الأربعاء، 22 يناير 2020

الدعوى رقم 25056 لسنة 71 قضاء اداري

المستحدث في قضاء مجلس الدولة يناير ٢٠٢٠
علاقة الصحافة والاعلام بالدعاوي المنظورة امام القضاء

حكم محكمة القضاء الاداري - الدائرة الثانية - القاهرة
في الدعوى رقم 25056 لسنة 71 ق
برئاسة معالي المستشار فتحي بك توفيق نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية كلا من معالي المستشار ابراهيم بك عبدالغني و معالي المستشار حامد بك محمود المورالي نائبا رئيس مجلس الدولة
- استقلال القضاء لا يقصد من ورائها حماية شخص القاضي ذاته ، وإنما الهدف أساس كفالة استقلاله في الرأي والحيدة والتجرد في أحكامه ، وتمكينه من مواجهة أية ضغوط أو مؤثرات قد يتعرض لها
- الاستقلال الحقيقي للقضاء يتحقق في الحصانة الذاتية والعصمة النفسية، فلا تخلقها النصوص ولا تقررها القوانين ، وإنما تكفل فقط الضمانات التي تؤكد هذه المعاني وتعززها، وتسد كل ثغرة قد ينفذ منها السوء إلى استقلال القضاء
- نشر الإجراءات القضائية يعد من صميم عمل وظيفة أجهزة الإعلام ومن طبيعة عملها ، وهو نتيجة حتمية لحرية الصحافة ولحق الناس في معرفة ما يجري في المجتمع ، وفى مباشرة رقابتهم على الديمقراطية وسير العدالة ، فالإجراءات القضائية العلنية امتداد منطقي لهذه العلانية ، وهي تؤكد الثقة في القضاء وتدعم استقلاله ، إلا أن المشرع المصري تنبه لخطر النشر الذي يكون من شأنه التأثير في القاضي أو المحقق أو الشاهد أو الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوي أو ضده
- يفسد سير العدالة أن يرد النشر بصورة مشوهة أو روائية أو تصحبه تعليقات ولو مستترة تدل على ميل أو اتجاه خاص ورأت أن مثل هذا النشر ينطوي على إخلال بالعدالة
- تجريم النقد الذي يوجه إلى القاضي بمناسبة دعوة قائمة ، يستفاد منها تجريم ذلك النقد ولو كانت عباراته خالية من سب أو قذف أو إهانة
- من المخالفات التي تشكل جرائم جنائية لإخلالها بالخصومة ، مناقشة وسائل الإعلام لوقائع الدعوي وأدلتها وإبداء الرأي فيها والتنبؤ بالحكم الذي يُنتظر أن يصدر في الدعوي أو بالإيحاء به، بأن تصبح الدعوي منظورة على وسائل الإعلام قبل نظرها من القضاء ، وهو ما يشكل تأثيرا في سير العدالة ، لما تنطوي عليه من اعتداء على سلطة القضاء
- نقابة الصحفيين منحها المشرع قدرا من السلطة العامة تمثلت في محاكمة أعضائها تأديبيا في حالة مخالفة الواجبات أو الخروج على مقتضى الواجب في مزاولة الصحفي لمهنته، أو أن يأتي بمظهر من شأنه الإضرار بكرامتها أو يأتي بما يتنافى مع قواعد آداب المهنة
- مجرد تقديم شكوي إلى نقابة الصحفيين أو طلب بإجراء التحقيق دون وجود دلائل وشبهات تفيد احتمالية وقوع الفعل لا يسوغ إحالة المشكو في حقهما إلى لجنة التحقيق ، فالأصل البراءة ، والدليل علي من ادعي ، ولا يجوز إلقاء اتهام دون تقديم بينة ، أو إجراء تحقيق يقوم على افتراض الاتهام ويلقي عبء إثبات البراءة على المتهم ومن ثم لا يكون ثمة امتناع من جانب النقابة المدعي عليها ، الأمر الذي تكون معه الدعوي الماثلة لا تنصب على قرار إداري سواء سلبي أو إيجابي مما يجوز الطعن عليه بالإلغاء، وهو ما يوجب على المحكمة القضاء بعدم قبولها
بطلب الحكم :-
بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار السلبي لنقيب الصحفيين بالامتناع عن إحالة المدعي عليهما أحمد على موسي موسي شحاته، وشهرته / أحمد موسي ، محمد مصطفي بكري محمد، وشهرته / مصطفي بكري إلى لجنة التحقيق بنقابة الصحفيين تمهيدا لإحالتهما إلى هيئة التأديب، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام النقابة المدعي عليه المصروفات .

وتخلص وقائع الدعوي علي نحو ماذكره المدعي :-
أن المدعي عليهما أحمد على موسي موسي شحاته، وشهرته / أحمد موسي ، محمد مصطفي بكري محمد، وشهرته / مصطفي بكري تعمدا نشر أخبار كاذبة وإذاعتها عبر برامجهما بالقنوات الفضائية، حتي وصل الأمر إلى التحريض على حبس زملاء صحفيين مختلفين معهما سياسيا، فضلا عن تعمدهما نشر أخبار كاذبة فيما يخص جزيرتي تيران وصنافير ، حيث أكد المدعي عليه الثاني سعودية الجزيرتين رغم صدور أحكام قضائية بمصريتهما، متحديا القضاء المصري ، والتعرض لقضاة مجلس الدولة ، وهو ما يعد تضليلا للرأي العام ، وهو ما يعد مخالفة لميثاق الشرف الصحفي والأعراف المهنية والمبادئ الصحفية المتبعة في نشر أخبار صحيحة للقارئ، ولذلك فقد تقدم بمذكرة إلى نقيب الصحفيين برقم 6287 بتاريخ 21/11/2016 مطالبا بإجراء تحقيق معهما ومعاقبتهما وفقا لأحكام قانون تنظيم الصحافة، وذلك لارتكاب أفعال تتجاوز حدود ممارسة الرأي، كالسب والقذف ونشر أخبار كاذبة ونشر مداولات الجهات القضائية والتعليق على الأحكام، كما ترتكب الصحافة بعض الجنايات التي من شأنها المساس بالنظام العام والأمن العام كجناية نشر أخبار خاطئة مغرضة تمس أمن الدولة والوحدة الوطنية أو تتضمن سرا من الأسرار العسكرية، وكل هذه الجرائم ترتكب بصفة مباشرة عن طريق الصحافة أو إحدى الوسائل المتصلة بها، وشملت جرائم الإعلام : التشهير، وإفشاء أسرار، وإذاعة أخبار كاذبة ، وجرائم ماسة بسير العدالة، والتحريض على ارتكاب الجرائم، وأضاف المدعي أنه إذ ارتكب المدعي عليهما الثاني والثالث مخالفات تستوجب معاقبتهما وإحالتهما إلى مجلس التأديب وهو ما لم يقم به المدعي عليه الأول رغم تقدمه بمذكرة، فإن ذلك يمثل قرارا سلبيا بالامتناع ، مما حدا به لإقامة دعواه هذه بطلباته سالفة الذكر.

و بجلسة 19/1/2020 حكمت المحكمة: بعدم قبول الدعوي لانتفاء القرار الإداري، وألزمت المدعي المصروفات وأتعاب المحاماه.
وجاء في حيثيات الحكم :-
ان الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت على التأكيد على استقلال القضاء ، فلا يقصد من ورائها حماية شخص القاضي ذاته ، وإنما الهدف أساس كفالة استقلاله في الرأي والحيدة والتجرد في أحكامه ، وتمكينه من مواجهة أية ضغوط أو مؤثرات قد يتعرض لها ، وهي عناصر ضرورية ولازمة لصالح النظام القضائي حتي يؤدي دوره بإرساء دعائم العدل وإعلاء الشرعية وتدعيم سيادة القانون ، فالاستقلال الحقيقي للقضاء يتحقق في الحصانة الذاتية والعصمة النفسية، فلا تخلقها النصوص ولا تقررها القوانين ، وإنما تكفل فقط الضمانات التي تؤكد هذه المعاني وتعززها، وتسد كل ثغرة قد ينفذ منها السوء إلى استقلال القضاء، فمهمة القاضي مهمة فريدة من نوعها ، فبالعدل وحده تصان القيم ، وتستقر المبادئ ، يتضاعف شعور المواطن بالانتماء لوطنه ، ويعلو بناء الإنسان ، وتلك الغايات تعد قمة الأهداف لأي مجتمع ينشد التقدم والحضارة والأمن و الاستقرار، وتدعيم أركان الدولة واستقرارها.

ويعد التأثير في الخصومات والدعاوي القضائية عن طريق النشر والتعليق عليها من مشكلات العدالة التي تنبه لها قانون العقوبات المصري منذ عام 1937 ، فقد أدي تطور الصحافة والإعلام والنشر واستخدام الوسائل الحديثة للإعلام إلي أن الأنباء والأخبار تصل إلى الملايين في لحظات بطريقة فعالة ومؤثرة ، وإن كان نشر الإجراءات القضائية يعد من صميم عمل وظيفة أجهزة الإعلام ومن طبيعة عملها ، وهو نتيجة حتمية لحرية الصحافة ولحق الناس في معرفة ما يجري في المجتمع ، وفى مباشرة رقابتهم على الديمقراطية وسير العدالة ، فالإجراءات القضائية العلنية امتداد منطقي لهذه العلانية ، وهي تؤكد الثقة في القضاء وتدعم استقلاله ، إلا أن المشرع المصري في المادة 187 سالفة الذكر، تنبه لخطر النشر الذي يكون من شأنه التأثير في القاضي أو المحقق أو الشاهد أو الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوي أو ضده ، كما تنبهت المحاكم منذ وقت طويل ومنها محكمة القاهرة الابتدائية إلي أنه مما يفسد سير العدالة أن يرد النشر بصورة مشوهة أو روائية أو تصحبه تعليقات ولو مستترة تدل على ميل أو اتجاه خاص ورأت أن مثل هذا النشر ينطوي على إخلال بالعدالة (دائرة الجنح المستأنفة في القضية رقم 6290 لسنة 1955 جلسة 2/4/1956).
وقد أشارت المذكرة الإيضاحية للمادة 187 عقوبات إلي التعليق بالإشارة أو المساجلة وهي تبادل التعليق، كما أشارت إلي واجب مراعاة الحيطة التامة في نشر الأخبار بين الناس، بما يفيد أن هذه الأفعال قد تكون أخبارا أو تعليقات والتعليق هو إبداء الرأي في واقعة معينة ، كما أن المادة 186 واضحة فيما أشارت إليه من تجريم النقد الذي يوجه إلى القاضي بمناسبة دعوة قائمة ، يستفاد منها تجريم ذلك النقد ولو كانت عباراته خالية من سب أو قذف أو إهانة ، لأن إضافة هذه المادة إلي النصوص الأخرى التي تضمنت جرائم السب والقذف والإهانة، يفهم منها عمومية نص المادة ليشمل كل ما يؤدي إلى اخلال بمقام القاضي أو هيبته أو سلطته ، وعلة النص بينة في أن تلك الأفعال من شأنها التأثير في الخصومة بما يحدثه من تأثير في القاضي أو المتقاضي أو الرأي العام.
وأما من ناحية التعليق بالنشر علي الخصم في الدعوي الإدارية أو المدنية فإنها قد تحدث تأثيرا في سير العدالة، فالطعن في المدعي ـ رافع الدعوي ـ ومحاولة إثارة الرأي العام ضده أثناء نظر الدعوي، قد يدفعه إلى العدول عن الاستمرار في دعواه ، وقد يحول دون آخرين من إقامة دعواهم، لذلك قضت محكمة جنح قصر النيل في الدعوي رقم 807 لسنة 1962 بجلسة 13/12/1962 بأن مهاجمة أحد النقاد لشاعر في دعوي رفعها بالمطالبة بتعويض يعتبر تأثيرا في القضاء وفى الرأي العام بالإقلال من دعواه، كما أن التعليق الذي ينطوي على طعن في خصم يوحي حتما بتأييد الخصم الآخر.
ومن حيث إنه كذلك تكون من المخالفات التي تشكل جرائم جنائية لإخلالها بالخصومة ، مناقشة وسائل الإعلام لوقائع الدعوي وأدلتها وإبداء الرأي فيها والتنبؤ بالحكم الذي يُنتظر أن يصدر في الدعوي أو بالإيحاء به، بأن تصبح الدعوي منظورة على وسائل الإعلام قبل نظرها من القضاء ، وهو ما يشكل تأثيرا في سير العدالة ، لما تنطوي عليه من اعتداء على سلطة القضاء ، إذ هو المختص وحدة بالحكم في الدعوي بناء على الوقائع والأدلة المطروحة عليه وحدها، كما أن استقلال القضاء يقتضي عدم تدخل سلطة أخري في الدعاوي المطروحة عليه ، فضلا عن تأثيره على المجتمع بأن يخلق رأيا عاما يميل إلي اتجاه معين مما يزعزع الثقة في الحكم الصادر من المحكمة، فتمتد الحماية الدستورية للدعوي منذ إيداع عريضتها المحكمة وحتي يتم الفصل فيها بحكم بات لا يقبل الطعن فيه ، إذ تنقضي الخصومة في الدعوي، حيث يصير الحكم عنوانا للحقيقة بل أقوي من الحقيقة ذاتها، إذ لا يقبل دليل ينقض حجية الحكم فيما قضي فيه.
ومن حيث إن مفاد نصوص قانون نقابة الصحفيين أنها شأنها شأن جميع النقابات المهنية منحها المشرع قدرا من السلطة العامة تمثلت في محاكمة أعضائها تأديبيا في حالة مخالفة الواجبات أو الخروج على مقتضى الواجب في مزاولة الصحفي لمهنته، أو أن يأتي بمظهر من شأنه الإضرار بكرامتها أو يأتي بما يتنافى مع قواعد آداب المهنة، ولا ريب في أن احكام قانون العقوبات بما تضمنته من محظورات تمثل جرائم جنائية فإنها في ذات الوقت تشكل جرائم تأديبية تستوجب معاقبة مرتكبها إذا ثبتت في حقه دون حاجة إلى تحريك الدعوي الجنائية ضده، وأيضا لا يلزم أن تتضمن تلك المخالفات قوانين خاصة تنظم المهنة باعتبار قانون العقوبات قانون عام يسري على كافة أفراد الدولة ومؤسساتها فضلا عن أن النصوص الواردة به تعد خاصة بمهنة الصحافة الأعلام، فمن ثم فإن ارتكاب فعل من الأفعال المنصوص عليها ـ على النحو السالف بيانه ـ يمثل بطبيعته خروجا على مقتضي الواجب الوظيفي، ومن الضمانات التي حاط بها المشرع أعضاء نقابة الصحفيين أن يجري التحقيق ابتداء أمام لجنة التحقيق بالنقابة، قبل الإحالة إلى المحاكمة التأديبية أمام الهيئة التي نص عليها القانون.
ومن حيث إنه هديا بما تقدم، وكان المدعي قد أقام دعواه الماثلة ناعيا علي مجلس نقابة الصحفيين عدم إحالة المدعي عليهما الثاني والثالث إلي لجنة التحقيق بالنقابة لصدور بعض المخالفات التي أوردها في عريضة دعواه منسوبة إليهما ، ترتبط بالتعليق على دعاوي كانت مقامة أمام القضاء، والتي من شأنها لو ثبتت تستوجب معاقبة مرتكبها، وإذ لم يقدم المدعي أية أوراق أو مستندات تؤيد ما ذكره بعريضة دعواه أو الشكوي المقدمة منه إلي نقابة الصحفيين، فإن أقواله تعد مجرد أقوال مرسلة لا دليل عليها ، ولا يجوز من ثم لمجلس النقابة إحالة عضو من أعضاء النقابة إلى التحقيق دون وجود دلائل وشبهات تفيد احتمالية وقوع الفعل ، فالأصل البراءة ، والدليل علي من ادعي ، ولا يجوز إلقاء اتهام دون تقديم بينة ، أو إجراء تحقيق يقوم على افتراض الاتهام ويلقي عبء إثبات البراءة على المتهم، وبالتالي فإن مجرد تقديم شكوي إلى النقابة أو طلب بإجراء التحقيق لا يسوغ إحالة المشكو في حقهما إلى لجنة التحقيق ، ومن ثم لا يكون ثمة امتناع من جانب النقابة المدعي عليها ، الأمر الذي تكون معه الدعوي الماثلة لا تنصب على قرار إداري سواء سلبي أو إيجابي مما يجوز الطعن عليه بالإلغاء، وهو ما يوجب على المحكمة القضاء بعدم قبولها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق