الاثنين، 30 نوفمبر 2015

حكم القانون فى مواجهة الإرهاب (2/4)

حكم القانون فى مواجهة الإرهاب  (2/4) 
بقلم الأستاذ الدكتور / أحمد فتحى سرور
أستاذ القانون الجنائى - رئيس مجلس الشعب
منشور بمجلة الدستورية - العدد الثاني عشر – السنة الخامسة – أكتوبر 2007





حكم القانون فى مواجهة الإرهاب  (2/4) 
الفصل الثانى
السياسة الجنائية لمواجهة الإرهاب

ـــــــــــ

 17- البعد الدولى للسياسة الجنائية :
منذ بداية هذا القرن احتلت السياسة الجنائية للإرهاب مكان الصدارة فى أولويات كل من السياسات الدولية والسياسات الوطنية للمحافظة على الأمن وضمان حكم القانون . وقد واجهت النظم القانونية الوطنية كثيرا من التحديات عند صياغة سياستها الجنائية لمواجهة الإرهاب . مما اقتضى العمل على تحقيق إصلاح جنائى يكفل فاعلية مواجهة الإرهاب .
وبينما يعتبر وضع السياسة الجنائية للإرهاب فى دولة ما من المسائل الداخلية ، إلا أن البعد الدولى لظاهرة الإرهاب ألقى بظلاله على نطاق سلطة الدولة فى الإصلاح التشريعى الجنائى لمواجهة الإرهاب . فعلى أثر الأحداث الإرهابية التى وقعت فى 11 سبتمبر سنة 2001 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1368 الذى ألقى بواجبات تلتزم بها الدول الأعضاء بحكم صدور هذا القرار طبقا للفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة . فقد نصت المادة الأولى منه على مطالبة جميع الدول بتجريم تمويل الإرهاب وتجميد بعض الأرصدة والأصول ومنع بعض الأعمال المرتبطة بالإرهاب ، ومطالبة الدول بتقديم الإرهابيين للعدالة ، واعتبار الأعمال الإرهابية جرائم جسيمة فى القوانين الوطنية ، والنص على أن تعكس العقوبة مدى جسامة الأعمال الإرهابية. كما طالب مجلس الأمن فى قراره الدول الأعضاء أن تنضم للوثائق الدولية والبروتوكولات المتعلقة بالإرهاب [33]. وأنشأ مجلس الأمن لجنة مواجهة الإرهاب(The Counter- Terrorism Committee)  وتتكون من الأعضاء الخمسة عشر لمجلس الأمن وذلك لمراقبة تطبيق الدول للقرار رقم 1373 وإرشادها حول كيفية تطبيق هذا القانون . وقد ساهم ذلك فى إحداث بعض التعديلات على النظم القانونية الجنائية فى مختلف بلدان العالم لمواجهة الإرهاب .
وفى سنة 2004 كان مجلس الأمن قد أصدر القرار رقم 1566 الذى يطالب فيه الدول الأعضاء بمنع أعمال الإرهاب، وضمان أن تكون هذه الأعمال معاقبا عليها بعقوبات تتفق مع طبيعتها الجسيمة . وفى الفقرة الثالثة من هذا القرار أشار مجلس الأمن فى مجال تعريف الإرهاب إلى جرائم الإرهاب كما هى معرفة فى الاتفاقيات والبروتوكولات المتعلقة بالإرهاب .
وقد اهتمت أجهزة أخرى للأمم المتحدة بهذا الموضوع ، فقد طالبت لجنة الأمـم المتحـدة لحقوق الإنسان ما بين سنة 1990 و2000 الدول الأعضاء مراراً باتخاذ كل التدابير الضرورية لمنع ومحاربة وقمع الإرهاب . وأكدت اللجنة أن تراعى هذه التدابير التطابق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
كما عينت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مقررا خاصا للموضوعات المتعلقة بحماية حقوق الإنسان عند محاربة الإرهاب. وأكثر من ذلك فقد اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2006 القرار رقم 158 الذى يطالب بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية أثناء مواجهة الإرهاب . وهكذا أصبح لقانون حقوق الإنسان أهمية كبيرة واعتباراً متناميا عند وضع التدابير الضرورية لمحاربة الإرهاب .
وخلاصة ما تقدم فإنه من الناحية الدولية يقع على الدولة التزام بالتشريع لمواجهة الإرهاب يراعى التزاماتها الدولية بمقتضى الاتفاقيات والبروتوكولات المتعلقة بالإرهاب ، ويراعى أن تبلغ العقوبات المقررة للإرهاب من الجسامة بحيث تتلاءم مع الطبيعة الجسيمة للإرهاب . هذا بالإضافة إلى ضرورة مراعاة القواعد الدولية لحقوق الإنسان .
إلا أن هذا الإطار الدولى لا يخل بالسيادة الوطنية للمشرع الوطنى فى وضع تشريع الإرهاب مع مراعاة كل من الالتزامات الدولية المقررة فى الوثائق الدولية المتعلقة بالإرهاب والتى تعتبر الدولة طرفا فيها ، ومراعاة الالتزامات الدولية المقررة فى الوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
18-  أبعاد الشرعية الدولية والدستورية عند مواجهة الإرهاب:
واضح مما تقدم أن قضية المحافظة على الأمن سواء كان داخليا أو دوليا بمعناه الشامل كانت وراء التصدى لمواجهة الإرهاب . إلا أن هذه المواجهة تكون قاصرة وغير منضبطة ما لم تكن فى إطار من احترام حقوق الإنسان . فمواجهة الإرهاب لا يمكن أن تتم خارج حكم القانون الذى تندمج فيه قواعد المنع والتجريم والعقاب مع قواعد حماية حقوق الإنسان . ولا يتناقض الالتزام الدولى بتجريم الإرهاب والمعاقبة عليه ومكافحته مع اتخاذ التدابير المناسبة التى تتفق مع احترام حقوق الإنسان .
وقد اتفقت كل من الشرعية الدولة المتمثلة فى الوثائق الدولية كمصدر للقانون الدولى والشرعية الدستورية المتمثلة فى أحكام الدستور فى ضرورة التوازن بين مقتضيات مواجهة الإرهاب ومتطلبات حماية حقوق الإنسان ، تأكيدا لوحدة حكم القانون . ومن خلال هذه الوحدة لا تكون مواجهة الإرهاب بعيدة عن متطلبات حماية حقوق الإنسان أو منفلتة منعزلة عن ضوابطها ، بل تكون مندمجة معها ، وذلك باعتبار أن حكم القانون لا ينحاز لجانب دون آخر ، فالهدف الذى يبغيه يتطلب اندماج ضمانات حقوق الإنسان فى القواعد التى ينص عليها القانون لمواجهة الإرهاب . فعندما تتم مواجهة الإرهاب بأساليب عادلة أكثر من مجرد المعاقبة عليه ، وعندما تكون حماية حقوق الإنسان صمام أمن هذه العدالة خلال مواجهة الإرهاب ، فإن احتـرام حكم القانون لن يكون مصونا فحسب بل يكون معززا رفيع الشأن . فالقواعد القانونية غير المتوازنة أو المنحازة لجانب على حساب آخر تهدد صحيح حكم القانون لأن التوازن بين الاثنين لا يجوز أن يتم فى نطاق المضاربة أو المنافسة ولا يجوز أن يكون فيه منتصرا أو منهزم ، فكلاهما طرف فى معادلة واحدة يستقيم بها حكم القانون . ويثير التوازن الذى ترتكز عليه الشرعية فى كل من النظام القانونى الدولى والنظام الدستورى الوطنى البحث عن المعايير التى تحكم المواجهة من زاوية كل من التحديات الأمنية وتحديات حقوق الإنسان .
من جانب آخر ، بذلت جهود كبيرة على المستويين الدولى والوطنى لتحقيق هذا التوازن . فلقد واجهته دائما صعاب جمة ترجع إما إلى الرغبة فى المحافظة على المبادئ التقليدية التى تحكم القانون الجنائى أو التكيف مع العناصر الجديدة التى تحلقها تحديات الإرهاب الدولى . وهو ما أدى إلى البحث عما إذا كانت مواجهة الإرهاب تتم من خلال القواعد العامة للقانون أم أنه يتعين الالتجاء إلى قواعد خاصة عند مواجهة الإرهاب ولو تطلب الأمر الخروج على القواعد العامة .
وفيما يلى نعرض للجهود التى بذلت على المستويين الوطنى والدولى فى رسم سياسة جنائية لمواجهة الإرهاب .


19-  الجهود الوطنية لمواجهة الإرهاب :
نعرض فيما يلى الجهود الوطنية التى بذلت فى كل من الولايات المتحدة الأمريكية ، والمملكة المتحدة ، وفرنسا ، وايطاليا ، وأسبانيا .
20-  (أولا) : مواجهة الإرهاب فى الولايات المتحدة:
حين تعرضت الولايات المتحدة لأحداث إرهابية تمثلت فى التفجير الأول لمركز التجارة العالمى سنة 1993 وتفجير المبنى الفيدرالى فى أوكلاهاما سنة 1995 ، وضع الكونجرس الأمريكى قانونا لمكافحة الإرهاب سنة 1996 ، تضمن مساسا بالضمانات التى نص عليها الدستور الأمريكى ، مثل إنشاء المحاكم العسكرية وحبس الأجانب ومنع اتصال المتهم بمحاميه وإضفاء السرية على التحقيقات  [34] وبعد أحداث 11 سبتمبر سنة 2001 أقر الكونجرس الأمريكى على وجه السرعة قانونا لمكافحة الإرهاب سمى قانون باتريوت Patriot Act وقبله أصدر رئيس الجمهورية مجموعة من الأوامر التنفيذية Executive Orders لمكافحة الإرهاب ومعاقبته ، تضمنت قيودا جسيمة على الحريات المدنية لم تشهدها البلاد منذ الحربة العالمية الثانية [35].
وقد ارتكزت سياسة الولايات المتحدة فى مكافحة الإرهاب على أساسين : (أولهما) سلطات الطوارئ وتطبيق القانون العسكرى . و (ثانيهما) قانون باتريوت فى أكتوبر سنة 2001.
وبالنسبة للأساس الأول ، أعلن الرئيس بوش فى 14 سبتمبر سنة 2001 حالة الطوارئ بسبب بعض الهجمات الإرهابية " Declaration of National Emergency by Reason of Certain Terrorist Attacks " وبعد أربعة أيام تالية أصدر الكونجرس الأمريكى قرارا يخول الرئيس الأمريكى أن يباشر عمليات عسكرية باستخدام كل القوة الملائمة والضرورية ضد الأمم والمنظمات والأشخاص الذين نظموا أو سمحوا أو نفذوا أو أيدوا الهجمات الإرهابية التى وقعت فى 11 سبتمبر سنة 2001 أو وفروا لهم الإقامة، وذلك لمنع كل عمل مستقبلي للإرهاب الدولي ضد الولايات المتحدة بواسطة هذه الأمم أو المنظمات أو الأشخاص. وبناء على هذه السلطات استخدم الرئيس الأمريكي القوات المسلحة في أفغانستان ضد تنظيم القاعدة ونظام طالبان الذي قدم المساعدة لهذا التنظيم. واعتبر الرئيس الأمريكي قرار الكونجرس المذكور بمثابة موافقة على معاملة الإرهابيين بوصفهم أعداء محاربين طبقا للقانون العسكري. وقد مارس الرئيس الأمريكي سلطاته بناء على ما يمنحه الدستور الأمريكي للسلطات الفيدرالية من سلطات خاصة في المسائل الخارجية وفي الدفاع الوطني وفي حالة الحرب. بالإضافة إلى أن الكونجرس الأمريكي – وفقا للدستور يملك – سلطة إعلان الحرب وتشكيل قوات مسلحة، وقد أعلنت المحاكم الفيدرالية صحة الأعمال التي مورست وتتعلق بالحرب واستخدام القوات المسلحة في الخارج [36]. وبناء على هذا الأساس اتخذ الرئيس الأمريكي بسرعة قراراً بالالتجاء إلى المحاكم العسكرية لنظر قضايا المتهمين بالإرهاب. وفي 13 نوفمبر سنة 2001 وقع الرئيس أمرا عسكريا يسمح لوزير الدفاع بأن يودع المتهمين بالإرهاب في السجن وأن يعمل على محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية. وعلى أثر ذلك أصدر وزير الدفاع الأمريكي عدة قرارات بتنظيم المحاكم العسكرية وتحديد اختصاصها وإجراءاتها [37]
     أما الأساس الثاني لمواجهة الإرهاب في الولايات المتحدة
 فقد تمثل في قانون باتريوت Patriot Act الصادر سنة 2001. ويتميز هذا القانون بالإطالة . وقد صدر بغير مناقشة من الكونجرس الأمريكى فى 26 أكتوبر سنة 2001 . ويحتوى على 16 فصلا، ونص على أن مواده ينتهى مفعولها فى تاريخ محدد هو 31 ديسمبر سنة 2005 ما لم يقرر الكونجرس مد العمل به بالتصويت  [38] ، فقد وسع هذا القانون من السلطات الاستثنائية في المراقبة الإلكترونية أو التفتيش الواقع على المنظمات الأجنبية أو عملائها. وقد احتوى هذا القانون على عدة سلطات خاصة تمس الحقوق والحريات الأساسية وخاصة في مجالات المراقبة وغسيل الأموال ومركز الأجانب واعتقالهم، والتوسع في التجريم والعقاب والحبس الاحتياطي. وبوجه عام فإن قانون باتريوت والأوامر التنفيذية الصادرة من رئيس الجمهورية والقرارات التي أصدرها النائب العام قيدت على نحو مهم بعض الحقوق والحريات الأساسية.  وقد قام الكونجرس الأمريكى قبل انتهاء مفعول هذا القانون بتجديد العمل بمعظم مواده التى سميت بنصوص الغروب ( sunset provisions  ) وأحدث عليها بعض التعديلات مبقيا على النصوص الخاصة بتسجيل المكالمات التليفونية على أن يعاد النظر فيما سمى بنصوص الغروب كل أربعة أعوام . وقد أثار هذا التقييد جدلا حول مدى عدالة التوازن بين هذه الحقوق والحريات وحمايتها ضد الإرهاب. وقد تمثلت أهم هذه الحقوق والحريات التي أصابها المساس؛ في الحق في الحياة الخاصة (Privacy) الذي نص عليه التعديل الرابع للدستور الأمريكي، وذلك من خلال السماح بمراقبة واسعة للمواطنين والأجانب تحت رقابة قضائية بسيطة، وكذلك حق استخدام الوسائل القانونية "Due Process of law" المنصوص عليه في التعديل الخامس للدستور الأمريكي ويعني الحق في المحاكمة المنصفة، وحرية التعبير والاجتماع المنصوص عليها في التعديل الأول للدستور الأمريكي. كما أثار هذا القانون قضية أساسية تتعلق بالفصل بين السلطات، تتمثل في المدى الذي يمكن للسلطة التنفيذية أن تصل إليه في تقييد الحقوق والحريات دون رقابة تشريعية أو قضائية، باسم السلطات الكاملة التي تملكها في المسائل العسكرية والخارجية [39]
وفيما يتعلق بالحق في المحاكمة المنصفة، فقد أثير البحث حول مدى احترام قاعدة استخدام الوسائل القانونية "Due process of law" في الإجراءات المتبعة أمام اللجان العسكرية التي أنشأها الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس بوش في 13 نوفمبر سنة 2001 لمحاكمة الأجانب الأعضاء في تنظيم القاعدة والمتهمين بالاشتراك في الأعمال الإرهابية ضد الولايات المتحدة [40]
وقد صدر حكمان للمحكمة العليا الأمريكية، أولهما صدر في أثناء الحرب الأهلية، والثاني صدر في أثناء الحرب العالمية الثانية، ويتضمن كل منهما أن الرئيس الأمريكي يملك هذه السلطة إذا لم يصدر الكونجرس الأمريكي قرارا بشأنها  [41]
وفي 28 يونيه سنة 2004 صدرت ثلاثة أحكام للمحكمة العليا في الموضوع ترجمت رغبة المحكمة في وضع قواعد للحد الأدنى من حماية الحقوق الدستورية للمواطنين والأجانب المحبوسين [42]، وانحصر الجدل القانونى في تحديد المدى الذي يمكن الوصول إليه في التضحية بالحريات الأساسية باسم الأمن القومى.
     وفى 30 ديسمبر سنة 2005 صدر قانون معاملة المسجونين ( the Detainee) وفرض قيودا على سلطة المحاكم فى إعادة النظر فى مسائل تتعلق بالمسجونين فى جوانتانمو، وقيد السلطة التنفيذية فى اتخاذ تدابير قاسية أو غير إنسانية أو تنطوى على معاملة مهينة فى السجن أيا كان موقعة .
     وبعد أربعة شهور من قضية Hamdan التى أقرت منها المحكمة العليا الأمريكية حق المتهم بالإرهاب فى الاستفادة من الضمانات الدستورية بشرط استخدام الوسائل القانونية صدر سنة 2006 قانون جديد للجان العسكرية بشأن الإجراءات الواجب اتخاذها أمام هذه اللجان عند محاكمة الأجانب المتهمين كمحاربين أعداء بجرائم الحرب . ونص هذا القانون على عدم تطبيق قانون القضاء العسكرى على هذه اللجان إلا فى الحالات التى ينص عليها. ونص على اعتبار اللجان العسكرية بمثابة محكمة تملك فقط محاكمة المحاربين الأجانب الأعداء، وأن اللجنة وان كانت كل الضمانات القضائية المعترف بها بهدف تطبيق المادة الثالثة المشتركة من اتفاقية جنيف، إلا أنه لا يجوز للمحارب العدو التمسك أمامها بحقوقه بناء على اتفاقية جنيف أثناء المحاكمة أمامها مع حق المتهم في الاستعانة بمدافع من المدنيين يلتزم بعدم إفشاء معلومات إلى أى شخص غير مصرح بها بتناولها، بالإضافة إلى حق المتهم فى الاستعانة بمدافع من العسكريين  [43] .
 21- (ثانيا) : مواجهة الإرهاب فى المملكة المتحدة:
يشار إلى أن المملكة المتحدة كانت من أكثر الدول الغربية التي قابلت موجات جسيمة من العنف. ويرجع ذلك في نظر البعض  [44]إلى سببين هما:
الأول، العنف السياسى الذي مارسه سكان المستعمرات البريطانية قبل أن تتذوق طعم التحرير، والثاني، هو العنف السياسي الذي تصاعد في ايرلندا ضد اندماجها في المملكة المتحدة لمدة تزيد على ثلاثة قرون. وكان اقتطاع دولة ايرلندية حرة (الآن جمهورية ايرلندا) سنة 1922 إيذانا بتركيز الصراع مع ايرلندا الشمالية بما تخلله من عنف سياسى. وقد أصدرت المملكة المتحدة عددا من القوانين لمواجهة هذا العنف الذي تزعمه جيش الجمهورية المؤقتة لايرلندا منذ سنة 1970. وقد اتخذت هذه المواجهة في بداية الأمر الشكل العسكري الذي عرفته المملكة المتحدة مع مقاطعاتها القديمة. ومع ذلك، فإن تركيز المواجهة على الإستراتيجية العسكرية لم يجلب سوى المزيد من الدمار المصحوب بالعار من خلال الاعتقال بغير محاكمة وتعذيب المسجونين، يشار فيه إلى المواجهة الدموية التي حدثت فيما سمى بيوم الأحد الدموى Bloody Sunday سنة 1972. وقد أدى ذلك إلى إعادة الحكومة البريطانية بالنظر فى سياستها في هذا الشأن مما أدى إلى وضع نصوص خاصة في قوانين الطوارئ في الفترة من 1973 – 1998 تضمنت إجراءات جنائية خاصة من بينها المحاكمة بغير محلفين، ومنح الشرطة سلطات خاصة ، وإمكان الاعتقال بغير محاكمة (وهو ما توقف منذ سنة 1975). وفي عام 1974 صدر قانون لمكافحة الإرهاب سنة 1974 محتوياً نصوصاً مؤقتة، أستمر تطبيقها حتى سنة 2000، وذلك في أعقاب الهجوم بالقنابل الذي مارسه الجيش الايرلندي في برمنجهام مما أدى إلى سقوط كثير من الضحايا. وقد بدأت المملكة المتحدة في التفكير في سياسة أخرى لمواجهة الإرهاب منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار مع الجيش الايرلندي سنة 1994 الذي تم خرقه سنة 1996، بالإضافة إلى الحكم الصادر بأن توسيع سلطات الشرطة الذي تم سنة 1988 جاء مخالفا للمادة 15 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان [45]. لهذا بدأ إعادة النظر في قوانين مكافحة الإرهاب سنة 1996 بناء على تقرير اللورد Lloyd مما أسفر عن تعديل قانون مكافحة الإرهاب سنة 1998 عن طريق إدخال جزء كبير من مواد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية فى القانون البريطانى تضمن إلغاء النص المخالف للمادة 15 من هذه الاتفاقية ، إلا أن هذا التعديل لم يتضمن تغييرا أساسيا فى فلسفة قانون مكافحة الإرهاب. وفى عام 2000 صدر قانون مكافحة الإرهاب متضمنا نصوصا تواجه كلا من الإرهاب الايرلندى وغيره من أشكال الإرهاب الأخرى . وتخلى هذا القانون عن طابع التأقيت الذى كان يتميز به القانون السابق الذى يواجه الإرهاب الايرلندى .
وقد تضمن هذا القانون تعريفا للإرهاب تميز بالتوسع مما أدى إلى انطباق تعريف الإرهاب على ارتكاب أفعاله أو التهديد بها، وسواء وقع الإرهاب داخل المملكة المتحدة أو خارجها. وقد أدى هذا التعريف الواسع إلى توسعة سلطات الشرطة في مواجهة الإرهاب، وهو ما دفع البعض إلى وجوب التحقق من أن هذه السلطات ضرورية ومتناسبة [46].
وعقب أحداث 11 سبتمبر اضطرت المملكة المتحدة إلى إدخال عدة تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب تحت تأثير عدة أسباب تتمثل في الإيمان بأن هذه الأحداث تشير إلى تطور أشكال الإرهاب وعدم انحصاره في مكان معين، ووقوعه تحت تأثير أفكار دينية وثقافية أكثر من مجرد الرغبة في تحديد المصير، وأن هذا التغيير يقوده تنظيم (القاعدة) وينذر بتصاعد التهديد بالإرهاب. هذا بالإضافة إلى الاهتمام بمضاعفة الأمن وطمأنة الجمهور. وقد اهتمت هذه التعديلات بألا يقتصر دور القانون على وضع سياسة رد الفعل ضد أحداث الإرهاب بل وضع سياسة مواجهة الإرهاب قبل وقوعه وإدارة أخطاره. وأعلنت الحكومة اضطرارها إلى العودة إلى استبعاد تطبيق المادة 15 من الاتفاقية الأوروبية حتى يمكن اعتقال الأجانب، وذلك بناء على تعرض المملكة المتحدة لتهديد بالإرهاب من أشخاص يشتبه في تورطهم في الإرهاب الدولي. وقد رصد مجلس أوروبا هذا الاستثناء في 18 ديسمبر سنة 2001 وعلله وزير الدولة البريطاني بأن أحداث 11 سبتمبر سنة 2001 وقرارى مجلس الأمن في هذا الشأن تشير إلى التهديد بالإرهاب الدولي وتسمح للدول لكى تتخذ التدابير لحماية نفسها. وصرح وزير الخارجية البريطانى بأن الإرهابيين هم الأكثر قوة حيث تكون الدول أكثر ضعفا [47].
وعرفت المملكة المتحدة قانون الإرهاب لسنة 2000 الذي تضمن 8 أقسام، واحتوى على قدر كبير من التدابير القضائية وشبه القضائية لمراجعة الاحتجاز Detention  الذي تمارسه الشرطة لمدة 48 ساعة بعد القبض. واحتوى هذا القانون على تعزيز سلطات رجال الشرطة للمحافظة على الأمن ومكافحة الإرهاب ، وضبط الأموال المستخدمة في تمويل الإرهاب وتعديل القواعد العقابية والإجرائية لمكافحة الإرهاب، ووضع نصوص للمحافظة على الأمن الجوي. كما وضع هذا القانون نصوصا تتعلق بالمشتبه فيهم من الإرهابيين الدوليين تسمح باعتقالهم وإبعادهم إداريا، مع إعطاء الحق للمشتبه فيهم باستئناف ما يصدر ضدهم أمام لجنة استئنافية خاصة بالهجرة وحرمانهم من الالتجاء إلى القضاء بشأن أى إجراء يتخذ ضدهم (المواد من 21 إلى 32). وبهذا القانون، وضعت قوانين مكافحة الإرهاب في مدونة واحدة، وفي سنة 2001 صدر قانون مكافحة الإرهاب متضمنا إضافات وتعديلات على قانون سنة 2000. وقد تضمن هذا القانون جرائم جديدة، وعنى بتنفيذ الالتزامات الدولية التي رتبها قرار مجلس الاتحاد الاوروبي سنة 2001 بوضع إطار لمكافحة الإرهاب. وفي عام 2005 صدر قانون بتعديل قانون مكافحة الإرهاب فوضع نظاما جديدا للاعتقال بغير محاكمة الذي كان منصوصا عليه في قانون 2001، والذي كان يتم بناء على مجرد أوامر تنفيذية، فاشترط القانون وجود تأييد المحكمة لهذه الأوامر. التي صدرت باعتقال الكثيرين انتظارا لإبعادهم خارج المملكة المتحدة.
وفي سنة 2006 على أثر الانفجارات التي حدثت في لندن سنة 2005 صدر تعديل لقانون مكافحة الإرهاب تضمن تجريم أفعال جديدة اعتبرت تشجيعا للإرهاب. وفي هذا النص اعتبر تشجيعا للإرهاب نشر التصريحات التي يمكن أن تفهم من الجمهور بأنها تشجيع مباشر أو غير مباشر أو تحريض على ارتكاب الإرهاب أو تحبيذا لأعمال الإرهاب أو جرائم معينة منه. كما تضمن هذا القانون جرائم التدريب على الإرهاب والتحضير له، ووسع من سلطة الشرطة في الحبس بعد القبض، وذلك لمدة 28 يوما بشرط موافقة القاضي. ورفض البرلمان البريطاني اقتراحا بجعل المدة 90 يوما واعتبر ذلك إنكارا للحرية.
وقد تعرض قانون مكافحة الإرهاب البريطاني لعدة انتقادات، منها ما أورده اللورد Lloyd عند مراجعته للقانون سنة 1996 إذ سجل بأن تشريع مكافحة الإرهاب يجب أن يكون بقدر الإمكان قريبا من القانون الجنائي العادي (بشقيه العقابي والإجرائي)، وأن الجرائم الجديدة يجب أن تكون ضرورية لمواجهة التهديد المتوقع، وأنها يجب أن تحقق التوازن الصحيح بين احتياجات الأمن واحتياجات حريات الفرد [48].
22- (ثالثا) : مواجهة الإرهاب فى فرنسا:
عرفت فرنسا فى الفترة ما بين 1972 و 1987 الإرهاب عندما كانت المنظمات الشيوعية المقاتلة تستخدم أوروبا مسرحا للجريمة. ويشار إلى أنه فى أوائل الثمانينيات كانت فرنسا مسرحا للهجمات الإرهابية بين المهاجرين الفلسطينيين والمهاجرين الإسرائيليين، وبين المهاجرين الأرمن والمهاجرين الأتراك. وتحت تأثير موقف فرنسا المؤازر للولايات المتحدة فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى عرفت فرنسا بعض الموجات الإرهابية ، بدأت بحادث قطار باريس – تولوز فى 22 مارس سنة 1982 مستهدفا مصالحها السياسية والاقتصادية وشعبها .
وعرفت فرنسا فى الفترة من 1985 و 1986 نوعا من الإرهاب تحت تأثير بواعث سياسية ودينية . ويشار إلى أنه منذ سنة 1993 بسبب سياسة فرنسا فى دعم سياسة الحكومة الجزائرية تجاه الإسلاميين جعلها هدفا لهجمات تنظيم الجهاد ، وأنه فى الفترة من 1996 إلى 1999 تضاعفت الخلايا الإرهابية فى أوروبا واتخذت أسلوب تنظيم القاعدة، وما بين ديسمبر سنة 2000 وأبريل سنة 2001 كشفت الأجهزة الايطالية والألمانية والفرنسية خلية إرهابية تخطط لمهاجمة كاتدرائية استراسبورج . وفى 12 سبتمبر سنة 2001 بدأ مكتب الإدعاء العام فى باريس تحقيقات أولية للبحث فى فرنسا عن إمكان وجود شركاء للأحداث الإرهابية التى وقعت فى الولايات المتحدة  [49] .
وقد بدأت فرنسا فى تأسيس سياستها الجنائية على أربعة مبادئ هى : التخصص ، والمركزية ، والتنسيق المنظم ، والاتصال وتبادل المعلومات بين مختلف الأجهزة لبحث العلاقة بين أفراد الخلايا الإرهابية . وقد اقتضت هذه المبادئ إنشاء إدارات متخصصة ومركزية داخل الشرطة لمواجهة الإرهاب ، بجانبها قضاء متخصص فى هذا النوع الخطير من الجرائم .
وقد التجأت فرنسا ابتداء فى محاربة الإرهاب إلى قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية ، مع الأخذ بنظام قانونى يخالف القواعد العامة واعتبار العمل الإرهابى وصفا له ذاتيته القانونية . ولم يترتب على مخالفة القواعد العامة فى نصوص قانونى العقوبات والإجراءات الجنائية أى نقد جوهرى من جانب المجلس الدستورى الفرنسى الذى أكد فى 3 سبتمبر سنة 1986 أن نصوص محاربة الإرهاب تجد تبريرها فى الطابع الخاص للإرهاب  [50] .
     وفى 23 يناير سنة 2006 صدر فى فرنسا قانون مكافحة الإرهاب الفرنسى متمثلا فى إجراء تعديلات على القانون رقم 73 الصادر فى 21 يناير سنة 1995 بشأن التوجيه ووضع البرامج فى مجال الأمن، وعلى قانون الإجراءات الجنائية، وقانون البريد والاتصالات، وقانون الأمن الداخلى، وقانون العقوبات، والقانون المدنى، والقانون المتعلق بحرية الاتصالات، وقانون النقد والتمويل، والقانون المنظم للأنشطة الخاصة فى مجال المراقبة والحراسة ونقل الأموال، وقانون الطيران المدنى، وقانون التأمين، والقانون الخاص بحرية الصحافة، والقانون الخاص بتنظيم وتعزيز الأنشطة البدنية والرياضية.
     وبمقتضى القانون الصادر سنة 2006 طرأ نوعان من التعديلات المباشرة على قانون العقوبات الفرنسى ، الأول يتضمن إنشاء جرائم عدم القدرة علـى تبريـر وجـود موارد تتعلق بسير الحياة أو عدم القدرة على تبرير مصدر المال ، وتسهيل تبرير الموارد المشبوهة لدى الأشخاص ( المواد : 321 - 6 ، 321 - 6 -1 ، 321 – 10-1 عقوبات فرنسى) . والثانى بشأن الجماعات الإرهابية وذلك بتشديد العقاب على مديريها، والتوسع فى تجريم هذه الجماعات بالنظر إلى الجرائم التى تحضر لها (المواد : 421 – 21 و 421 - 5/1 و 421 – 6) .
     واستحدث قانون الإجراءات الجنائية المادة 706 – 24 إجراءات التى تسمح لرجال الضبط القضائى بعدم إظهار شخصياتهم إلا من خلال أرقامهم المسجلة إداريا ، مع معاقبة من يظهر شخصياتهم بطريقة غير مشروعة (المادة 706 إجراءات).
     كما تضمن تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية نصت على مركزية محاكم تطبيق العقوبات بباريس (التى تشرف على تنفيذها) بشأن المحكوم عليهم فى جرائم إرهابية ، وإنشاء محاكم جنايات متخصصة للأحداث الإرهابية (المادة 706 – 25) ، والتدخل الاستثنائى لقاضى الحريات لإطالة القبض الذى يمارسه مأمور الضبط garde a vue   فى حالة توافر خطر جوى ينذر بوقوع عمل إرهابى .
     كما استحدث هذا القانون نظاما لتحسين تعويض ضحايا الأعمال الإرهابية [51].
23- (رابعا) : مواجهة الإرهاب فى إيطاليا:
تصاعد الإرهاب فى ايطاليا تدريجيا تحت تأثير التطرف الايديولوجى سنة 1968 فى كل من تورينو وجنوا وميلانو. ووقعت واكتشفت حوادث إرهابية، منها كشف محاولة حفر نفق فى روما قريب من سفارة الولايات المتحدة بقصد القيام بهجوم كيميائى. كما تم القبض على بعض الإرهابيين المتهمين بالانضمام إلى خلايا تنظيم القاعدة . وقد أدى ذلك وغيره إلى التأثير فى الخطوات التشريعية بايطاليا لاتخاذ تدابير لمواجهة الإرهاب ومحاربة تهديداته. وحرصت ايطاليا على أن تكون خطواتها لمواجهة الإرهاب مصحوبة بالالتزام باحترام مبادئ حقوق الإنسان ، بما فى ذلك عدم التمييز ، وحرية الاجتماع وحرية العقيدة ، واحترام الضمانات بما فى ذلك أن الأصل فى المتهم البراءة، وحق الدفاع ، والحق فى المحاكمة أمام محكمة مستقلة محايدة . وقد كانت مشكلة التوازن بين متطلبات حماية السكان من تهديد الإرهاب والمحافظة على حماية حقوق الإنسان هى أحد اهتمامات التشريع الايطالى .
وعلى أثر أحداث 11 سبتمبر سنة 2001 فى الولايات المتحدة صدر مرسوم تنفيذى فى 18 أكتوبر سنة 2001 أعقبه صدور قانون فى 15 ديسمبر سنة 2001 بشأن التدابير العاجلة ضد الإرهاب الدولى . وفى سنة 2005 صدر القانون رقم 155 فى 31 يولية سنة 2005 لمواجهة الأخطار العاجلة للإرهاب . كما صدر المرسوم التنفيذى رقم 144 فى 27 يونية سنة 2005 فى هذا الشأن .
وقد شهدت هذه الأدوات التشريعية توسيع سلطات الاستدلال والتحقيق عن الإرهاب من خلال قواعد خاصة تتعلق بتسجيل المكالمات التلفونية وكشف بطاقات تحقيق الشخصية المزورة ، وتفعيل العمل بالتدابير التحفظية التى استخدمت لمواجهة جرائم المافيا . إلا أن قانون سنة 2005 اعتمد قبل كل شئ على تعديل المادة 270 مكررا من قانون العقوبات الايطالى . وقد تضمن هذا التعديل معاقبة من يثبت أنه قام بتشجيع أو إنشاء أو تنظيم أو إدارة أو تمويل جماعات إرهابية تعتزم ارتكاب أنشطة العنف لأغراض إرهابية ، ومعاقبة الأفراد الذين يشاركون فى هذه الجماعات . كما تضمن هذا التعديل تجريما لظاهرة الإرهاب الدولي حيث تعمل جماعات فى ايطاليا لتشجيع العنف ضد دولة أجنبية أو منظمة دولية.
وعلى الرغم من تعديل المادة 270 مكررا من قانون العقوبات الايطالي فان عدم وجود تعريف قانونى لجريمة الإرهاب أدى إلى عدة مشاكل في التطبيق، ولهذا صدر الأمر تنفيذي رقم 144 لسنة 2005 بتعريف الأعمال التي ترتكب بقصد إرهابي لحل هذه المشكلات مستوحيا هذا التعريف من المادة الأولى من القرار الإطاري الذي وضعه مجلس الاتحاد الأوروبي بشأن محاربة الإرهاب في 13 يونيه سنة 2002. ويتوافر هذا القصد إذ اتجه القصد نحو تخويف السكان أو تقييد سلطات الدولة أو إقصاء المنظمات الدولية للقيام بأى نشاط أو الامتناع عنه، أو هز الاستقرار أو تحطيم الهياكل الاساسية السياسية أو الدستورية أو الاقتصادية أو الاجتماعية في دولة ما أو في منظمة دولية.
وطرأت على التشريع الايطالي تعديلات اجرائية استهدفت تقوية سلطات جمع المعلومات والاستدلالات بشأن الإرهاب، بما في ذلك السماح بتسجيل المكالمات التليفونية بترخيص من المدعي العام لدى محكمة الاستئناف في المنطقة التي وضع فيها الشخص تحت المراقبة، أو إذا ما اقتضت السرعة ذلك لتلبية احتياجات الاستدلال. وقد انتقد ذلك جانب من الفقه [52] على أساس عدم اتفاقه مع المبادئ الدستورية وخاصة مع غموض الشروط التي تبيح تسجيل المكالمات التليفونية. ولهذا، فان المعلومات المستخلصة من خلال التسجيلات التي تمت لكشف الجريمة تستبعد من الأوراق الرسمية للاستدلال ولا يجوز افشاؤها شفويا أو بأية طريقة أخرى.
وتمثل النوع الثاني من التعديل الحد من نطاق الرقابة القضائية، من خلال تخويل الشرطة سلطة احتجاز المشتبه فيه لمدة لا تزيد على 24 ساعة دون منحه حق الاستعانة بمحام، وذلك حتى يمكن التحقق من شخصيته (المادة 349 اجراءات ايطالى). ويشترط فقط اخطار النيابة العامة بما في ذلك دون اشتراط موافقة القاضى، وللنيابة العامة أن تأمر بالافراج الحالى عن المشتبه فيه المحبوس إذا تأكد من عدم توافر متطلبات تقييد الحرية. وقد سمح القانون في سبيل التحقق من شخصية المشتبه فيه أخذ عينة من الشعر أو اللعاب بالقوة بشرط احترام كرامته الشخصية.
كما تضمن التشريع الايطالي لمواجهة الإرهاب النص على مجموعة من التدابير الادارية للحيلولة دون الهجمات الإرهابية ضد الأمن العام. وقد تضمن ذلك إعادة تنظيم استخدام الجمهور للتليفون والإنترنت، وحركة البيع لبعض انواع المتفجرات وأدوات التفجير، وذلك للمحافظة على سلامة المعلومات المستمدة من الاتصالات وتدابير إدارية لمنع الإرهاب في المطارات، بالإضافة إلى تدابير أخرى للتعامل مع الهجرة غير الشرعية واستبعاد الأجانب لاسباب تتعلق بتهديد النظام العام أو أمن الدولة، أو إذا توافرت أسباب تفيد أن تواجد الأجنبي على إقليم الدول قد يسهل النشاط الإرهابي.
ويشار إلى أن مواجهة الإرهاب في ايطاليا جاء لتأكيد أن فكرة الأمن أصبحت ضرورية لكيفية الحياة، مثلها في ذلك مثل الحق نفسه وليس كمجرد شرط للتمتع بالحق، وأن الأمن كحق للفرد يجب تنميته مع الحريات الفردية والنظر إليه كهدف تحققه الدولة وللسلطات العامة بما يتمشى دائما مع مبادئ حكم القانون والمعايير الدولية [53].
24- (خامسا) مواجهة الإرهاب في أسبانيا:
كان الارهاب المناهض للسلطة يواجه في حكم فرانكو من خلال القمع الشامل واستخدام القوات المسلحة، وكان موجها بوجه خاص ضد منظمة ايتا وبعد انتهاء عصر فرانكو قامت اسبانيا بمجموعة من الإجراءات في إطار عملية التحول الديمقراطي بغية وضع نهاية للعنف الداخلي التي شهدته أسبانيا في ذلك الوقت. وحقق التحول الديمقراطي وإعطاء الحكم الذاتي لإقليم الباسك نجاحا جزئيا على الإرهاب. وفي عام 1980 أعلنت منظمة الإيتا نبذها الكلي للعنف وقيامها بحل هيكلها التنظيمي السري. إلا أن قادة الجناح العسكري لهذه المنظمة بقى على موقفه وقاموا بتهديد كل الذين اختاروا طريق الاندماج في الحياة السياسية الاسبانية، مما أدى إلى قيام الحكومة بتشتيت أعضاء هذه المنظمة المسجونين أو المتعاونين مع جناحها العسكري في ربوع البلاد بدلا من تجميعهم في عدد قليل من السجون، بغية أن يفقد قادة المنظمة سيطرتهم عليهم. وقد أدى ذلك إلى أن عددا من المحكوم عليهم في جرائم تتعلق بالجناح العسكري لايتا أعلنوا قبولهم لإجراءات إعادة الاندماج واستطاعت اسبانيا أن تعقد اتفاقات سياسية بين الأحزاب الرئيسية وبين اللاعبين الآخرين ذوي الصلة تتعلق بصياغة سياسات مكافحة الإرهاب. وفي نوفمبر 1987 تم التوقيع على ميثاق مدريد من قبل أغلبية الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان الوطني، وتلاه ميثاق آخر سنة 1988 يطلق عليه اسم ميثاق أخوريا أنيا Ajuria Anea لنشد السلام وتطبيع الأوضاع في بلاد الباسك. وكان للميثاقين تأكيد كبير في اتخاذ التدابير الحكومية لمكافحة الإرهاب وتنفيذها حتى منتصف التسعينيات على الأقل. وفي أكتوبر سنة 1988 تم التوصل إلى اتفاقية مماثلة من قبل القوى السياسية والاجتماعية بهدف توفير الظروف المواتية للمواطنين وتعبئتهم ضد منظمة الإيتا ومؤيديها.. إلا أن قادة حزب الباسك القدامى سعوا في مطلع التسعينات للتحالف مع تشكيلات فوقية أخرى خاضعة لمنظمة الإيتا بشكل واضح. وفي ديسمبر سنة 2000 وقع أكبر حزبين في حكومة الباسك المستقلة اتفاقا للدفاع عن الحريات المدنية وضد الإرهاب، كأول اتفاق ضد الإرهاب منذ التحول الديمقراطي في اسبانيا، وبقيت منظمة الإيتا الإرهابية تعمل وحدها لغرض أهداف الأقلية بخلاف مواطني الباسك والذين يملكون مؤسساتهم المستقلة وينتخبون ممثليهم السياسيين. وفي عام 2002 أقر البرلمان الاسباني قانونا جديدا للأحزاب يسمح للحكومة، بناء على طلب البرلمان، أن تطالب بإجراءات قضائية لحظر نشر الجماعات السياسية التي لا ترغب في إدانة الإرهاب أو التي لا زالت تحتفظ بعلاقات مع منظمة إرهابية.
وكان من مظاهر التحول الديمقراطي أنه بعد أن كان التعامل مع الإرهاب يتم من خلال المحاكم العسكرية، أن أنشئت في يناير 1977 أنشئت محكمة وطنية في مدريد لنظر الجرائم المنظمة والأعمال الإرهابية.
وفي ديسمبر 1978 صدر قانون لمكافحة الإرهاب عندما بلغ تصعيد النشاط الإرهاب ذروته. وضم ذلك القانون بنوداً خاصة حول زيادة أحكام بالإدانة وزيادة مدة الحبس الاحتياطى ووضع القيود على ضمان إذن القضاء بتفتيش المساكن واعتراض الاتصالات الخاصة. ثم صدر تشريع جديد لمواجهة الإرهاب فى ديسمبر 1984 يسير على نفس النمط والعرف السائد آنذاك. وهذا التشريع الذى ربما كان الأهم والأكثر إثارة للجدل تم تطبيقه عامى 1985 و1986. بيد أنه بنهاية عام 1987 ألغت المحكمة الدستورية بعض البنود الجديدة مثل مد فترة الاحتجاز حتى عشرة أيام. وتم إلغاء ذلك التشريع المضاد للإرهاب بشكل نهائى في مايو 1988 ليس فقط بسبب عدم دستورية بعض بنوده، بل بسبب عدم التوافق السياسى حول إجراءات مكافحة الإرهاب التى تم التوصل إليها فى مطلع عام 1988 عندما وقعت الأحزاب الرئيسية فى أسبانيا ككل، خاصة أحزاب الباسك، اتفاقات آخوريا آنيا. وقد أدخلت بعض البنود غير المثيرة للجدل من التشريع الملغى فى تشريع عادى لاحق.
وقد خصص قانون العقوبات الصادر سنة 1995 فصلا خاصا لمواجهة جرائم الإرهاب، وفى مطلع 2001 تم تعديل هذا القانون ليتضمن بنوداً جديدة تم تكييفها مع التغييرات التى لوحظت على الممارسات الإرهابية منذ منتصف التسعينات. وكرد فعل على التعبئة الجماهيرية الكبيرة ضد منظمة إيتا فى إقليم الباسك وضع قادة إيتا خطة لتكملة الأعمال الإرهابية مثل السيارات الملغومة أو الاغتيالات وغيرها من أعمال التى كان يرتكبها خلال عطلة نهاية الأسبوع ما يقرب من 150 من الصبية المراهقين الذين تشبعوا بثقافة الكراهية والإقصاء، وذلك بغرض التحرش بمواطنى الباسك الذين يعلنون أنهم ليسو قوميين. وبالإضافة لتلك الأعمال التى كانت تهدف إلى الإخلال بالنظام الدستورى وتهديد السلم العام أصبحت الأعمال الإرهابية تشمل كذلك كلا من الأعمال الإجرامية المقصود بها ترويع قطاع ما من السكان أو مجموعة اجتماعية أو سياسية، والأعمال الإرهابية التى يقوم بها شباب بين سن 18 و21 الذين يحاكمون بالتالى أمام محاكم خاصة، وتقريظ أعمال الإرهاب والإشادة بها وتبريرها، والتحقير من شأن ضحايا الإرهاب وأقاربهم. وبالمثل نصت على حرمان المحكوم عليهم لارتكابهم جرائم إرهابية ن تولى الوظائف العامة لمدة عشرين عاما على الأقل.
ونص قانون الإجراءات الجنائية المعدل سنة 1988 على توسيع سلطة الشرطة في التنصت على الاتصالات والمراسلات بدون اذن قضائي في حالات الاستعجال ولمدة محددة (المادة 579 من قانون الإجراءات الجنائية) اعتماداً على المادة 18/3 من الدستور الاسباني، كما نص على السماح بتفتيش المساكن بدون إذن قضائي مسبق وفي غير حالة التلبس في حالات استثنائية أو بسبب الضرورة العاجلة (المادة 533 من قانون الإجراءات الجنائية) اعتمادا على المادة 18/2 من الدستور الاسباني) وسمح بإطالة مدة الاحتجاز المسموح به للشرطة ومدته 70 ساعة إلى خمسة أيام بموافقة القاضي (المادة 520 مكررا من قانون الإجراءات الجنائية) وذلك تأسيسا على المادة 17/2 من الدستور بدلا من 48 ساعة في غير جرائم الإرهاب [54].
25- (سادسا) مواجهة الإرهاب وفقا للقانون المصرى:
استندت مكافحة الإرهاب في مصر على أساسين قانونيين يتفقان مع الدستور:
(الأول) هو القانون العام متمثلا في قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية وقانون غسل الأموال. فقد صدر القانون رقم 97 لسنة 1992 مضيفا بعض المواد لقانون العقوبات تحت القسم الأول من الباب الثاني من هذا القانون (الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل) وقد تضمنت هذه المواد تعريف الإرهاب (المادة 86) وتحديد جرائمه وعقوباتها (المواد 86 مكررا، و86 مكررا (أ) و86 مكررا (ب) و86 مكررا (جـ) و86 مكررا (د) و88 و88 مكررا من قانون العقوبات).
وبمقتضى قانون رقم 97 لسنة 1992 عدل القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة. ونصت المادة السابعة مكررا من هذا القانون في فقرته الثالثة على أن يكون لمأمور الضبط القضائي إذا توافرت لديه دلائل كافية على اتهام شخص بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في القسم الأول من الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات (والذي يحتوي على المواد التي تعاقب على الإرهاب) أن يتخذ الإجراءات التحفظية المناسبة وأن يطلب من النيابة العامة خلال أربعة وعشرين ساعة على الأكثر أن تأذن له في القبض على المتهم. وللنيابة العامة في هذه الحالة ولأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع أن تأذن بالقبض على المتهم لمدة لا تتجاوز سبعة أيام. ويجب على مأمور الضبط القضائي أن يسمع أقوال المقبوض عليه ويرسله إلى النيابة العامة المختصة بعد انتهاء المدة المشار إليها في الفقرة السابقة، ويجب على النيابة العامة أن تستجوبه في ظرف اثنتين وسبعين ساعة من عرضه عليها، ثم تأمر بحبسه احتياطيا أو إطلاق سراحه [55]وقد جاء القانون رقم 95 لسنة 2003 فألغى القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة سالف الذكر وألغيت بذلك كافة السلطات التي منحتها المادة السابعة مكررا من ذلك القانون لمأمور الضبط القضائي في جرائم الإرهاب. إلا أن القانون رقم 95 لسنة 2003 عدل المادة 206 مكررا من قانون الإجراءات الجنائية، وأصبح لأعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل سلطات قاضي التحقيق في جرائم الإرهاب [56] فضلا عن سلطة محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة المبينة في المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية [57].
وصدر القانون رقم 80 لسنة 2003 بشأن مكافحة غسل الأموال، وذلك باعتبار ان غسل الأموال يعد مصدرا أساسيا لتمويل الجماعات الإرهابية. وبمقتضى هذا القانون أنشئت بالبنك المركزي وحدة مستقلة ذات طابع خاص لمكافحة غسل الأموال. ومن اختصاص هذه الوحدة القيام بأعمال التحري والفحص وإبلاغ النيابة العامة بما يسفر عنه ذلك، ولها أن تطلب من النيابة العامة اتخاذ التدابير التحفظية التي تكفل تجميد الأموال المشتبه في طبيعتها ومصدرها مما يعد جريمة معاقباً عليها في هذا القانون ومنع الأفراد أو الكيانات التي تملك أو تحول إليها هذه الأموال من التصرف فيها (المادة 5).
وبالإضافة إلى ذلك، حظر القانون رقم 84 لسنة 2003 بإصدار قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية – إنشاء الجمعيات السرية التي تمارس نشاط تكوين التشكيلات العسكرية أو تهديد الوحدة الوطنية، كما اشترط هذا القانون لتلقي الجمعيات تبرعات من الخارج من الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص الاعتباريين موافقة الجهة الإدارية.
وبجانب ما تقدم فقد صدقت مصر على معظم اتفاقيات الأمم المتحدة المعنية بمكافحة الإرهاب، وآخرها اتفاقية قمع تمويل الإرهاب، واتفاقية قمع الهجمات الإرهابية بالقنابل، واتفاقية قمع الإرهاب النووي. كما صدقت على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لسنة 1998 واتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لمنع الإرهاب.
(الثاني) هو قانون الطوارئ الصادر بالقرار بقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ. ويسرى هذا القانون بمقتضى إعلان حالة الطوارئ طبقا للمادة 148 من الدستور.
وقد أصدر مجلس الشعب القرار رقم 131 لسنة 2006 بمد حالة الطوارئ المعلنة بقرار رئيس الجمهورية المؤقت رقم 560 لسنة 1981 لمدة سنتين اعتبارا من أول يونيه سنة 2006 حتى 31 مايو سنة 2008 أو لمدة تنتهى بصدور قانون لمكافحة الإرهاب أيهما أقرب .
وجاء التعديل الدستوري الثالث الصادر في 29 مارس سنة 2007 فاستحدث المادة 179 من الدستور التي نصت على أن تعمل الدولة على حماية الأمن والنظام العام في مواجهة أخطار الإرهاب، وينظم القانون أحكاما خاصا بإجراءات الاستدلال والتحقيق التي تقتضيها ضرورة مواجهة هذه الأخطار، وبحيث لا يحول الإجراء المنصوص عليه في كل من الفقرة الأولى من المادة 41 والمادة 44 والفقرة الثانية من المادة 45 من الدستور دون تلك المواجهة، وذلك كله تحت رقابة القضاء.
ولرئيس الجمهورية أن يجعل أية جريمة من جرائم الإرهاب إلى أية جهة قضاء منصوص عليها في الدستور أو القانون).
وبمقتضى هذا النص تحدد الإطار الدستوري لمواجهة الإرهاب وفقا للمبادئ الآتية:
(1)  التزام الدولة بالعمل على حماية الأمن والنظام العام في مواجهة أخطار الإرهاب. ويشير هذا المبدأ إلى المصالح المحمية من وراء مواجهة الإرهاب وهى الأمن والنظام العام – سواء كان الأمن عاما يتصل بكيان الدولة أو أمنا للأشخاص وسواء الممتلكات. ويتسع هذا الالتزام إلى منع وقوع الإرهاب من خلال تدابير الضبط الإداري وغيرها من الوسائل، بالإضافة إلى قمع الإرهاب وقوعه . ويقتضى ذلك وضع إستراتيجية لمواجهة الإرهاب تتسع لما يعتبر من جرائمه ، وتحديد وسائل منعه وكشفه مبكرا ووضع الإجراءات الجنائية الكفيلة بالضبط والتحقيق بمراعاة الضرورة والاستعجال ، وبيان آليات التعاون الدولى لمواجهة الإرهاب . وفى هذا الصدد أعد مكتب المخدرات والجريمة فى فيينا التابع للأمم المتحدة سنة 2006 ورقة عمل لمساعدة الدول الأعضاء فى وضع إستراتيجية مواجهة الإرهاب ، إعمالا للقرار رقم 175 الذى أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2006 فى دورتها الستين وقد تضمنت هذه الورقة مشروع قانون ضد الإرهاب لمساعدة الدول الأعضاء عند وضع هذا القانون وقبل هذا التاريخ . وفى عام 2004 كان مكتب فيينا التابع للأمم المتحدة قد أعد دليلا تشريعيا للاتفاقيات والبروتوكولات المناهضة للإرهاب، لمساعدة الدول الأعضاء على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1373 لسنة 2001 الذى دعا هذه الدول لاتخاذ الخطوات الضرورية لمنع ارتكاب الأعمال الإرهابية.
(2)  أن ينظم القانون الخاص بمواجهة الإرهاب أحكاما خاصة بإجراءات الاستدلال والتحقيق، بمعنى أن الدستور قد أجاز الخروج عن القواعد العامة من خلال هذا التنظيم. ولم يشر القانون إلى الخروج عن القواعد العامة بالنسبة إلى إجراءات المحاكمة، على أن ذلك لا يحول دون وجود تنظيم خاص للمحاكم المختصة بقضايا الإرهاب طالما أنها تلتزم بالضمانات المقررة في القانون العام عند المحاكمة.
(3)  أن الخروج عن القواعد العامة تحكمه الضرورة. وبناء على هذا المعيار لا يحول الإجراء المنصوص عليه في كل من المادة 41/1 والمادة 44 والمادة 45/2 من الدستور، دون تلك المواجهة. ويتمثل هذا الإجراء في الأمر القضائي الذي أسمته المادة 41 من الدستور بالأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وأسمته الدولة 44 من الدستور بالأمر القضائي المسبب وفقا لأحكام القانون، وأسمته المادة 45 بالأمر القضائي المسبب ولمدة محددة ووفقا لأحكام القانون.
(4)  تأكيد رقابة القضاء على ما يتخذ من إجراءات عند مواجهة الإرهاب وذلك من خلال التحقق من مشروعيتها وفقا للأحكام التي ينص عليها القانون وبعد التأكد من توافر شرط الضرورة والاستعجال عند تطبيق المواد 41 و44/2 و45 من الدستور.
(5)  سلطة رئيس الجمهورية في أن يحيل أية جريمة من جرائم الإرهاب إلى أية جهة قضاء منصوص عليها في الدستور أو القانون. وقد حددت المواد 165 و171 و172 و174 و183 جهات القضاء . وعلى القانون الخاص بمكافحة الإرهاب أن ينظم طريقة تطبيق الفقرة الثانية من المادة 179 من الدستور. 


يتبعه >>> (3/4) الفصل الثالث : التوازن بين المحافظة علي الأمن وحماية حقوق الإنسان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق