مبدأ دستوري سياسي جديد، وهو حق الناخبين في أن يكونوا على خطأ، وانه  من حق الشعب أن يتبني نظامًا "معيبًا" ، لأنه صاحب السلطة وقد اختار من يمثله.
-       هذا بالفعل ما قاله بعض الفقهاء الدستورين !! ولا اعلم على وجه اليقين ان كان المقتنعون بهذه المقولة والمروجون لها يدركون أبعادها، الى اي مكان سحيق من الممكن ان تقذف بهم وبنا ، فهذا القول يمكن ان يهدم الدولة ويؤدي الى انهيارها طالما ان من حق الناخبين ان يقرروا ما يريدون حتى لو كان خطأ ، بل إن هذه المقولة من الممكن ان تقوض وتهدم اي شيئ آخر أيا كان.
-       وبمناسبة وضع دستور جديد للبلاد نأمل أن يلبى طموحات الشعب ويحقق أهداف ثورته المجيدة ، تولدت فكرة هذه الدراسة القانونية، والتي لم تمنعنا محاولة اختصارها - قدر الإمكان - من التعرض لبعض الأحداث التاريخية  التي نرى لزوم عرضها لحسن بيان الفكرة وفهمها على الوجه الصحيح.
-       و تركز هذه الدراسة القانونية بشكل أساسي على التجربة الالمانية التي أفرزت ما يمكن تسميته بنظرية الديمقراطية المحصنة Doctrine of Fortified Democracy، كما تركز من وجه آخر على حيثيات الحكم الصادر من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بحل حزب الرفاة التركي. وتخلص في نهاية الدراسة إلى بعض النتائج والافكار.
أولا:- نظرية الديمقراطية المحصنة (1)Fortified Democracy
التجربة الألمانية:
-       البيّن من البحث أن معظم المقالات المكتوبة عن هذه النظرية وضعت باللغة الالمانية ، والقليل جداً منها وضع باللغة الانجليزية، وهذا مفهوم نظرا لما تعرضت له ألمانيا من ويلات وكوارث بسبب أفكار الحزب النازي الالماني.
-       وظهر مصطلح الديمقراطية المحصنة (بالألمانية Streitbare Demokratie أو Wehrhafte ) لأول مرة في عام 1937 في مقالين كتبهما الكاتب والفيلسوف الالماني كارل ليونشتين Karl Loewenstein في مجلة العلوم الساسية الأمريكية(2) بعد انهيار النظام الدستوري الالماني في عام 1937 ، وانتهاء جمهورية فايمار 1919-1933(3)
-       ومؤدى هذه النظرية، وبايجاز، انه يتعين اتخاذ بعض الاجراءات والتدابير الدستورية الوقائية التي من شانها ان تمنع كل من يرغب في تهديد النظام الدستوري والمؤسسات الديمقراطية ومبادئها الاساسية حتى وان كان ذلك باستخدام الحقوق والادوات المكفولة دستوريا ، وذلك باعطاء سلطات الدولة صلاحية حماية النظام الديمقراطي الليبرالي liberal democratic order بالوسائل والاجراءات المنصوص عليها فيه.
-       وترسخ هذه النظرية لتفرقة واضحة بين مفهوم الدولة و مفهوم النظام الحاكم ، وانه يجب أن تكون الدولة ومقوماتها الاساسية أكبر من أي حزب يحصل على السلطة باغلبية برلمانية ويريد احداث تغييرات تمس المبادئ الاساسية في الدستور مستغلا تواجده في السلطة.
-       ومن خلال هذه النظرية استعرض الكاتب ضعف وهشاشة الدستور الالماني الصادر عام  1919في مقاومة الحركات غير الديمقراطية Anti-Democratic movements التي تستخدم آليات الديمقراطية للوصول للسلطة عن طريق صناديق الانتخاب ، ثم لا تلبث الا وان تنقلب عليها (4).
-       وهو ما حدث مع اودولف هتلر ، المستشار الالماني الذي وصل الى السلطة عبر صناديق الانتخاب، على انقاض جمهورية فايمار ، مدغدغا مشاعر الالمان ، ومنتهزا شعورهم العميق بالظلم من جراء الشروط المجحفة التي فرضت عليهم بعد هزيمتهم في أعقاب الحرب العالمية الاولى والاثار الاقتصادية التي حاقت بألمانيا من توابع الكساد العالمي الكبير(5) ، وهو ما جعل المؤرخين يصفون جمهورية فايمار بانها (نموذج كلاسيكي للديمقراطية الفاشلة).
-       وفي عام 1933 قام هتلر باصدار قانون من أربع مواد عرف باسم قانون التمكين Enabling Act، (والاسم الرسمي للقانون هو قانون معالجة التوتر بين الدولة والشعب) Law to Remedy the Distress of the People and the State(6)6
-       أعطي هذا القانون للحكومة الحق مؤقتا في اصدار تشريعات وإبرام اتفاقيات دولية دون الرجوع للبرلمان ودون الحاجة للعرض على الرئيس (سلطة اصدار القوانين)(7) ودون تحديد لموضوعات تلك القوانين أو الاتفاقيات، وان القوانين التي تصدر بموجب هذا القانون لا يجوز التعرض لها أو الغائها أو الطعن امام القضاء بما يجعلها محصنة من اي طعن أو نقد.(8)
-       وبمناسبة كل هذه الأحداث التاريخية ، وهزيمة ألمانيا مرتين في حربين عالميّتين احرقت الاخضر واليابس، فقد وضع المفكرون الالمان ايديهم على ثغرات الديمقراطية ومواطن الضعف فيها ، ووضعوا معضلاتها جميعا نصب أعينهم ، وواجهوا نقاط الضعف بتدابير واجراءات ضمّنوها الدستور الالماني Basic Law الصادر عام 1949 ، وسيشار الى هذه التدابير بالتفصيل فيما يلي.
-       لقد اجتمع الشعب الألماني على كلمة واحدة، باقرارهم الدستور الألماني عام 1949 كما سبقت الاشارة، وتوحدوا في ضرورة نبذ الأفكار التي نادى بها الحزب الناري وغيره من الحركات الفاشية المتطرفة والتي سببت كارثة انسانية ليس لالمانيا فقط، بل للعالم كله، ولم تجن المانيا من ورائها الا الخراب والدمار ودفع التعويضات.
-       تم تطبيق هذه النظرية من خلال تبني وضع عدة مواد، وُزّعت على الدستور لحماية  ما يسمى بالنظام الدستوري الديمقراطي الحرfree democratic basic order لمعالجة القطاعات الهامة في المجتمع التي تكون هدفا لاي حركة فاشية ، ويستطيع أعداء الديمقراطية من خلالها الانقضاض عليها باستخدام أدوات الديمقراطية ذاتها .
-       وهذه القطاعات هى التعليم ، ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي (الجمعيات والنقابات) والأحزاب السياسية وغيرها من أشكال التجمعات والتنظيمات البشرية. وهذه المواد موجهة في الاساس لمتطرفي السياسة (سواء كانوا من اليمين أو اليسار) بعد أن اثبتت التجربة العملية ان معظم هذه الحركات تمارس انشطتها في سرية وتحت الأرض ، وانها تظهر ما لا تبطن، وتُخفي أكثر مما تُظهر.
بنود النظرية :
ويمكن أجمال بنود نظرية الديمقراطية المحصنة في النقاط الآتية:-
1.     ان تكون بعض مواد الدستور غير قابلة للتعديل الا بسقوط الدستور ذاته.
2.     حظر التنظيمات الاجتماعية و السياسية المناهضة للدستور قولا أو عملا.
3.     سقوط بعض الحقوق والحريات إذا أسيئ استخدامها ضد النظام الدستوري ونظام الدولة.
4.     التزام جميع الموظفين العمومين بالولاء  للدولة ولنظامها الدستوري.
5.     تجريم ارتكاب بعض الجرائم ضد وجود الدولة أو ضد الدستور.
6.     كفالة الحق في المقاومة المشروعة لكل من يعمل على تقويض الدستور أو نظام الدولة.
اولا:- بعض مواد الدستور غير قابلة للتعديل الا بسقوط الدستور.
قرّر الدستور الألماني أن تكون بعض مواده غير قابلة للتعديل نهائيا، ولا يمكن تغييرها الا بسقوط الدستور، (وهو ما عبرت عنه بعض الكتابات الفقهية بانها مبادئ فوق دستوريةSupra-Constitutional ) وهذه المواد تتميز بأن عددها قليل، ولا يمكن الاختلاف عليها وهذا ما يضمن لها عمرا طويلا وقبولا مجتمعيا، وهي تتعلق أساساً بوحدة الدولة وتماسك الاتحاد الألماني وبالحريات الاساسية المنصوص عليها في المادتين 1 ،20 من الدستور الالماني الصادر عام 1949.
وليس المقصود من جعل هذه النصوص غير قابلة للتعديل إلا بسقوط الدستور، ان تكون هذه النصوص نصوصا أبدية أو مقدسة، أو انها تتضمن مصادرة على حقوق الأجيال القادمة أو أن تفرض عليهم امراً معينا، فذلك كله غير صحيح، فالشعب هو مصدر السلطات ، وهو الذي يمنح لنفسه دستوره، ولكن الدستور الألماني أراد أن يضع اهتماما خاصاً حول الاقتراب من هذه المواد، ويجعل آليات تعديلها أصعب من غيرها لأنها مواد أساسية لا يتصور تعديلها إلا لحدوث أمر جلل.
فتنص المادة 79/3 من الدستور الالماني على انه : "لا يجوز تعديل هذا الدستور على نحو يكون من شأنه ان يمس تجزئة الاتحاد الى ولايات احادية أو مشاركة الولايات من حيث المبدأ في عملية التشريع بشكل فعال، أو بشكل يمس القواعد الاساسية الواردة في المادتين 1 و 20"(9).
والمادة  1 من الدستور الالماني جاءت بعنوان : كرامة الإنسان والتزام سلطة الدولة بالحقوق الأساسية ، وتنص على أن:-
1.     كرامة الإنسان غير قابلة للمساس بها. فاحترامها وحمايتها يمثلان واجباً إلزامياً على جميع سلطات الدولة.
2.  يؤمن الشعب الألماني بعدم المساس والإخلال بحقوق الإنسان كقاعدة أساسية للتعايش ضمن أي مجموعة بشرية، وللسلام والعدالة في العالم.
3.     تلتزم السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بالحقوق الأساسية الآتية باعتبارها تشريعاً مباشراً ونافذاً
وتنص المادة 20 على ان:-
1.  الشعب هو مصدر جميع السلطات. ويمارس الشعب سلطته من خلال الانتخابات والتصويت ، ومن خلال أجهزة خاصة بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية
2.     ترتبط وتلتزم السلطة التشريعية بالنظام الدستوري، بينما ترتبط وتلتزم السلطة التنفيذية والسلطة القضائية بالقانون والشرعية.
3.  لكافة المواطنين الالمان الحق في مقاومة اي شخص يعتزم ان يقوم بازالة هذا النظام الدستوري اذا تعذر عليهم ذلك بوسائل أخرى.
ثانيا:- حظر التنظيمات الاجتماعية و السياسية المناهضة للدستور قولا أو عملا
حرية التجمع السلمي وحرية التعبير مكفولة طبقا للدستور الالماني ، لكن ترد عليها بعض القيود مثل عدم مخالفة القوانين العقابية، وعدم المساس للنظام الدستوري وبفكرة التفاهم بين الشعوب، وجعل الدستور الالماني من المحكمة الدستورية الحارسة والضامنة على تحقق ذلك ، واعطيت لها من الوسائل القانونية ما يكفل حماية تلك المفاهيم ورد الاعتداء الواقع عليها.
فتنص المادة 9 من الدستور الالماني على ان:-
1.     لجميع الألمان الحق في تشكيل جمعيات أو روابط .
2.  يتم حظر الجمعيات التي تتعارض أهدافها أو أفعالها مع أحكام القوانين الجزائية أو تتخذ موقفاً مضاداً للنظام الدستوري أو مضاداً لفكر التفاهم بين الشعوب.
كما تنص المادة 21 منه على ان:-
تعتبر الأحزاب التي تسعى، من خلال أهدافها أو من خلال تصرفات أتباعها ، إلى المساس بالنظام الأساسي الديموقراطي الحر أو إزالته أو تهديد كيان جمهورية ألمانيا الاتحادية؛ مخالفة للدستور، ويكون للمحكمة الدستورية الفصل في المخالفة الدستورية وتحديد مداها.
ثالثا:- سقوط بعض الحقوق والحريات إذا أسيئ استخدامها ضد النظام الدستوري
قرر الدستور الالماني صراحة بان التعسف واساءة استخدام بعض انواع الحقوق المكفولة بموجب الدستور ، أوتوجيها ضد الدستور ونظام الدولة يؤدي الى سقوط تلك الحقوق بقوة الدستور ذاته(10) ، فجاءت المادة 18 بعنوان [سقوط الحقوق الأساسية]
وتنص على أن :-
كل من يسىء استعمال حرية التعبير عن الرأي، وخاصةً حرية الصحافة (مادة 5 فقرة1)، حرية التعليم (مادة 5 فقرة 3)، حرية التجمع (مادة 8)، حرية تكوين الجمعيات (مادة 9)، سرية الرسائل والبريد والاتصالات الهاتفية (مادة 10)، حق الملكية (مادة 14) أو حق اللجوء السياسي (مادة 16 أ)، كل من يسيء استعمالها للكفاح ضد النظام الديمقراطي الأساسي الحر يسقط عنه التمتع بهذه الحقوق الأساسية. هنا تقع صلاحية الحكم بإسقاط الحقوق ومدى إسقاطها بيد المحكمة الدستورية الاتحادية.
رابعا:- التزام  جميع الموظفين العمومين بالولاء  للدولة ولنظامها الدستوري
فقد تضمنت المادة 5/3 النص على ان : الفن والعلم والبحث والتعليم كل منها حر، حرية التعليم لا تعفي من الولاء للدستور.
وتضمنت المادة 33/5 النص على ان : يتم تنظيم قوانين الخدمة العامة بحيث يتم اخذ القواعد الأساسية لوظائف الاحتراف الحكومية بعين الاعتبار.
وقد بينت القوانين والتشريعات الالمانية ضرورة قيام جميع الموظفين العموميين والمكلفين بخدمة عامة أداء قسم الولاء للدستور قبل تولي مهام وظائفهم.
خامسا:- تجريم ارتكاب جرائم ضد وجود الدولة أو ضد الدستور:
وفي ذلك ينص الدستور الالماني في المادة (2) بعنوان (الحرية العامة في التصرف، الحرية الشخصية والحق في الحياة) على ان:-
1.  لكل فرد الحق في حرية بلورة شخصيته، طالما أنه لا يمس بحقوق الآخرين ولا يخل بالأنظمة الدستورية أو ينتهك قوانين التقاليد والأعراف.
2.  لكل شخص الحق في العيش وعدم التعرض للإيذاء الجسدي. حرية الفرد غير قابلة للمساس بها. ولا يجوز التدخل في هذه الحقوق إلا بموجب القانون.
سادسا:- الحق في المقاومة المشروعة لكل من يعمل على تقويض الدستور:
وضع الدستور الألماني ضمانة هامة للمواطنين في المادة 20 منه نادرا ما توجد في دستور آخر، فجعلهم مسئولين في الفقرة الاخيرة من هذه المادة عن حماية أنفسهم ضد الدكتاتورية أو أى ظاهرة إجتماعية أو سياسية تتعارض مع المبادىء التى وردت فى الفقرات الثلاثة الأولى من المادة المشار اليها.
وتنص المادة 20 على ان:-
1.  الشعب هو مصدر جميع السلطات. ويمارس الشعب سلطته من خلال الانتخابات والتصويت ، ومن خلال أجهزة خاصة بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية
2.  ترتبط وتلتزم السلطة التشريعية بالنظام الدستوري ، بينما ترتبط وتلتزم السلطة التنفيذية والسلطة القضائية بالقانون والشرعية.
3.  لكافة المواطنين الالمان الحق في مقاومة اي شخص يعتزم ان يقوم بازالة هذا النظام الدستوري اذا تعذر عليهم ذلك بوسائل أخرى.
-       ويقصد بالفقرة الاخيرة من المادة 20 الاستباق وقطع الطريق على أى جهة أو أى نظام أو أى شخص بعبارة "كل من"يحاول في المستقبل تقويض أركان النظام المبين فى الفقرات الثلاثة الاولى لاسيما الحركات الفاشية التي تهدف إلى ذلك مستخدمة الشعارات القومية ونحوها.
-       وتجيز هذه الفقرة لكل مواطن ألماني الحق فى مقاومة هذا التقويض، بشرط عدم إمكانية اللجوء للوسائل الأخرى. أى أن اية حكومة منتخبة ديمقراطيا لا يحق لها إتخاذ تدابير أو إجراءات من شأنها تغيير الأساس الدستورى والقانونى للبلاد والمنصوص عليه فى الفقرات الثلاثة الأولى، أى الإلتزام بالديموقراطية والفيدرالية والتكافل الإجتماعى والإنتخاب والإقتراع واحترام قواعد الدستور، وفى حالة قيام الحكومة بمخالفة ذلك  – رغم أنها حكومة منتخبة وشرعية – تصبح مقاومتها من جانب الالمان هى أيضا عمل شرعى دستورى ، أى أن الدستور الالماني أخرج أعمال مقاومة سلطة تلك الحكومة فى هذه الحالة من نطاق قانون العقوبات.
-       ويذكر أن الحكمة من وضع هذه المادة فى الدستور الالماني ، كما يقول بعض الكتّاب، هو الوقاية من عودة شبح النازية إلى ألمانيا عقب كل ما تسببت فيه هذه الحركة من أضرار للبلاد خلال 12 عاما فقط تولت فيها مقاليد الحكم. بعد ان حصلت من البرلمان على تمكين لإصدار تشريعات دون الرجوع للبرلمان ودون الإلتزام بأحكام الدستورعلى نحو ما سبقت الاشارة اليه.
-       ويشير الكتّاب أيضا الى ان كل من يقيم في ألمانيا يعرف جيدا أن من يبادر باستعمال القوة فى أى نزاع يفقد كل حقوقه ويتحول فورا إلى مجرم حتى ولو كان هو صاحب الحق وذا قضية عادلة. فاستعمال القوة الذاتية ممنوع إلا فقط فى أحوال الدفاع المشروع عن النفس، وبشرط صد الهجوم فقط وليس ممارسة الهجوم المضاد ، وبشرط التناسب بين قدر القوة المستعملة فى الهجوم وقدر القوة المستعملة فى الدفاع.
-       وجدير بالذكر أن العديد من الدول قد طبقت بالفعل هذه النظرية، وضمنتها دساتيرها مثل النمسا وأسبانيا وتشيلي وايطاليا واليابان وغيرها ، ولا يتسع المقام لذكر تفاصيل هذه التجارب لكن جوهرها واحد ، يكفي فقط الإشارة أن الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الانسان المطبقة على جميع الدول الأوروبية تضمنت حظرا صريحا لإساءة استعمال الحقوق ، فتنص في المادة 17 منها على ان: "ليس في هذه الاتفاقية ما يمكن تفسيره ضمنا انه يعطي الحق لاية دولة أو جماعة أو شخص اي حق ان ينخرط في اي نشاط أو ان يقوم باي عمل يهدف تقويض اي من الحقوق والحريات المنصوص عليها في الاتفاقية أوفي تقييدها بحد أكبر مما هو منصوص عليه في الاتفاقية"(11) وهذه هي ذات فكرة الديمقراطية المحصنة بعدم استخدام الحقوق التي تكفل الديمقراطية التمتع بها لهدم الديمقراطية ذاتها.
وفي نهاية عرض بنود هذه النظرية التي سبقت بها ألمانيا الدول الاخرى نظرا لقسوة التجربة التاريخية التي مرت بها ونقلتها عنها كثير من الدول مستفيدة من العبر والعظات المستخلصة منها(12) ، فان صعوبة تطبيقها من الناحية العملية تكمن في كيفية تحقيق التوازن الحقيقي والحياد الصادق بين تحقيق متطلبات هذه النظرية والوفاء بها ، وبين عدم الانحراف بتطبيقها بما يقوض دعائم الديمقراطية ذاتها بأن يستخدمها الجالس على كرسي السلطة في حظر المنافسين السياسيّن له ، وهنا لا يكون ثمة ضامن لذلك اكثر من وجود قضاء مستقل تناط به حماية الديمقراطية من اعدائها ويُمكّن من ذلك بالوسائل القانوية اللازمة، تحت مظلة  من إعلام صادق ، ورأي عام يقظ.
ثانيا:- الحكم الصادر من المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان
في شأن حل حزب الرفاة التركي.
-       من المحطات الهامة جدا في تاريخ الأحزاب السياسية، والتي لم تَحظ بنصيب كاف من الدراسة القانونية في منطقتنا العربية الحكم الصادر من المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان  في 13/2/2003 في الدعوى المقامة من حزب الرفاة التركي بقيادة نجم الدين اربكان وآخرين ضد الدولة التركية بسبب قرار المحكمة الدستورية التركية بحل حزب الرفاة وهو ما سنحاول التعرض له بشيئ من التفصيل(13).
أ‌-       نجم الدين أربكان أمام المحكمة الدستورية التركية عام 2008:
-       حاصل الوقائع يتحصل في أن المحكمة الدستورية العليا التركية أصدرت عام 1998 (بأغلبية 9 قضاة من أصل 11) حكمها بحل حزب الرفاة التركي لاخلاله بالتزاماته الدستورية المفروضة على الأحزاب السياسية، ولكونه أصبح مركزا لممارسة الانشطة المناهضة لمبدأ علمانية الدولة المنصوص عليه في الدستور التركي(14).a centre of activities contrary to the principle of secularism”.
-       استندت المحكمة الدستورية التركية في إصدار حكمها، على نحو ما هو ثابت من حكم المحكمة الأوروبية محل الاستعراض، الى ان العديد من اعضاء حزب الرفاة وقادته ممن هم في مناصب تنفيذية أصدروا عدة بيانات وخطب وأحاديث وأفعال علنية يدعون فيها الى استبدال نظام ديني بالنظام العلماني، ودعوا إلى إزالة خصومهم ولو باستخدام القوة، كما دعوا إلى تحقيق أهداف سياسية باستخدام القوة والعنف، وعرضت المحكمة نماذج كثيرة تفصيلية لهذه الخطب والتصريحات والأفعال لا يتسع المقام لذكرها جميعا (ذكرت المحكمة حوالي ثلاثة عشر تصريحا وموقفا مختلفا وتاريخ حدوث كل منها)، لكن نذكر بعضا مما أثبتته المحكمة:
1.  قيام السيد نجم الدين أربكان Necmettin Erbakan رئيس الحزب ورئيس مجلس الوزراء، باستقبال مجموعة من قادة الحركات الدينية المعروفة بتطرفها في أحد المقرات الرسمية لرئيس الوزراء بملابسهم الاسلامية ، يثبت دون شك دعم المسئول الاول في البلاد علانية لتلك الحركات الدينية.
2.  قيام السيد/ ابراهيم خليل سيليك ?brahim Halil Celik القيادي في حزب الرفاة وعضو البرلمان التركي في مايو 2007 بالتصريح لبعض الصحيفين في أحد أروقة البرلمان من أن (الدماء ستسيل إذا تمت محاولة غلق كلية "الامام الخطيب"وحزب الرفاة في السلطة، محذرا أن الوضع قد يصل لأسوأ من الوضع في الجزائر، وتساءل كيف للجيش التركي ان يواجه ستة ملايين مسلم على استعداد لبذل دمائهم) .
3.  قيام السيد/ شوكت قازان ?evket Kazan وزير العدل التركي (ونائب رئيس حزب الرفاة في ذلك الوقت) بزيارة لاحد المحبوسين احتياطيا على ذمة اتهام بممارسة أنشطة لمحاربة العلمانية في محبسه، وأنه بذلك يكون قد تم الافصاح علانية عن مساندة متهم في تهمة كهذه من مسئول رسمي يشغل منصبا عاليا في الحزب،ولم يكتف الحزب بذلك فحسب، بل قام بترشيح ذلك المتهم في الانتخابات المحلية رغم معاداته الواضحة للعلمانية، ثم تم انتخابه كمحافظ لاحدى المحافظات ، واخيرا انتخب عضوا في البرلمان عن الحزب.
4.  إدلاء السيد/ سوكرو قراطيب ?ükrü Karatepe عمدة محافظة قيصري Kayseri المنتمي لحزب الرفاة بخطاب علني يدعو فيه المواطنين الموالين له الى مناهضة العلمانية، وطلب العمدة من مستمعيه ان يبقوا على كراهيتهم مستمرة keep their hatred alive الى حين تغيير النظام واقامة نظام مبني على اساس الشريعة الاسلامية، وقد أدين المذكور وحكم عليه جنائيا بتهمة التحريض على الكراهية على أساس الدين.
-       وأنه رغم هذه التصريحات تناهض المبادئ الواردة في دستور البلاد على نحو واضح؛ فإن حزب الرفاة لم يقم باتخاذ أي إجراءات إدارية أو تأديبية تجاه هؤلاء الأعضاء على ما فعلوه أو قالوه بما يُفهم منه اعتراضه كحزب على هذه التوجهات.
-       دافع أعضاء حزب الرفاة عن أنفسهم أمام المحكمة الدستورية العليا التركية(15) ، بأن:هذه التصريحات لا تشكل في حد ذاتها جريمة جنائية، وأنها مقتطعة من سياقها، وانه لا يمكن حساب من صدرت منهم لتمتعهم بالحصانة البرلمانية، وأوضحوا غموض مصطلح (الدولة العلمانية) وعدم تحديد معناه، وان (العلمانية) تتضمن في جوهرها احترام جميع المعتقدات، وان الجهة الادارية لم تقم بتوجيه أي تحذيرات للحزب في شأن هذه التصريحات أو الافعال حتى يمكن اتخاذ الاجراء المناسب ضد من صدرت منهم، وأن أول اتصال للحزب  بهذه المسألة كان بإيداع طلب الحل أمام المحكمة الدستورية، وقام الحزب بعدها بفصل بعض من خالف مبادئ الدستور التركي.
-       صدر حكم المحكمة الدستورية التركية بتاريخ 9/1/1998 بحل حزب الرفاة، ومصادرة أموالة وأيولتها إلى الخزانة العامة التركية، وقامت بإسقاط عضوية البرلمان عن  ستة من قادة الحزب من بينهم نجم الدين اربكان ، واعتبرتهم المحكمة مسئولين عن حل الحزب، ومنعتهم من مباشرة حقوقهم السياسية في تأسيس أو الاشتراك في الأحزاب السياسية أو تولى منصب قيادي أو رقابي في أي حزب سياسي آخر لمدة خمس سنوات
-       واستندت المحكمة في حيثياتها الى أنه: لا وجه للتذرع بالحصانة البرلمانية في القضية المعروضة، لأن الحصانة البرلمانية لا تثار إلا عند الحديث عن المسئولية الجنائية لاعضاء البرلمان، وليس ضد المسائل الدستورية ومنها حل الحزب لمخالفته الدستور.
-       كما بيّنت المحكمة أن مبدأ (علمانية الدولة) يعني ألا تُظهر الدولة أو أي من أجهزتها أو الوحدات التابعة لها أي تفضيل لديانة أو معتقد ما دون آخر، بما يحمل تمييزا بين المواطنين ، وهو ما يضمن تطبيق مبدأ أن المواطنين لدى القانون سواء.
-       وأوضحت المحكمة أن التصريحات العلنية لقادة الحزب وأعضائه البارزين تجعل الحزب مسئولا عنها، وأن عدم اتخاذ أيه إجراءات عقابية ضدهم قبل طلب حل الحزب يجعل من الحزب موافقا على هذه التصريحات.
-       وأن فصل بعض الأعضاء من حزب الرفاة بعد إيداع طلب حل الحزب بأكثر من شهر لم يكن إلا توقّيا لصدور قرار بحل الحزب، ولا يعبر عن مناهضة حقيقية لتوجه الأعضاء المفصولين وتصريحاتهم المخالفة للدستور.
-       وإذ انتهت المحكمة الى النتيجة المشار اليها، فقد كتب إثنان من قضاتها(16) رأيا مخالفاDissenting Opinion، ذكرا فيه أن الأحزاب السياسية التي لاتساند استخدام العنف يتعين أن يكون لها مكان للمشاركة في الحياة السياسية، وأنه في النظم الديمقراطية التعددية يتعين أن يكون ثمة مساحة متاحة للاختلاف في الآراء حول بعض الأفكار حتى لو كانت تلك الافكار مزعجة أو صادمة.
ب‌-     نجم الدين أربكان أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان عام 2003
-       طلب نجم الدين أربكان ومن معه من المحكمة الأوروبية لحقوق الانسانECHR  إدانة الدولة التركية بانتهاك حقوق الانسان طبقا للاتفاقية الاوروبية ، وبأن ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية التركية من حل حزب الرفاة يعتبر انتهاكا لحرية التعبير والتجمع السلمي وممارسة النشاط السياسي، وهي الحقوق المحمية بموجب الاتفاقية.
-       دفعت الحكومة التركية ردا على هذه الطلبات ، بان تدخل الدولة لحل الحزب كان :
1.     بموجب قاعدة دستورية وقانون ينظم ذلك، وبناء على حكم قضائي .
2.     وكان لتحقيق غرض مشروع وهو حماية المبادئ الدستورية السارية فيالبلاد.
-       كان على المحكمة الاوروبية ان تتأكدمن ما إذا كان تدخل الأجهزة الحكومية الوطنية (المحكمة الدستورية التركية في الحالة المعروضة) يعتبر تدخلا ضروريا ، ولازما من أجل إقامة مجتمع ديمقراطي(17). وهذه هي المهمة التي أنيط بالمحكمة إجراء رقابتها القضائية عليها(18).
-       وانتهت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في هذه الدعوى إلى عدة معايير ومبادئ هامة يمكن من خلال تقييم ما إذا كانت ممارسة الحزب تعتبر مناهضة للمبادئ الاساسية للدستور (وهذا يختلف من حالة الى اخرى) ، وهي:
1.  لا يمكن الحكم على الحزب من خلال برامجه المعلنة ومنشوراته الرسمية فقط ، إنما يجب أن تكون تصرفات قادته وأعضائه البارزين متسقة مع تلك البرامج والمنشورات، لاسيما إن كان هناك تعارض واضح بين الأقوال المعلنة في البرامج والأفعال الممارسة من قادة الحزب.
2.  يجب التمييز في تصرفات قادة الحزب؛ ما إذا كانت تصرفات فردية، أم انها تعبر عن عموم التوجه الغالب في الحزب، وهل اتخذ الحزب أيه تدابير عقابية أو تاديبية ضد الاعضاء المخالفين بما يعبر عن رفضه لهذه التوجهات.
3.     هل كانت الاهداف التي يرمي الحزب (حال تحققها – أو بافتراض ذلك) تمثل تهديدا لمجتمع ديمقراطي ام لا .
4.     هل كان يمثل حل الحزب حاجة اجتماعية ملحة(19) Pressing Social Need
-       وبناء على هذه المعايير جميعا وتطبيقها على حالة حزب الرفاة التركي ، انتهت المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان وبالاجماع الى رفض دعوى نجم الدين اربكان ومن معه ، وتاييد قرار حل حزب الرفاة التركي لاخلاله بالتزامات الدستورية التي فرضها الدستور التركي على الأحزاب السياسية، وأنه ليس في قرار المحكمة الدستورية العليا التركية محل الطعن، ما يمثل انتهاكا للاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان.
ثالثا:- خـــــاتمة نتائج:-
1.  تقف مصر على أعتاب وضع دستور جديد ، ولدينا تجربة غنية يتعين علينا استحضارها للاستفادة من دروسها ، فإذا أردنا بناء دولة ديمقراطية قوية، فيجب أن يجد جميع المصريين لهم حظا في هذا الدستور، والدساتير الديمقراطية لا تضعها أغلبية، بل الدستورفي جوهره عمل سياسي وقانوني يمثل مظلة واسعة يستظل بها الجميع.
2.  يتعين أن توجد تفرقة واضحة في الدستور بين مفهوم (الدولة) ومفهوم (نظام الحكم)، فنظام الحكم قد يتغير مع كل انتخابات، وحسب نجاح وفشل السياسات والبرامج، وتغير المزاج العام، ولا يصح أن تكون ثوابت الدولة محلا لتغير الهوى السياسي. ويتعين ان تكون هذه المؤسسات ومبادئها راسخة ثابتة، لا تتغير بتغير أنظمة الحكم.
3.  للديمقراطية كأساس لنظام الحكم العديد من المزايا، لكن لها أيضا نقاط ضعف ، فمشكلة الديمقراطية أنها تكفل بعض أنواع الحقوق مثل الحق في التعبير والتجمع السلمي والحقوق المتفرعة عنهما، وهذه الحقوق من الوارد جدا، إن لم تخلص النوايا، أن يُساء استخدامها في أوقات دقيقة مثل أوقات الاضطرابات الداخلية وأوقات الحرب، وعند إساءة استخدام هذه الحقوق تقف الديمقراطية عاجزة عن حماية نفسها، وقد يُستغل الوصول للسلطة بآليات ووسائل ديمقراطية الى الاستبداد بها تحت ذريعة احترام نتائج الصناديق. فالديمقراطية ليست محض إجراءات شكلية، بل هى في حقيقتها قِيَم إنسانية ونتائج على أرض الواقع(20)
4.  نقترح الاستفادة من التجربة الألمانية التي أفرزت دستورا عظيما في الحقوق والحريات (دستور جمهورية فايمار1919)، لكنه وقف عاجزا عن حماية نفسه ضد محاولات الحركات السياسية ذات الفكر المتطرف والاهداف المبطنة التي ما يخفي منها بخلاف ما يظهر، بدعاوى احترام نتائج الصندوق واحترام الديمقراطية، وقدم هذا الدستور بعجزه عن تحصين نفسه الوسائل لخصومه للانقاض عليه وإنهائه، فوصفت وبحق بأنها نموذج للديمقراطية الفاشلة، فدفع الجميع ثمناً فادحاً. ويمكن الاستهداء في ذلك ببعض ما ورد من نصوص في الدستور الألماني الصادر عام 1949 الواردة في هذه الدراسة وبما يتلاءم مع الطبيعة والظروف المصرية.
5.  يتعين أن يكون ولاء الجميع للدولة وللدستور، لاسيما الموظفين العموميين والمكلفين بخدمة عامة ، كما يتعين أن يُرتب الدستور آثاراً واضحة على عدم الولاء للدولة ولهذا الدستور الذي هو عصمة البلاد بعد حفظ الله من الوقوع في أية فوضى .
6.  يتعين أن تكون بعض مواد الدستور المصري الجديد غير قابلة للتعديل نهائيا إلا بسقوط الدستور، ويتعين أن تكون هذه المواد قليلة وغير قابلة للاختلاف عليها بقدر الامكان، كما يتعين ان تكون حدود حرية الابداع والفن والتعليم وحرية الراي والتعبير مقيدة بسقف لا تتجاوزه هو الدستور.
7.  تسقط الحقوق المكفولة للهيئات والمواطنين في الدستور متى أساؤوا استعمالها واستخدموها لتقويض النظام الدستوري وضد الدولة، ومن يقرر هذا السقوط هو جهة محايدة غير منخرطة في التنافس السياسي وهي القضاء.
8.  يجب أن يكون لكل إنسان الحق في بلورة شخصيته كما يريد ، وأن يتلقى من التعليم ما يشاء، وعلى أية مرجعية يراها، لكن يقف ذلك كله عند عدم التعدي على النظام الدستوري للبلاد.
9.  ممارسة العمل الأهلى والتنموي مكفولة للجميع، وحرية إبداء الآراء السياسية والتعبير عنها من خلال الأحزاب مصونة ، غير أن تلك التظيمات بجميع أنواعها متى ناهضت نظام الدولة الدستورى (سواء كانت من اليمين أو اليسار)  يتعين وقفها عن العمل كهيئات واشخاص، ويتعين مصادرة املاكها، وان يكون تقرير ذلك كله في يد القضاء باجراءات محايدة وواضحة، ولأسباب يقينية، وبناء على حاجة اجتماعية ملحة.
10.          لا يمكن الاكتفاء بأهداف وبرامج التنظيمات الاجتماعية والسياسية المعلنة ومنشوراتها الرسمية، بل يتعين ان يتسق القول مع الفعل، والظاهر مع الباطن.
11.          يتعين أن تكون مقاومة كل من يناهض نظام الدولة الدستوري من جانب المواطنين عملا شرعيا متى لم تتح لذلك وسائل اخرى، وأن من يقرر ذلك هو القضاء.
12.          يتعين أن تلتزم جميع وسائل الاعلام والنشر بالصدق ، ولا نقول الحياد ، فلها ان تعبر عن الرأي الذي تراه وفق قناعاتها ، لكن الكذب في الإعلام يتعين أن يكون له أثر على استمرار ممارسة تلك الوسائل لنشاطها، ويتعين أن يكون الجزاء الموقّع عليها من جنس عملها بأن تفرض على عليها غرامات مؤلمة ومؤثرة، وبعدد محدد من المرات، فإن تجاوزته حُرمت من ممارسة العمل الاعلامي سواء بصفة مؤقتة أو دائمة بحسب الأحوال.
13.          تبقى نقطة أخيرة، هي أن مقياس أية ديمقراطية في العالم لا يكون في مدى جودة وحرفية واتقان صياغة نصوص دستورها، بقدر ما يكون لهذه الديمقراطية من قدرة على تطبيق آلياتها بمرونة ويسر ونقل السلطة بسلاسة فتوفر بابا لدخول السلطة ، وبابا آخر للخروج منها بسلمية، ولا يكون ذلك إلا من خلال اقتناع مواطنيها بحيادية وعدالة تلك الآليات عبر مسيرة جادة من التعليم والتثقيف ، وما النصوص والتدابير الدستورية في نهاية المطاف إلا محض أدوات قانونية لا يمكن ان تقف بمفردها بغير بنية اساسية مجتمعية واعية ترسخ لهذه الديمقراطية، أو كما يمكن إ جماله بأنه " لا قيمة للديمقراطية بغير ديمقراطيين"


المراجع
(1) ويشار إليها ايضا في الكتابات باللغة الانجليزية Militant democracy
 (2) وكان عنوان المقال المنشور على جزئين  Militant democracy and fundamental rights في مجلة العلوم السياسية الامريكية ، العدد رقم 31 الصادر في يونيه 1937
(3) جمهورية فايمَار (بالألمانية( Weimar Republic هي الجمهورية التي نشأت في ألمانيا في الفترة من 1919 إلى 1933 كنتيجة الحرب العالمية الأولى وخسارة ألمانيا الحرب. سميت الجمهورية الناشئه باسم مدينة فايمار الواقعه بوسط ألمانيا والتي اجتمع بها ممثلوا الشعب الألمانى في العام 1919 لصياغة الدستور الجديد للجمهورية والذي إتبعته الجمهورية حتى العام 1933 حين تمكن الزعيم النازى أدولف هتلر من إحكام سيطرته على مقاليد الحكم في برلين بعد توليه منصبى المستشارية وسلطات رئيس الجمهورية. وهو الحدث الذي اعتبره المؤرخون نهاية جمهورية فايمار.
(4) وقد عبر البعض ، وبحق، عن أن أكبر تناقضات الديمقراطية على الاطلاق انها تقدم لاخطر اعدائها الوسائل التي تمكنهم من استغلالها لتدميرها
“It will always remain one of the best jokes of democracy that it provides its own deadly enemies with the means with which it can be destroyed.”
وقد عبر عن معنى قريب من ذلك اللورد أكتون (السياسي والمؤرخ الانجليزي المعروف) ، انه : في لحظة ما يمكن للتساهل ان يدمر المجتمع ، وفي لحظة أخرى ، يكون الاضطهاد قاتلا لمعاني الحرية ، والمعنى المقصود ضرورة وجود نقطة للتوازن بين هذا وذاك
 “At one period toleration would destroy society; at another, persecution is fatal to liberty”.
(5) والسياق التاريخي لوصول هتلر للحكم، يتلخص في انه تم حل البرلمان الالماني عام 1932 بسبب رفض الشعب الالماني والطبقة المتوسطة للسياسات الاقتصادية للحكومة القائمة وقتها، وتمت الدعوة لانتخابات برلمانية عامة جديدة ، فعقدت الانتخابات في يوليو 1932 ، واسفرت عن فوز الحزب النازي القومي والحزب الاشتراكي الالماني بأغلبية  37,2% من الأصوات ، ولكن رفض ادولف هتلر العمل في حكومة تحت رئاسة بابن  Papen ، وطالب لنفسه بمنصبة المستشارية chancellorship (رئاسة الحكومة) ، وهو ما رفضه رئيس الجمهورية هيندينبيرغ Hindenburg لعدم وجود أغلبية  برلمانية تجيز لهتلر ذلك مما عرقل تشكيل الحكومة. فتم حل البرلمان مرة أخرى كما ينص الدستور الالماني الساري وقتها أملا في تكوين أغلبية  برلمانية مريحة تسمح بتشكيل حكومة مستقرة ، وتمت الدعوة لانتخابات عامة في عام 1933 حصل فيها الحزب النازي على نسبة 33,1% (بمعدل أقل من الانتخابات التي سبقتها ، لكن استطاع هتلر الاستيلاء على السلطة (أو كما يسميه المؤرخون الالمان Machtergreifung) من خلال عقد بعض التحالفات البرلمانية والترويج الاعلامي المضلل لنفسه كمخلص للالمان، وتم تعيين هتلر مستشار للجمهورية الالمانية (رئيسا للحكومة) و بعد وفاة رئيس الجمهورية هيندينبيرغ ، انتقلت الى هتلر صلاحيات رئيس للجمهورية لخلو قانون التمكين (الذي سيلي ذكره) من ترتيب اي آثار على مخالفة رئيس الحكومة للمادة 2 من ذلك القانون.
(6) بالالمانيةErm?chtigungsgesetz ، وتتضمن المادة الاولى من قانون التمكين إعطاء الحكومة سلطة إصدار التشريعات دون العرض على البرلمان ، وأجازت المادة الثانية (وسيذكر نصها في الهامش التالي) للحكومة عدم التقيد بأحكام الدستور عند اصدار هذه القوانين طالما لا تمس صلاحيات الرئيس أو تمس السلطة التشريعية، ونظمت المادة الثالثة مواعيد نشر ونفاذ القوانين التي تصدرها الحكومة تطبيقا لهذا القانون، واخيرا أعطت المادة الرابعة للحكومة صلاحية ابرام المعاهدات الدولية واصدار ما يلزم لتنفيذها من تشريعات دون الرجوع للبرلمان.
(7) Laws enacted by the government of the Reich may deviate from the constitution as long as they do not affect the institutions of the Reichstag and the Reichsrat. The rights of the President remain undisturbed.'
وترجمتها : يجوز في القوانين التي تسنها حكومة الاتحاد الالماني الا تتقيد بالدستور طالما لا تمس مؤسسات السلطة التشريعية بغرفتيها . ولا تؤثر على صلاحيات الرئيس. و في هذا السياق ، لايمكن تجاهل ان الاعلان الدستوري الكارثي الذي اصدره الرئيس السابق د.محمد مرسي ، الصادر في نوفمبر 2012، والذي كان ينص في المادة الثانية منه على أن : (الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 30 يونيو 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة ، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية.) ونصت المادة الثالثة منه على أن : يعين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب ويشترط فيه الشروط العامة لتولي القضاء وألا يقل سنه عن 40 سنة ميلادية ويسري هذا النص على من يشغل المنصب الحالي بأثر فوري. (بما مؤداه عزل النائب العام الذي كان يشغل المنصب وقتها) ، ونصت المادة الخامسة منه على : لا يجوز لأية جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور. (علما بان مجلس الشعب كان قد سبق حله بالفعل بحكم من المحكمة الدستورية العليا ، وكانت الجمعية التاسيسية الاولى قد قضى ببطلان تشكيلها بموجب حكم صادر من محكمة القضاء الاداري.)
(8) 0ومن سخريات القدر ، أن هتلر نفسه خالف قانون التمكين الذي وضعه بيديه ، ولم يكتف بان قانونه أعطى للحكومة سلطة اصدار تشريعات دون التقيد بالدستور ، بل خالفه بنفسه عندما ألغى سلطات الغرفة العليا من السلطة التشريعية بالمخالفة الصريحة لنص المادة الثانية المشار اليها ، وخالفه مرة أخرى عندما نقل اليه سلطات رئيس الجمهورية بعد وفاة رئيس الجمهورية رغم ان مفهوم المادة الثانية تقتضي وجود جهة أخرى بخلاف الحكومة لممارسة هذه الصلاحيات.
(9) ومن اللافت للنظر من الناحية الفنية الضيقة، ان المادة 79 ذاتها مادة قابلة للتعديل، وهي المادة التي قررت عدم قابلية مواد أخرى للتعديل، لكن بلاشك فإن طرح الأمر على هذا النحو يتعارض على نحو واضح مع مضمون وروح الدستور الألماني.
(10) من الجدير بالذكر ان نظرية التعسف في استعمال الحقوق هي في الاصل نظرية اسلامية نقلت الى معظم النظم القانونية الاخرى، وفيها ان للحقوق وظيفة اجتماعية، ويتعين ان تؤدى دورها في خدمة الفرد والمجتمع. فصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : (....؛ كمثل قومٍ استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا). وتنص المادة 4، 5 من القانون المدني المصري الصادر عام 1948 على ان :(من استعمل حقه استعمالا مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر.) و (يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية:أ- إذا لم يقصد به سوي الإضرار بالغير. ب.إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية ، بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسبها.  ج.إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة). وقد ورد في الاعمال التحضيرية للقانون المدنى ان اصل هذه النظرية اسلامي ، وانه لم سيبق النص عليها في القانون المدني القديم.
(11)  ونصها الرسمي :
Nothing in this Convention may be interpreted as implying for any State, group or person any right to engage in any activity or perform any act aimed at the destruction of any of the rights and freedoms set forth herein or at their limitation to a greater extent than is provided for in the Convention.
(12) وفي هذا السياق، فان لمارجريت تاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة قول شهير هو: (لقد صنع التاريخ اوروبا، وصنعت الفلسفة (الحكمة) الولايات المتحدة الامريكية) Europe was created by history. America was created by philosophy."" فمن اللازم التعلم من دروس التاريخ وعدم تكرار الاخطاء ، ولا يلزم لذلك الوقوع في ذات الاخطاء للتعلم منها.
(13) الحكم الصادر في الدعوى المعروفة باسمCASE OF REFAH PART?S? (THE WELFARE PARTY)AND OTHERS v. TURKEY
ونظن ان هذا الحكم يحتاج الى تعليق مستفيض قد يكون له محل في وقت لاحق ، نظرا لضيق الوقت والمساحة حيث يقع في 51 صفحة ، وقد صدر الحكم بالاجماع من محكمة مكونة من 17 قاضيا ، وكتب ثلاثة من قضاة المحكمة أراء موافقة Concurring Opinion ، تؤيد النتيجة التي انتهت اليها المحكمة بأسباب مختلفة عن التي صدر بها الحكم الرسمي، وجميع ما ورد في الحكم يستحق الدراسة والتامل لانه يرسم معايير وضوابط موضوعية لممارسة الاحزاب السياسية لانشطتها.
(14) تنص المادة الثانية من الدستور التركي على ان : "جمهورية تركيا دولة ديمقراطية علمانية اجتماعية؛ تقوم على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان بروح من السلام الاجتماعي، والوحدة الوطنية والعدالة، وتتمسك بقومية أتاتورك، وتقوم على المبادئ الأساسية المبينة في ديباجة الدستور ".
ونصها الرسمي بالانجليزية:
Article 2:“The Republic of Turkey is a democratic, secular and social State based on the rule of law, respectful of human rights in a spirit of social peace, national solidarity and justice, adhering to the nationalism of Ataturk and resting on the fundamental principles set out in the Preamble.”
(15)  تنص المادة 68/4 من الدستور التركي على ان : " لا يجوز ان تتضمن  النظم الاساسية، أو لوائح أو أنشطة الأحزاب السياسية ما يتعارض مع استقلال الدولة وسلامة أراضي الدولة والأمة، وحقوق الإنسان، ومبادئ المساواة و سيادة القانون والسيادة الوطنية أو مبادئ الديمقراطية العلمانية. ولا يجوز تأسيس أحزاب سياسية تهدف باي شكل من الاشكال الى الدعوة الى إقامة هيمنة فئة واحدة أو طائفة اجتماعية، أو دكتاتورية في أي شكل من الأشكال. ... "
 “The constitutions, rule books and activities of political parties shall not be incompatible with the independence of the State, the integrity of State territory and of the nation, human rights, the principles of equality and the rule of law, national sovereignty or the principles of a democratic, secular republic. No political party may be founded with the aim of advocating and establishing the domination of one social class or group, or a dictatorship in any form whatsoever”
وتنص المادة 69/4 من ذات الدستور على ان:"... تصدر المحكمة الدستورية حكماُ نهائياُ بشأن حل الأحزاب السياسية بناء على طلب من مستشار الدولة الرئيسي بمحكمة النقض "
“The Constitutional Court shall give a final ruling on the dissolution of political parties on an application by Principal State Counsel at the Court of Cassation.”
(16) القاضيان: Ha?im K?l?ç و Sacit Adal?
(17) وفي هذا المقام، فان الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان المعقودة في روما عام 1950 تنص في المادة 10 بعنوان (حرية التعبير) على ان:
(1) لكل شخص حق في حرية التعبير . ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء وتلقي ونقل المعلومات والأفكار بغير حدود  ودون تدخل من السلطة العامة . ولا تمنع هذه المادة الدول من اشتراط الحصول على تراخيص للإذاعة و التلفزيون والمؤسسات العاملة في مجال السينما.
(2) ونظرا لأن هذه الحريات ، تتطلب في ممارستها بعض الواجبات والمسؤوليات، فانه يجوز ان اخضاعها للاجراءات والشروط والقيود أو العقوبات التي يحددها قانون ، وتكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي ، لمصلحةالأمن القومي وسلامة أراضي الدولة أو السلامة العامة ، أو لمنع الفوضى أو الجريمة ، أو  لحماية الصحة العامة أو الآداب العامة ، أو  لحماية سمعة أو حقوق الآخرين ، أو لمنع الكشف عن المعلومات السرية ، أو للحفاظ على سلطة الدولة ونزاهة السلطة القضائية.
ونصها الرسمي:
Article 10 – Freedom of expression
1            Everyone has the right to freedom of expression. This right shall include freedom to hold opinions and to receive and impart information and ideas without interference by public authority and regardless of frontiers. This article shall not prevent States from requiring the licensing of broadcasting, television or cinema enterprises.

2            The exercise of these freedoms, since it carries with it duties and responsibilities, may be subject to such formalities, conditions, restrictions or penalties as are prescribed by law and are necessary in a democratic society, in the interests of national security, territorial integrity or public safety, for the prevention of disorder or crime, for the protection of health or morals, for the protection of the reputation or rights of others, for preventing the disclosure of information received in confidence, or for maintaining the authority and impartiality of the judiciary
(18) وتستخدم المحكمة لفحص مدى مشروعية الاجراء أو العمل تحليلا قانونيا تعارف على تسميته (باختبار الملاءمة)Proportionality Test  ، ندعو الى استخدامه في القضاء الاداري المصري، وهذا الاختبار يتكون من ثلاث خطوات Three steps test .
ويشترط لصحة الإجراء أو التدبير المقيد للحرية ان تتوافر فيه الشروط الثلاثة التالي ذكرها مجتمعة وبالترتيب ليكون مشروعا ومتفقا مع الاتفاقية
-    الشرط الأول: أن يكون الإجراء مناسبا suitable، بمعنى أن يكون الإجراء المتخذ يمثل خطوة منطقية في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق المصلحة المراد حمايتها.
-    الشرط الثاني: أن يكون الإجراء ضروريا Necessary، بمعنى أن يكون الإجراء محققا للغاية التي وضع من اجلها وانه لا يوجد إجراء اقل تقييدا للحرية من الإجراء المتخذ less restrictive و يمكن به تحقيق ذات النتيجة أو النتائج.
-    الشرط الثالث: أن يكون الإجراء متسقاproportionate  ، بمعنى أن تتوافر في الإجراء شروط الاتساق والترابط المنطقي بين مستوى الخطرRisk levels  المراد التوقي منه ، والضرر المتوقع  potential damage ، وبين احتمالات حدوثه Probability  .
(19) وفي هذا المقام ، لا يمكن تجاهل الحكم الصادر من المحكمة الادارية العليا بمجلس الدولة في شان حل الحزب الوطني الديمقراطي في اعقاب ثورة 25 يناير 2011 ومصادرة أمواله وأيلولتها الى الدولة، الذي وضع السابقة القضائية الاولى لحل حزب سياسي بحكم قضائي لافساد الحياة السياسية.
وفي هذا الحكم الانشائي غير المسبوق ، انتهت المحكمة الى ان سقوط النظام السياسي الحاكم بفعل الثورة يستتبع بالضرورة وبحكم اللزوم والجزم سقوط ادواته التى كان يمارس من خلالها سلطاته بحيث لاينفك عنها ، واهم هذه الادوات ذلك الحزب الحاكم الذى ثبت بيقين افساده للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر.
وانتهت ايضا المحكمة الى ان الثابت من العلم العام ان الحزب المذكور نشأ فى كنف السلطة الحاكمة، وظل ملتحفا بسطوتها مستغلا اموالها بحيث اختلطت اموال الدولة مع اموال الحزب ، ومن ذلك على سبيل المثال، تمويل نشاط الحزب والدعاية له ولمؤتمراته من اموال الدولة وكذلك استيلاء الحزب على مقار له من املاك الدولة فى مختلف انحاء الجمهورية ومن ثم فان المحكمة – وقد راعت كل ذلك – تقضى بايلولة اموال الحزب – التى هى ابتداء وانتهاء اموال الشعب الى الدولة .
حكم المحكمة الادارية العليا بجلسة 16/4/2011، في الطعون ارقام 20030 ، 20279 ، 20459 لسنة 57 القضائية عليا.
(20) وما نقول به في هذا الخصوص ليس بالامر الجديد، فهو أمر مستقر عليه دوليا وهو جزء من القانون المصري بالفعل ، فتنص المادة 19 من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16/12/1966 ووقعت عليها مصر بتاريخ 4/8/1967 ، وتم التصديق عليها بتاريخ 9/12/1981، وصدر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 536 لسنة 1981 على ان:1- لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.2- لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.3- تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
ومن االمقرر ايضا ، انه اذا كانت اتفاقيات حقوق الانسان المختلفة تقر وتحمي حرية التجمع السلمي بكل صوره ، فانها ، في الوقت ذاته تتيح ودون استثناء، للدول أن تفرض بعض القيود المشروعة على حرية التجمع السلمي لحماية العناصر الاتية : الأمن العام ، السلامة العامة، حماية الصحة، حماية الآداب، حماية حقوق وحريات الآخرين، حماية الأمن القومي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق