الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

حالة هامة لإسقاط الجنسية في الدستور الجديد

حالة هامة لإسقاط الجنسية في الدستور الجديد
إسقاط الجنسية عن المصري المتزوج من إسرائيلية 
واجب دستوري
بقلم الدكتور / عبد المنعم زمزم
أستاذ مساعد وقائم بأعمال رئيس قسم القانون الدولي الخاص
كلية الحقوق ـ جامعة القاهرة

تختلف الدول من حيث المنهج التشريعى الذى تتبعه في شأن تنظيم جنسيتها إلى ثلاثة مذاهب(1):

المذهب الأول:

تنظيم مختلف المسائل المتعلقة بالجنسية في صلب الدستور، فيصير الدستور بذلك قانونًا للجنسية ودستورًا في ذات الوقت. ومن أمثلة الدساتير التى صارت في هذا الاتجاه دستور كوبا الصادر في 4 إبريل 1952، ودستور باراجواى الصادر في 10 يوليه 1940.

المذهب الثانى:

 تنظيم المسائل الأساسية المتعلقة بالجنسية في صلب الدستور مع ترك الأمور التفصيلية لقانون يصدر – فيما بعد – بشأن الجنسية. ويسير عدد غير قليل من الدول في هذا الاتجاه مثل المكسيك (دستور 1917 المعدل عام 1934)، وشيلى (دستور 1925)، وتركيا (دستور 1945)، والهند (دستور 1949)، والبرازيل (دستور 1946)، الذى تنص مادته رقم 129 على أن «الأشخاص الآتى ذكرهم يكونون برازيليين: 1- الأشخاص المولودون فى البرازيل...» (2).

بل ومن الدساتير الحديثة التى اتبعت هذا المنهج الدستور العراقى لعام 2005 حيث تنص مادته الثامنة عشر على أنه

«(أولاً) الجنسية العراقية حق لكل عراقى، وهى أساس مواطنته.

(ثانيًا) يعد عراقيًا كل من ولد لأب عراقى أو لأم عراقية، وينظم ذلك بقانون.

(ثالثًا) – أ– يحظر إسقاط الجنسية العراقية عن العراقى بالولادة لأى سبب من الأسباب، ويحق لمن أسقطت عنه طلب استعادتها، وينظم ذلك بقانون.

        ب- تسحب الجنسية العراقية من المتجنس بها فى الحالات التى ينص عليها القانون.

(رابعًا) يجوز تعدد الجنسية للعراقى، وعلى من يتولى منصبًا سياديًا أو أمنيًا رفيعًا، التخلى عن أية جنسية أخرى مكتسبة، وينظم ذلك بقانون.

(خامسًا) لا تمنح الجنسية العراقية لأغراض سياسة التوطين السكانى المخل بالتركيبة السكانية فى العراق.

(سادسًا) تنظم أحكام الجنسية بقانون، وينظر فى الدعاوى الناشئة عنها من قبل المحاكم المختصة».

المذهب الثالث:

 الاكتفاء بالنص فى الدستور على تحديد جهة الاختصاص بمسائل الجنسية أو تحديد الوسيلة الكفيلة بتنظيم أحكامها دون الانشغال بالتفصيلات. وتعتبر فرنسا من الدول تتبنى هذا المذهب حيث تنص المادة 34 من الدستور الفرنسى على أنه «يحدد القانون القواعد المتعلقة بالجنسية»(3).

وبذلك تكتفى دساتير الدول التى تعتنق هذا الاتجاه بالنص على وسيلة تنظيم الجنسية دون انشغال بالتفصيلات المتعلقة بها، وغالباً ما تكون هذه الوسيلة هى القانون، الذى يتولى تنظيم أحكامها التفصيلية.

الوضع فى مصر:

 اعتنق المشرع الدستورى صراحة – فى كل الدساتير المتعاقبة – هذا الاتجاه الأخير. فقد كانت المادة السادسة من دستور 1971 تقضى – على سبيل المثال – بأن «الجنسية المصرية ينظمها القانون». وتأسيسًا على ذلك اضطلع المشرع العادى بمهامه المخولة له بمقتضى الدساتير المختلفة نحو تنظيم الجنسية المصرية بمختلف تفصيلاتها، وذلك منذ انفصال مصر عن تركيا في 5 نوفمبر سنة 1914 وحتى وقتنا الحاضر، فأصدر في سبيل ذلك – وعلى سبيل التعاقب – القوانين الآتية:

1- المرسوم بقانون الصادر فى 26 مايو 1926(4).

2- المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929(5).

3- القانون رقم 160 لسنة 1950(6).

4- القانون رقم 391 لسنة 1956(7).

5- القانون رقم 82 لسنة 1958(8).

6- وأخيراً القانون الحالى رقم 26 لسنة 1975(9)، والمعدل – حديثَا – بالقانون رقم 154 لسنة 2004(10).

ولا يظنن ظان أن الدساتير المصرية باعتناقها هذا المذهب الأخير قد اكتفت بالنص السابق ذكره، وإنما حملت السلطات المصرية بحزمة من الالتزامات الدستورية التى تتأسس على المحافظة على الهوية المصرية بصيانة الطفولة والنشئ والشباب والأسرة. ومن ذلك مثلاً نص المادة 9 من دستور 1971 التى كانت تقضى بأن «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية وتحرص الدولة على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد، مع تأكيد هذا الطابع وتنميته فى العلاقات داخل المجتمع المصرى». وكذلك نص المادة 10 من ذات الدستور التى نصت على أن «تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة، وترعى النشئ والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم».

وأيا ما كان، وسواء تبنت الدولة هذا الاتجاه أو ذاك، فإن اضطلاع الدستور – أى دستور – بتنظيم أحكام الجنسية أو بعضها أو حتى قدر يسير منها يعبر – بحق – عن أهمية وجلالة هذه الفكرة كأداة لتحديد ركن الشعب في الدولة وتعيين حصتها من سكان الكرة الأرضية. فتنظيم شعب الدولة لا يقل أهمية عن تنظيم السلطات التأسيسية فيها، بل ويفوقها من حيث الأهمية، باعتبار أن الشعب هو مصدر هذه السلطات، ووجود الشعب سابق على وجود هذه السلطات. فإذا كانت القاعدة القانونية تتسم بأنها ضرورية لتنظيم السلوك داخل المجتمع، وإذا كان كل فرع من فروع القانون يكتسب أهمية خاصة لتنظيمه ناحية معينة من نواحى هذا السلوك، فإن هذه الأهمية تبلغ درجتها القصوى فى خصوص قانون الجنسية، الذى لا ينظم ناحية معينة من نواحى الحياة فحسب، وإنما ينظم وجود الشعب فى حد ذاته، والذى توجد الفروع الأخرى للقانون – فيما بعد – لتنظيم سلوك هذا الشعب فى المجالات المختلفة. فإذا كان القانون الدستورى يتولى تنظيم السلطات الأساسية فى البلاد وتحديد اختصاص كل منها، وإذا كان القانون الجنائى يقوم بتحديد الجرائم والعقوبات المقررة لها، وإذا كان القانون المدنى يهتم بتنظيم النشاط الخاص للأفراد داخل المجتمع، فإن هذه الفروع – بالإضافة إلى فروع القانون الأخرى – تفترض وجود شعب معين لكى تقوم بتنظيم نشاطه، ولا يتم تحديد هذا الشعب إلا بواسطة قانون الجنسية، فكأن كل قوانين الدولة تفترض مسبقاً وجود قانون الجنسية. وهكذا يسبق قانون الجنسية فى الوجود – من الناحية النظرية على الأقل– كل فروع القانون الأخرى بما فيها القانون الدستورى، ولا نبالغ إذا قلنا إن قانون الجنسية هو القانون الأول فى البلاد، باعتباره القانون الذى يحدد ركن الشعب فى الدولة، وهو ما يكسبه أهمية خاصة تميزه عن باقى فروع القانون.

وقد لوحظ – رغم ذلك – فى الفترة الأخيرة – وفى غفلة من سلطات الدولة – قيام بعض الشباب المصرى – تحت ضغط الإغراءات المادية – بالهجرة لإسرائيل والتجنس بجنسيتها والزواج من فتياتها. وقد كانت هذه الظاهرة دافعاً لقيام أحد المصريين بتوجيه إنذار على يد محضر لوزير الداخلية – باعتباره أداة رئيسية من أدوات السلطة التنفيذية – للمطالبة بممارسة الدولة لمهامها الدستورية نحو صيانة الطابع الأصيل للأسرة المصرية وحماية الطفولة والنشئ والشباب والأسرة، مع ضرورة عرض أمر هؤلاء الأشقياء من الشباب على مجلس الوزراء للنظر فى إسقاط الجنسية المصرية عنهم طبقًا لنص المادة 16 من قانون الجنسية، إلا أن الوزير لم يحرك ساكنًا. فقام هذا المواطن الثائر لوطنه بالطعن فى قرار وزير الداخلية السلبى بالامتناع عن عرض أمر هؤلاء الشباب على مجلس الوزراء، لما لهذه الظاهرة عن عواقب لا تحمد عقباها. فمسلك هؤلاء الشباب ليس الهجرة بهدف العمل والرزق وإنما الزواج من إسرائيليات والاستفادة من الإغراءات المادية التى تقدمها إسرائيل التى تصبو هى الأخرى لتحقيق أملاً من أعز أمانيها وهو تكوين جيل مصرى-إسرائيلى-صهيونى، على اعتبار أن الأبناء الناتجين عن هذا الزواج سوف يحصلون على الجنسية المصرية الأصيلة بالميلاد لأب مصرى والجنسية الإسرائيلية الأصيلة بالميلاد لأم إسرائيلية، وهو ما ينذر بكوارث مستقبلية لا يمكن تفادى نتائجها. وبالفعل وإدراكاً لهذه الاعتبارات قضت محكمة القضاء الإدارى – بتاريخ 19 مايو 2009 – بوقف تنفيذ قرار وزير الداخلية السلبى بالامتناع عن عرض طلب إسقاط الجنسية المصرية عن المصريين الذين تزوجوا من إسرائيليات على مجلس الوزراء لإسقاط هذه الجنسية عنهم(11).

وقد تأسس حكم محكمة القضاء الإدارى بضرورة عرض أمر هؤلاء الأشقياء على مجلس الوزراء لإسقاط الجنسية المصرية عنهم على نص المادة 16 من قانون الجنسية الذى يحدد سبعة أسباب لإسقاط الجنسية على النحو التالى:

 «يجوز بقرار مسبب من مجلس الوزراء إسقاط الجنسية المصرية من كل من يتمتع بها فى أية حالة من الأحوال الآتية:

1- إذا دخل فى جنسية أجنبية على خلاف حكم المادة 10.

2- إذا قبل دخول الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية دون ترخيص سابق يصدر من وزير الحربية.

3- إذا كانت إقامته العادية فى الخارج وصدر حكم بإدانته فى جناية من الجنايات المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج.

4- إذا قبل فى الخارج وظيفة لدى حكومة أجنبية أو إحدى الهيئات الأجنبية أو الدولية وبقى فيها بالرغم من صدور أمر مسبب إليه من مجلس الوزراء بتركها، إذا كان بقاؤه فى هذه الوظيفة من شأنه أن يهدد المصالح العليا للبلاد، وذلك بعد مضى ستة أشهر من تاريخ إخطاره بالأمر المشار إليه فى محل وظيفته فى الخارج.

5- إذا كانت إقامته العادية فى الخارج وانضم إلى هيئة أجنبية من أغراضها العمل على تقويض النظام الاجتماعى أو الاقتصادى للدولة بالقوة أو بأية وسيلة من الوسائل غير المشروعة.

6- إذا عمل لمصلحة دولة أو حكومة أجنبية وهى فى حالة حرب مع مصر، أو كانت العلاقات الدبلوماسية قد قطعت معها، وكان من شأن ذلك الإضرار بمركز مصر الحربى أو الدبلوماسى أو الاقتصادى أو المساس بأية مصلحة قومية أخرى.

7- إذا اتصف فى أى وقت من الأوقات بالصهيونية».

والمادة 16 من قانون الجنسية – ورغم طول صياغتها –

 فإنه يمكن تأصيل مختلف حالاتها القاضية بإسقاط الجنسية فى ثلاث طوائف رئيسية(12):

الطائفة الأولى: التجنس بجنسية أجنبية دون الحصول على إذن

يدخل في هذه الطائفة السبب الأول الوارد في نص المادة 16/1. فقد أراد المشرع المصرى ألا يتخذ التجنس بجنسية أجنبية وسيلة للهروب من الالتزامات الوطنية التى تفرضها الدولة، فعلق حق المصرى في التجنس بجنسية جديدة على صدور قرار من وزير الداخلية يسمح له بالقيام بهذا الإجراء. والجزاء الذى قرره المشرع فى حال تخلف هذا الإذن هو عدم نفاذ التجنس بالجنسية الأجنبية فى مواجهة الدولة المصرية، حيث يظل الشخص مصرياً من جميع الوجوه وفى جميع الأحوال ما لم يقرر مجلس الوزراء إسقاط الجنسية المصرية عنه. فقد أراد المشرع أن يظل هذا الشخص مصرياً، تمارس الدولة فى مواجهته كل السلطات المقررة لها، ويلتزم إزاءها بكل الالتزامات والتكاليف التى يلتزم بها الوطنيون، ولو تحقق بالفعل دخولـه فى جنسية الدولة الأجنبية. وتجدر الإشارة إلى أن الحصول على إذن من السلطات المصرية ليس شرطاً للدخول فى الجنسية الأجنبية، وإنما هو شرط تطلبه المشرع لضمان وفاء الوطنى بالتزاماته تجاه الدولة المصرية ولا يترتب على تخلفه عدم اكتساب الشخص للجنسية الجديدة، لأن شروط اكتساب هذه الجنسية يحددها القانون الأجنبى ذاته، وإنما يترتب على تخلف هذا الإذن عدم نفاذ التجنس فى مواجهة الدولة المصرية، ويمكن للدولة عندئذ أن تقتضى حقوقها منه، مع احتمال تعرضه لأقصى جزاء من الممكن أن تتخذه الدولة تجاه الوطنيين، وهو إسقاط الجنسية. وفى ذلك تنص المادة 10 من قانون الجنسية على أنه «لا يجوز لمصرى أن يتجنس بجنسيه أجنبية إلا بعد الحصول على إذن بذلك يصدر بقرار من وزير الداخلية وإلا ظل معتبراً مصرياً من جميع الوجوه وفى جميع الأحوال ما لم يقرر مجلس الوزراء إسقاط الجنسية عنه طبقاً لحكم المادة 16 من هذا القانون...» (13).

ولا شك أن مصر تعانى الآن أشد معاناة من سلوك بعض مواطنيها الذين أخلوا بإلتزاماتهم الوطنية تجاهها، وخاصة بعد قيام ثورة 25 يناير، ثم هرولوا بالهروب إلى دول أخرى يحملون جنسيتها. وترتد هذه المعاناه إلى المسلك السيئ للإدارة المصرية فى تنظيم كيفية تخلى المصريين عن جنسيتهم المصرية أملاً فى الحصول على جنسية أجنبية.

الطائفة الثانية: العمل فى خدمة دول أو هيئات أجنبية على نحو يتعارض مع المصالح المصرية

ويدخل ضمن هذه الطائفة أربعة من الأسباب الواردة في نص المادة 16:

أولاً: أداء الخدمة العسكرية فى دولة أجنبية دون الحصول على ترخيص مسبق من وزير الحربية (المادة 16/2).

ثانياً: العمل فى وظيفة فى الخارج لدى حكومة أو هيئة أجنبية أو دولية بالرغم من صدور أمر مسبب إليه من مجلس الوزراء بتركها مع استمرار الشخص فى هذه الوظيفة لمدة ستة أشهر من تاريخ إخطاره فى محل وظيفته بضرورة تركها (المادة 16/4).

ثالثاً: الانضمام إلى هيئة أجنبية يكون أحد أغراضها العمل على تقويض النظام الاجتماعى أو الاقتصادى للدولة (المادة 16/5).

رابعاً: الإضرار بمركز مصر الحربى أو الدبلوماسى أو القومى، وذلك بقبول المصرى العمل فى خدمة دولة أو حكومة أجنبية فى حالة حرب مع مصر، أو كان هناك قطع للعلاقات الدبلوماسية معها، أو كان من شأن هذا العمل الإضرار بمركز الدولة الحربى أو الدبلوماسى أو الاقتصادى أو القومى (المادة 16/6).

الطائفة الثالثة: ثبوت عدم ولاء للدولة

ويمكن رد الأسباب التى تعود إلى هذه الطائفة إلى سببين:

السبب الأول: إدانة الوطنى المقيم فى الخارج بحكم فى جناية مضرة بأمن الدولة من جهة الخارج (المادة 16/3).

السبب الثانى: اتصاف الشخص فى أى وقت بالصهيونية (المادة 16/7). بيد أنه تجب التفرقة فى هذا المقام بين اليهودية Judaïsme والصهيونية Sionisme، فاليهودية دين سماوى، منزل من عند الله سبحانه وتعالى كالإسلام والمسيحية سواء بسواء، أما الصهيونية فهى مذهب سياسى متطرف يقوم على الولاء المطلق لإسرائيل والاعتقاد فى أحلامها الخرافية كدولة تمتد رقعتها الجغرافية من النيل إلى الفرات. فالصهيونية مذهب يتأسس على الدعوة إلى العودة «إلى أرض الميعاد فى صهيون، وهو جبل صغير فى القدس»(14)، والصهيونى هو كل شخص «يؤيد الحق السياسى لليهود فى فلسطين بغض النظر عن الديانة التى يعتنقها»(15).

وتأسيساً على ذلك «لا يلزم أن يكون الصهيونى يهودياً، بل يمكن أن يكون مسيحياً أو مسلماً إذا اعتنق المبادئ التى تدعو إليها الصهيونية»(16)، وإن كان الواقع يؤكد هذا التلازم؛ لأن اليهود هم أنصار الصهيونية الحقيقيون، وهم المؤسسون لمبادئها والعاملون على تحقيق أهدافها. وأيًا ما كان فإنه إذا اعتنق أى شخص يحمل الجنسية المصرية هذه الفكرة وصار صهيونيًا في أى لحظة كان ذلك مبرراً لإسقاط الجنسية عنه طبقًا لنص المادة 16/7. هو ما تفصح عنه صراحة المذكرة الإيضاحية لقانون 1956 فى شأن الجنسية المصرية بقولها: «أن الصهيونية ليست ديناً، إذ إن المصريين لدى القانون سواء، ولكنها رابطة روحية ومادية تقوم بين ما يتصف بها وبين إسرائيل». وهكذا فإن «انتماء الشخص إلى الديانة اليهودية لا يحرمه من التمتع بالجنسية المصرية... أما اعتناق الشخص للصهيونية، بوصفها دعوة سياسية، فهو يحرمه من حق التمتع بالجنسية المصرية»(17).

والعلة من حرمان الصهيونيين من التمتع بالجنسية المصرية لا تخفى على أحد، حيث إنهم يشكلون بلا شك خطراً على أمن المجتمع المصرى وسلامته، فالفكر السياسى لهذه الطائفة يقوم على الكيد للجماعة المصرية والتربص للنيل منها، فكيف يتصور الصبر على تمتعهم بالجنسية المصرية، لذا كان إسقاطها عنهم واجب محتم – بمقتضى الدستور والقانون – حتى لا تورث تلك الصهيونية للمصريين جيلاً بعد جيل.

وقد أثار البعض – مع ذلك – التساؤل عن تأثير اتفاقية السلام المبرمة فى عام 1979 – بين مصر وإسرائيل – على مستقبل العمل بهذا الحكم، فمن المعلوم أن نصوص قانون الجنسية الحالى قد وضعت عام 1975، ومن ثم يثور التساؤل هل يعتبر إبرام اتفاقية السلام – بعد العمل بقانون الجنسية بأربع سنوات واعتراف مصر بإسرائيل – ناسخاً لهذا الحكم؟ ينبغى الإجابة على هذا التساؤل بالنفى. فقد كان الغرض من إبرام اتفاقية السلام إنهاء حالة اللاحرب واللاسلم التى ظلت قائمة لمدة 6 سنوات بعد انتصار مصر على إسرائيل فى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، وبالتالى يجب أن يقتصر أثر هذه الاتفاقية على المسائل التى يتضمنها موضوعها والتى كانت تتلخص أساساً فى إقرار السلام بين الدولتين دون أى تأثير على الجوانب التنظيمية الأخرى فى مختلف فروع القانون ومن بينها قانون الجنسية، يضاف إلى ذلك أن تلك الاتفاقية «لا تجنبنا الأخطار الملازمة للصهيونية، خصوصاً وأن الوطن القومى المزعوم لليهود، والذى تسعى إليه إسرائيل، لا تقف حدوده عند فلسطين، بل تتخطاه إلى الدول العربية المجاورة، ومن بينها مصر. خصوصاً وأن قانون الجنسية الإسرائيلى يساعد على ذلك، ويفتح الباب واسعاً أمام كل يهود العالم للدخول فى شعب إسرائيل. وقد بات هذا الخطر مؤكداً مع موجات هجرة اليهود السوفييت ويهود أوربا الشرقية إلى فلسطين فى بداية عام 1990. ومن هنا كانت الدعوة، والإلحاح فيها، إلى مناهضة الصهيونية، وعدم الهوادة مع أنصارها، وطردهم من الجماعة المصرية، بإسقاط الجنسية عنهم»(18).

ولذلك فنحن نعلن تأييدنا الكامل ومساندتنا المطلقة لحكم محكمة القضاء الإدارى سابق الإشارة إليه والقاضى منطوقه بوقف تنفيذ قرار وزير الداخلية السلبى بالامتناع عن عرض طلب إسقاط الجنسية المصرية عن المصريين الذين تزوجوا من إسرائيليات على مجلس الوزراء لإسقاط هذه الجنسية عنهم لاتفاقه مع صحيح الدستور والقانون.

ورغم ذلك، وبدلاً أن يغلى الدم فى عروق المعنيين فى وزارة الداخلية ليهموا – هماً – نحو تنفيذ هذا الحكم، والذى كان يتعين عليهم منذ البداية – وبمبادرة تلقائية – لفت نظر مجلس الوزراء لأمر هؤلاء الشباب للنظر فى إسقاط الجنسية المصرية عنهم، قامت الوزارة المذكورة – وتضامنت معها وزارة الخارجية – بالطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا. ومن عجب – ومن أشد العجب – ألا ترتضى هذا الحكم كل من وزارتى الداخلية والخارجية فتقومان معًا بالمطالبة بإلغاء الحكم الطعين استناداً للأسباب الآتية:

1- عدم اختصاص محاكم مجلس الدولة والقضاء عموماً ولائياً بنظر الدعوى، لأن مسألة زواج بعض المصريين من إسرائيليات وآثار ذلك وتداعياته أمور – وحسبما قررت الوزارتان – يتجاوز بحثها نطاق وظيفة القضاء.

2- عدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة والمصلحة، ذلك أن رافعها مواطن مصرى عادى لا تتوافر لديه – كما ذهبت الوزارتان – الصفة أو المصلحة.

3- رفض الدعوى موضوعاً لأن حالة زواج المصرى من إسرائيلية لم ترد ضمن حالات الإسقاط الواردة فى المادة 16 من قانون الجنسية.

والحقيقة أن هذه الأسباب مثيرة للإستهجان، وينطوى مجرد ابدائها على استخفاف بالغ بجلالة وعظمة الجنسية المصرية، كما تظهر أن مبديها لا يريد أن يميز بين ما يفيد الجماعة المصرية وما يلحق بها الضرر.

الرد على الدفع بعدم الاختصاص: يعد هذا الدفع فى جوهرة من قبيل الأقوال المرسلة التى يتجسد غرضها فى غض الطرف عن الموضوع الأصلى. فموضوع الدعوى ليس هو بحث مشروعية زواج المصرى من إسرائيلية، وإنما الطعن على مسلك الجهات الإدارية المصرية السلبى بالامتناع عن تجنب الآثار الضارة التى ستلحق بالجماعة المصرية نتيجة لهذا الزواج. والمثير للدهشة أن وزارة الداخلية تشبست بهذا الدفع مرتين: الأولى: أمام محكمة القضاء الإدارى، وقد رفضته فى حكمها سابق الإشارة إليه رقم 15359 لسنة 63 ق. والثانى: فى الطعن الماثل، وقد رفضته أيضًا المحكمة الإدارية العليا فى حكمها الصادر بتاريخ 5 يونيو 2010 حيث قضت بأنه ومن حيث إنه عن ما أثارته الجهة الإدارية عن الدفع بعدم الاختصاص «فإنه يلزم الإشارة في هذا الخصوص إلي أمرين أساسيين أولهما أن مجلس الدولة هو قاضي المشروعية طبقاً لصريح حكم المادة 172 من الدستور (والمقصود دستور 1971 الذى سقط بفعل الثورة) والفهم الصحيح لأحكامها يؤدي إلي أن لمحاكم القضاء الإداري وعلى رأسها المحكمة الإدارية العليا بسط الرقابة القضائية على كل ما يصدر عن جهة الإدارة من قرارات إدارية – وأن القاضي الإداري لا يغمض ناظريه عن مسلك الإدارة في حسم المراكز القانونية للأفراد في ضوء أحكام التشريعات المنظمة لحقوقهم مهما اختلف منظورة كجهة فصل في نزاع عن منظور جهة الإدارة فيما هو خاضع لرقابة المشروعية وثانيهما – أن الحكم المطعون فيه قد أسبغ على الدعوى تكييفاً مستمداً من الأوراق وظروف الدعوى وملابساتها تمثل في وقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير الداخلية السلبي بالامتناع عن عرض أمر المتزوجين من إسرائيليات على مجلس الوزراء صاحب السلطة المختصة في هذا الشأن وعليه تطرح المحكمة هذا الدفع لانتفاء سنده في الواقع والقانون»(19).

الرد على الدفع بانتفاء المصلحة والصفة: بدلاً من أن تستشعر الجهة الإدارية الحرج إزاء موقفها وتلوذ– على أقل تقدير – الصمت دون المجادلة في مسألة واضحة، فقد لجأت إلى نفى الاختصاص عن المحكمة الإدارية العليا بزعم انتفاء المصلحة والصفة في حق المطعون ضده. ورغم ذلك فهذا الدفع – كسابقه – لا يقوم له في ميزان المشروعية أي ميزان، ولذلك فقد طرحته المحكمة الإدارية العليا عندما أيقظت وزارتي الداخلية والخارجية – في جزء من قضائها السابق – على حزمة من نصوص دستور 1971 الذى كان قائمًا آنذاك، عندما قضت بأن: «المادة (1) من دستور جمهورية مصر العربية تنص على أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي تقوم على أساس المواطنة والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة. وتنص المادة (6) من الدستور على أن الجنسية المصرية ينظمها القانون. وتنص المادة (9) من الدستور على أن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية وتحرص الدولة على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد، مع تأكيد هذا الطابع وتنميته فى العلاقات داخل المجتمع المصرى. وتنص المادة (10) من الدستور على أن تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة، وترعى النشئ والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم. وتنص المادة (52) من الدستور على أن للمواطنين حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة، وينظم القانون هذا الحق وإجراءات وشروط الهجرة ومغادرة البلاد. وتنص المادة (58) من الدستور على أن الدفاع عن الوطن وأرضه واجب مقدس، والتجنيد إجبارى. وتنص المادة (60) من الدستور على أن الحفاظ على الوحدة الوطنية وصيانة أسرار الدولة واجب على كل مواطن. وتنص المادة (156) من الدستور على أن يمارس مجلس الوزراء بوجه خاص الاختصاصات الآتية : (أ)... (ب)... (ج) إصدار القرارات الإدارية والتنفيذية وفقا للقوانين والقرارات ومراقبة تنفيذها. (ح) ملاحظة تنفيذ القوانين والمحافظة على أمن الدولة وحماية حقوق المواطن ومصالح الدولة. وتنص المادة (184) من الدستور على أن الشرطة هيئة مدنية نظامية، رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية وتؤدى الشرطة واجبها فى خدمة الشعب وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن، وتسهر على حفظ النظام والأمن العام والآداب وتتولى تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات، وذلك كله على الوجه المبين بالقانون»(20).

ولما كانت نصوص دستور 1971 الذى كان معمولاً به وقت صدور هذا الحكم، كانت قاطعة الدلالة على أن الشعب المصرى جزء من الأمة العربية (المادة 1)، وعلى ضرورة صيانة الطابع الأصيل للأسرة المصرية (المادة 9)، وعلى حماية الطفولة والنشىء والشباب (المادة10)، وأن الدفاع عن الوطن وأرضه واجب مقدس (المادة 58)، وأن الحفاظ على الوحدة الوطنية واجب على كل مواطن (المادة 60)؛ ولما كان الدستور المشار إليه قد جعل العمل على تحقيق هذه الأمور التزام على كل مواطن، وليس حقًا خالصًا له فقط، أفلا تتوافر المصلحة والصفة في حق جميع المصريين؟! الأمر الذى انتهت إليه فعلاً المحكمة الإدارية العليا حين خلصت إلى توافر شرطى المصلحة والصفة فى شأن المطعون ضده – وفى شأن أى فرد مصرى آخر غيور على مجتمعه – اكتفاءً بصفته كشخص مصرى من مصلحته ألا ينضم للجماعة المصرية من ليس على مذهبها. والنصوص التى استندت إليها المحكمة الإدارية العليا من دستور 1971 ليست حكرًا على هذا الدستور وحده، وإنما وجد لها مثيلاً فى الدساتير السابقة، ولا يتصور أن يخلو منها الدستور الجديد المنتظر إعداده وطرحه على الشعب فى استفتاء عام.

الرد على الدفع برفض الدعوى لعدم ورود الزواج من إسرائيلية ضمن حالات إسقاط الجنسية طبقا لنص المادة 16:

لا نعلم لأى سبب ولا لأية عله تستميت وزارتا الداخلية والخارجية فى الدفاع عن بعض الأشقياء من المصريين الذين ضحوا بكل ما هو غالى ونفيس من أجل التجنس بالجنسية الإسرائيلية والزواج بإسرائيليات؟! ولمصلحة من؟! وعلى أى حال فهذا الدفع – كسابقيه – يعتبر بمثابة ذر الرماد فى العيون بهدف إخفاء الحقيقة الغائبة. فلو وضعت السلطات المصرية نصب أعينها حالات إسقاط الجنسية المصرية استنادا لنص المادة 16 وطبقتها على الشباب المصرى الذى تجنس بالجنسية الإسرائيلية دون إذن ثم أعقب ذلك بالزواج من إسرائيليات، لما أبدت هذا الدفع، فهذا الشباب يتوافر فى حقه الحالات الرئيسية لإسقاط الجنسية المصرية الواردة فى النص المذكور وعلى الأخص:

1- الدخول فى جنسية أجنبية دون إذن خلافاً لحكم المادة 10 (المادة 16/1).

2- أداء الخدمة العسكرية فى إسرائيل خاصة وأن عدد هؤلاء الشباب قد بلغ حوالى 30 ألف شاب، فلابد أن بعضهم – ورغبة في إثبات ولائه لإسرائيل – سيلتحق – إن لم يكن قد التحق بالفعل – بهذه الخدمة (المادة 16/2).

3- العمل لدى حكومة أجنبية على نحو يهدر المصالح العليا للبلاد وفقاً للضوابط والأحكام الواردة فى الفقرات الرابعة والخامسة والسادسة من المادة 16. ولا شك أن مجرد عمل أى مصرى لدى حكومة إسرائيل يعد كافيا بذاته ولذاته لتهديد المصالح العليا للبلاد.

4- الاتصاف الصهيونية. فلا شك أن من ضحى بالجماعة المصرية، وتجنس بالجنسية الإسرائيلية، وتزوج من إسرائيلية، لينجب منها شعبًا إسرائيليًا يسعى في الأرض فسادًا، يدلل على أنه – إن لم يتصف بالصهيونية – فإنه سينجب من يتصف بها حتمًا من أبناء الجيل الثانى أو الثالث على أقصى تقدير. ولذلك فقد ورد فى حيثيات حكم المحكمة الإدارية العليا حرفيًا أن «سفر هؤلاء الشباب إلى إسرائيل ليس بهدف العمل والرزق وإنما للزواج من إسرائيليات وحصول أبنائهم من الأمهات الإسرائيليات على الجنسية الإسرائيلية طبقا للقانون الإسرائيلى مع احتفاظه بجنسية الآباء (الجنسية المصرية)، ولكن الجنسية رابطة خاصة بين الفرد ووطنه ولكون الكيان الصهيونى ما زال يمثل أكبر عدو للبلاد العربية، وآية ذلك المذابح التى تحدث كل يوم سواء من الكيان الإسرائيلى مباشرة أو بتحريض من الولايات المتحدة عن طريق اللوبى الصهيونى الذى يسيطر على جميع الأجهزة فى أمريكا، وأن عدد الشباب الذى تزوج من إسرائيليات حسب التقديرات غير الرسمية (30 ألف شاب تقريباً)» (21).

وعلى أى حال ودرءاً لأى اجتهادات حول عدد الشباب الذى هاجر لإسرائيل فقد كلفت المحكمة الإدارية العليا وزارة الداخلية بتقديم ما لديها من بيانات تتعلق بزواج بعض المصريين من إسرائيليات وعددهم، إلا أن الوزارة امتنعت عن تقديم هذه البيانات بحجة أنه ليس لديها معلومات فى هذا الشأن. بيد أن المحكمة لم تقتنع – وما كان لها لتقتنع – بهذا الزعم، ولذا حكمت بأن قضائها «قد استقر على أن تلتزم الإدارة بإيداع مستندات الموضوع التى تحت يدها تمكينا للعدالة من أن تأخذ مجراها الطبيعى وأن نكول جهة الإدارة وتقاعسها بغير مبرر عن إيداع تلك المستندات ينشئ قرينة لصالح خصمها بصحة ما يدعيه وأساس ذلك أن الإدارة هى التى تحتفظ بالمستندات الرسمية وأنه لا يجوز تعطيل الفصل فى الدعاوى بسبب امتناع الإدارة عن إيداع المستندات المطلوبة، وأن ما قدمته الإدارة من مستندات بعد حجز الطعن للحكم تمثلت فى حالات تم فيها إسقاط الجنسية عن مصريين تجنسوا بالجنسية الإسرائيلية بما يؤكد النكول ولا ينفيه لأن الأمر الواجب عرضه على مجلس الوزراء هو زواج بعض المصريين من إسرائيليات وأثر ذلك على الأمن القومى»(22).

وأيا ما كان، وفصلاً فى موضوع النزاع فقد قضت المحكمة الإدارية العليا فى قضائها الماثل والراشد – في الطعن سبق الإشارة إليه رقم 26969 لسنة 55 ق.ع بتاريخ 5 يونيو 2010 – بأنه «ومن حيث إن المحكمة وهى تقدر لصحيح العدالة والصالح العام قيام ظاهرة زواج المصريين من إسرائيليات سواء كانوا من اليهود أو أية ديانة أخرى، وعلى وجه يتعاظم أثرها وتخرج عن إطار الفرض النظرى الذى لا يصلح سنداً لقضاء، وأن المسألة فى حاجة إلى تدخل من السلطة المختصة بقلب ثائر وقرار حريص لا يرعى إلا وجه المصلحة العامة للوطن وواضعًا تحت ناظريه المادة الأولى من الدستور (والمقصود دستور 1971) التى تنص على أن الشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة، هذا الحكم الدستورى الملزم لكافة سلطات الدولة يؤكد على حقائق منها أن الشعور العام للشعب المصرى قومى الاتجاه والإحساس بهموم الأمة العربية وفى قبلها الصراع العربى الإسرائيلى ومشكلة فلسطين، وما تقوم به إسرائيل من انتهاكات لحقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين والأسرى فى الحروب العسكرية، وفى مجال الطعن الماثل ما صدر عنها من تشريعات انتهت بصدور قانون الجنسية الإسرائيلية رقم 5712/1952 وقصره منح الجنسية الإسرائيلية على العودة والإقامة والميلاد والعقيدة وهذا الأساس العقائدى لمنح الجنسية الإسرائيلية، بمنحها لكل من يولد لأم يهودية يؤدى مألاً فى حالة الزواج منها إلى خلق جيل مزدوج الجنسية مما يحتاج بالضرورة إلى تدخل عاجل من السلطة المختصة فى حالة الزواج من يهودية خاصة أن التشريع المصرى – كما سلف البيان – يقوم فى الأساس على وحدة الجنسية المصرية وحظر اكتساب غيرها إلا بإذن، وعليه يغدو عرض الأمر من وزارة الداخلية على مجلس الوزراء أمر واجب يستدعى رقابة القضاء حال القعود عنه، خاصة إذا قامت منازعة فى هذا الصدد، ولا خلاف على أن تدخل القضاء بوقف تنفيذ القرار السلبى بامتناع وزارة الداخلية عن هذا العرض لا يمثل توجيهاً للإدارة وإنما فصلا فى خصومة قائمة بكامل أركانها وعظيم هدفها لاتصاله المباشر بأمن البلاد القومى والتى تشارك المحكمة الإدارية العليا وهى على قمة مدارج القضاء الإدارى السلطات المختصة وكافة أطياف الشعب المصرى فى خطورته وواجب حسمه بما يتفق والمصلحة العامة للبلاد.... لهذه الأسباب... حكمت المحكمة بوقف تنفيذ قرار وزير الداخلية السلبى بالامتناع عن عرض أمر المصريين المتزوجين من إسرائيليات على مجلس الوزراء للنظر فى إسقاط جنسيتهم من عدمه طبقاً لكل حالة على حدة بما يتفق وأحكام القانون، مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المصروفات»(23).

ونحن نتفق – بطبيعة الحال – مع كل ما جاء بقضاء المحكمة الإدارية العليا، ولا يتأسس – رأينا هذا – على دوافع الحماس والتهاب المشاعر تجاه الوطن فحسب، وإنما على اعتبار أن الجنسية الفعلية لهؤلاء الأبناء ستكون هى الجنسية الإسرائيلية وستغدو الجنسية المصرية مجرد جنسية اسميه، والمعلوم فى علم القانون الدولى الخاص أن الجنسية الاسمية لا يتقرر لها أى نفاذ على المستوى الدولى. فالأسرة سيكتب لها الاستقرار – وفقًا للمجرى العادى للأمور – فى إسرائيل، وسيلتحق الأبناء بالمدارس الإسرائيلية، وسيتعلمون اللغة العبرية، وسيتلقون – على الأقل – مراحل التربية الأولى فى إسرائيل، بما يعنى نشأتهم قلبًا وقالبًا على الطريقة الإسرائيلية، وهو ما يجفف إلى أبعد مدى متصور منابع ارتباطهم بالجماعة المصرية، فلماذا تبقى الدولة على أواصر الصلة معهم؟! ولذلك فقد كان حرص القضاء الإدارى واضحًا على ضرورة النظر في وضع هؤلاء الأشخاص وعرض أمرهم على مجلس الوزراء تمهيدًا للنظر في إسقاط الجنسية المصرية عنهم، ولتغضب وزارة الداخلية – ومعها وزارة الخارجية – كما تشاء، فإسقاط الجنسية عن المصرى المتزوج من إسرائيلية واجب دستورى، يوجب على القائمين على إعداد الدستور الجديد ضرورة إدراج هذه الحالة بنص صريح ضمن أحكامه، حفاظًا على الكيان الأساسى والهوية الأصيلة للجماعة المصرية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لمزيد من التفاصيل راجع مؤلفنا أحكام الجنسية في القانون الدولى والقانون المصرى المقارن، دار النهضة العربية، 1432هـ-2011م، رقم 81 وما يليها، ص 42 وما يليها.

(2) انظر د. عز الدين عبد الله، القانون الدولى الخاص،الجزء الأول، الجنسية والموطن وتمتع الأجانب بالحقوق (مركز الأجانب)، دار النهضة العربية، الطبعة العاشرة، 1977، رقم 57، ص 135.

(3) ومضمونها بالفرنسية:«la loi fixe les règles concernant la nationalité»

(4) الوقائع المصرية – العدد 52 فى 31 مايو سنة 1926.

(5) الوقائع المصرية – العدد 23 فى 10 مارس سنة 1929.

(6) الوقائع المصرية – العدد 91 فى 18 سبتمبر سنة 1950.

(7) الوقائع المصرية – العدد 93 فى 20 نوفمبر سنة 1956.

(8) الجريدة الرسمية- العدد 17 فى 3 يوليو سنة 1958.

(9) الجريدة الرسمية- العدد 22 فى 29 مايو 1975.

(10) الجريدة الرسمية- العدد 28 مكرر (أ) في 14 يوليه 2004.

(11) محكمة القضاء الإدارى، الدائرة الأولى، الطعن رقم 15359 لسنة 63ق، غير منشور.

(12) لمزيد من التفاصيل عن أحكام هذه المادة وشرح كل حالات إسقاط الجنسية المصرية راجع مؤلفنا أحكام الجنسية في القانون الدولى والقانون المصرى المقارن، المرجع السابق، رقم 519 وما يليها، ص 289 وما يليها.

(13) لمزيد من التفاصيل عن نص المادة 10 راجع مؤلفنا أحكام الجنسية في القانون الدولى والقانون المصرى المقارن، المرجع السابق، رقم 449 وما يليها، ص 248 وما يليها.

(14) انظر د. هشام صادق، الجنسية والموطن ومركز الأجانب، المجلد الأول فى الجنسية والموطن، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1977، رقم 118، 311.

(15) حاتم صادق، نظرة على الخطر، دار المعارف، القاهرة 1968، ص64. مشار إليه فى المرجع السابق 311.

(16) د. شمس الدين الوكيل، الموجز فى الجنسية ومركز الأجانب، منشأة المعارف بالإسكندرية، الطبعة الثالثة، 1968، ص194.

(17) د. هشام صادق، الجنسية والموطن، المرجع السابق، رقم 118، ص310 وما يليها.

(18) د. أحمد عبد الكريم سلامة، المبسوط فى شرح نظام الجنسية، بحث تحليلى انتقادى مقارن، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، 1414ه - 1993م، رقم 1099، ص793 وما يليها.

(19) الطعن رقم 26969 لسنة 55 ق.ع، جلسة 5 يونيو2010، عير منشور، ص 7.

(20) حكم المحكمة الإدارية فى الطعن السابق رقم 26969 لسنة 55 ق.ع، ص 7 وما يليها.

(21) حكم المحكمة الإدارية العليا السابق ص 3 وما يليها.

(22) حكمها السابق ص 16.

(23) حكمها السابق ص 16 وما يليها
x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق